كيف تحوّل الساحل الإفريقي إلى خاصرة رخوة للقارة السمراء وكابوس أوروبا؟

كيف تحوّل الساحل الإفريقي إلى خاصرة رخوة للقارة السمراء وكابوس أوروبا؟


تشهد منطقة الساحل الإفريقي تطورات لافتة ومتسارعة جعلت منها بؤرة للتوتر والاضطراب، وساحة صراع لا تكاد تهدأ، ما يهدد بنزاعات وتداعيات إقليمية ودولية خطيرة، تمسّ ليس فقط منطقة شمال إفريقيا، بل كامل القارة العجوز.
ففي هذه المنطقة التي تعيش على وقع أزمات مناخية وسياسية وعسكرية مركّبة، تحالف الإرهاب مع المناخ مع التوترات السياسية المتصاعدة، ما حوّلها إلى منطقة رخوة في قلب القارة السمراء، بحسب مصادر.
وتربط مصادر غربية مهتمة بالشأن الإفريقي بين الاضطرابات المناخية وتآكل الدولة من الداخل، إذ اعتبرت أن تنافس الأعراق والإثنيات المختلفة على الموارد نتيجة تقلص المساحات الزراعية بفعل العوامل المناخية المتغيرة، علاوة على الهجرة غير المنظّمة والصراعات العابرة للحدود مع بروز الجماعات المسلحة غير الحكومية والتنظيمات الإرهابية، كلها أفضت إلى فقدان الثقة في مشروعية الدولة.
وأشارت المصادر إلى أن تفاقم الجوع وانعدام الأمن واستفحال ظاهرة الهجرة والنزوح في إفريقيا، إلى جانب موجات الجفاف والفيضانات، يؤدّي إلى فقدان الأرواح وتدمير سبل العيش والاستقرار الأهلي والسياسي.
وتسلّط تقارير حديثة الضوء على شحّ الموارد المائية في العالم بصفة عامة، وعلى إفريقيا بصفة خاصة، منوّهة إلى تعرّض جنوب القارة لجفاف شديد في عام 2024، في حين سادت أحوال ممطرة فوق المعدلات الطبيعية في وسط وغرب وشرق إفريقيا.

الأمن المناخي
وأكد خبراء مختصون أن منطقة الساحل الإفريقي تُعدّ عينة نموذجية لما اصطلح على تسميته بـ»الأمن المناخي»، حيث تساهم التقلبات البيئية والمناخية مع ضعف وهشاشة الأنظمة السياسية، فضلًا عن التدخلات الإقليمية والدولية، في خلق بيئة خصبة لانتشار الحركات المتشددة.
وبيّنت المصادر أن المنطقة تعاني من عدة مشاكل بيئية ومناخية على رأسها عدم استقرار تهاطل الأمطار، وانتشار موجات الجفاف الحادة، وما يصاحبها من ظواهر التصحر وفيضانات غير متوقعة تكون نتائجها كارثية.

أرقام مفزعة
وأردفت أن قرابة نصف مليون مواطن في إقليم الساحل والصحراء (400 ألف) يعانون من انعدام مصادر المياه الصالحة للشرب، وذلك بسبب انعدام معدلات الأمن المائي الناتج عن موجات الجفاف الحادة.
وأكدت أن أكثر من 7 ملايين مواطن يعانون من أزمات غذائية حادة في منطقة حوض بحيرة تشاد، نتيجة الظواهر المناخية التي أثرت بشكل ملحوظ على النشاط الزراعي والرعوي الذي تعتمد عليه المنطقة بشكل أساسي في تأمين احتياجاتها الغذائية.
وفي الأثناء، كشفت التقارير الأممية أنه من المتوقع انخفاض الناتج المحلي لدول هذه المنطقة بمعدل 20% عام 2050، مع قابلية شديدة للزيادة السلبية في حال عدم اتخاذ خطوات جادة لاحتواء هذه الأزمات المركّبة.
وبالرغم من أن منطقة الساحل تشكّل حوالي 0.9% من نسبة سكان العالم، فإنها تحتاج إلى نحو 5% من المساعدات الإنسانية العالمية، إذ يعاني ما يقارب ثلاثة أرباع السكان من «الغذاء غير الكافي».
ويرجع ذلك لمجموعة من المسببات، أبرزها النزوح الداخلي نتيجة التغيرات المناخية، حيث ارتفع عدد النازحين داخليًا بنسبة 2400% عام 2014، وارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي في منطقة الساحل 532%.
وقد مثّلت هذه الأرضية بيئة خصبة لاستفحال الجماعات المتشددة في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما نبّه إلى خطورته الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي اعتبر في وقت سابق أن الظواهر المناخية المتطرفة تعمل على تفاقم احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية وتوسع نطاقها، وأن التدهور البيئي يعرّض أي منطقة غير مستقرة لمزيد من التهديدات الأمنية، وهو ما يظهر جليًا في القارة الإفريقية ولاسيما في منطقة الساحل الإفريقي، واصفًا إياها بالمنطقة الأكثر هشاشة ورخاوة في القارة الإفريقية على المستويات كافة.

هجرة مناخية عالمية
في هذه الأثناء، دقّت المنظمة الدولية للهجرة ناقوس الخطر من تفاقم ظاهرة الهجرة المناخية بما تحمله من مخاطر وتحديات إقليمية ودولية.
وقدّرت المنظمة أن يتراوح عدد المهاجرين في العالم لأسباب متعلقة بالمناخ بين 44 و216 مليون شخص بحلول سنة 2050. وحسب تقرير المنظمة، فإن 22 مليون شخص اضطروا إلى النزوح خلال عقد 2012-2021 بسبب التغيرات المناخية.
ووفق ترجيحات التقرير الأممي، فإن المناطق التي ستشهد أعلى معدلات الهجرة بحلول 2050 هي دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وشرق آسيا والمحيط الهادئ، وجنوب آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا وآسيا الوسطى.
وشدّد على أن ارتفاع مستوى سطح البحر يمكن أن يؤدي إلى هجرة 750 ألف شخص في ساحل شرق إفريقيا بين 2020 و2050.
وتمثل هذه الأرقام كابوسًا لأوروبا، التي تدرك تمام الإدراك أن جزءًا كبيرًا من مواطني الساحل الإفريقي سيلجؤون إليها هربًا من التغيرات المناخية المتطرفة وبحثًا عن الماء والغذاء ولقمة العيش.
ولئن سعت بروكسل إلى الحيلولة دون هذه الظاهرة بعقد تفاهمات مع دول العبور، وخاصة دول الساحل الجنوبي للمتوسط، إلا أنها أقرب إلى المسكنات منها إلى الحلول الجذرية، حيث إن استمرار وتفاقم المشاكل المناخية في الساحل الإفريقي سيزيدان من ظاهرة الهجرة غير النظامية.

أزمات مسلحة مركّبة
وتسبّب هذا الوضع البيئي المضطرب في اندلاع أزمات مسلحة مركّبة، قوامها حروب الرعاة ضد المزارعين، وحروب البدو ضد المزارعين، وحروب الحركات المتشددة ضد القوات الأمنية والعسكرية والمدنيين في بلدان منطقة الساحل.
وتذكر دراسات استراتيجية ميدانية أن دولتي مالي والنيجر تشهدان بشكل متسارع ومطّرد، على مستوى الكمّ والكيف، صراعات دموية بين المزارعين والرعاة للسيطرة على الموارد المائية الشحيحة، وهو صراع تعجز السلطات المركزية عن إدارته ناهيك عن حله في ظل جفاف أتى على الأخضر واليابس.
كما تشير الدراسات ذاتها إلى أن بوركينا فاسو تشهد حروبًا ضروسًا بين المزارعين والبدو بسبب نقص أعلاف البدو وانعدام الكلأ جراء الجفاف الذي ضرب شمال البلاد، ما يضطرهم إلى النزوح جنوبًا. فتحدث مواجهات عنيفة بين الطرفين، ويزداد الأمر سوءًا بسبب دعم الدولة للمزارعين.
 وحسب الدراسات تفضل السلطات مناطق الزراعة المستقرة مقابل تهميشها للرعاة الذين يعمدون إلى الاعتداء على المناطق الزراعية، وهو ما يخلق توترات داخلية على مدار العام.
أما الجماعات الإرهابية فهي الطرف الرابح والمستفيد من هذه الاضطرابات الداخلية، إذ تستغل ضعف الدولة وانشغالها بهذه التوترات، وهشاشة مؤسساتها واقتصادها، للسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي، وخاصة الغنية بالثروات الباطنية، وفي بعض الأحيان الاستيلاء على مناجم الذهب واليورانيوم والاستفادة منها ماليًا وتسليحيًا.
كما أنها تسيطر في أحيان أخرى على طرق الهجرة والنزوح لفرض إتاوات على المهاجرين والنازحين، وفي كثير من الأحيان تجنيد الأطفال والشباب في صفوفها وتحويلهم إلى مقاتلين أو تشغيلهم في مناجم الذهب.
ومن المنتظر أن تتفاقم أزمات المنطقة خلال الفترة القادمة، وسط توقعات بأن تفوق نسبة الهجرة إلى الخارج نسبة النزوح الداخلي، وهي ظاهرة بشرية خطيرة ستصطدم بالسياسات الحمائية للدول الغربية والأوروبية بعد صعود اليمين المتطرف، الذي يضيّق على مطالب الهجرة ويرفض بشكل راديكالي مبدأ «اللجوء المناخي».