كيف تنهار حجج بايدن للانسحاب من أفغانستان؟

كيف تنهار حجج بايدن للانسحاب من أفغانستان؟


رد الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد ريتشارد فونتين والزميل البارز المساعد في المركز نفسه فانسه سيرشوك على ثلاث حجج يقدمها المسؤولون في إدارة بايدن ليدعموا قرارهم بالانسحاب من أفغانستان. يرتكز هذا القرار أساساً على التفرّغ لمواجهة الصين وهو أمر لا يمكنه التحقق في ظل الانغماس في حرب لا تنتهي بحسب رؤية الإدارة .
وتعتقد الأخيرة أن الانسحاب من أفغانستان سيحرر الموارد العسكرية ويعيد نشرها في منطقة الإندو-باسيفيك، كما سيحرر المسؤولين الديبلوماسيين والبيروقراطيين لتخصيص وقتهم من أجل الصين. وبحسب الحجة الثالثة للإدارة، سيدخر الانسحاب الكثير من الأموال لدعم صناديق مخصصة للتنافس مع الصين. يرى الباحثان في مجلة “ذي اطلانتيك” أن هذه الحجج الثلاث تبدو مقنعة على مستوى الحدس. لكنها لا تصمد أمام التفنيد.

نقطة في محيط
على المستوى العسكري، تقلص الحضور العسكري الأمريكي في أفغانستان إلى أقل من لواء حين استلم بايدن منصبه. أمكن أن تكون بضعة آلاف من القوات الأمريكية كافية لمنع حكومة كابول من السقوط أمام طالبان، لكن إعادة نشرها لن تؤثر على مستوى تغيير توازن القوى العالمي. إن الإمكانات التي يتم سحبها من أفغانستان تمثل نقطة في ذلك المحيط. مع ذلك، لو كانت واشنطن تريد وقف الحرب في أفغانستان ونقل هذه القوات إلى الإندو-باسيفيك لأمكن القول إن الإدارة عززت الالتزام الأمريكي هناك. لكن الخطة الحالية لا تقتضي وقف العمليات في أفغانستان بل فقط شنها من خارج البلاد وفقاً للكاتبين.
ليس بإمكان إدارة بايدن إنهاء جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان لسبب بسيط وهو أن التهديد الإرهابي لم يتبدد.
 على العكس من ذلك، حذر تقرير صادر عن وزارة الخزانة هذه السنة من أن “القاعدة تكتسب القوة في أفغانسـتان فيما تواصل العمل مع طالبان وتحت حماية طالبان”.
 وتضاعفت ملاذات الإرهابيين مرات عدة منذ هجمات 11 سبتمبر كمــــــــا أن “جزءاً بارزاً” من قيادة القاعدة لا يزال يتخذ من الحدود الأفغانية-الباكستانية مقراً لــه، وفقاً لتقرير أممي صادر هذا الشهر. للتعامل مع هذا التهديد، تعهدت إدارة بايدن بتبني استراتيجية “ما وراء الأفق” لمكافحة الإرهاب.
مستلزمات وأعباء
في البداية على الأقل، ستستلزم هذه الاستراتيجية إطلاق عمليات من قواعد في دول الخليج وسيكون على المقاتلات التحليق لساعات عدة قبل أن تصل إلى أفغانستان مع ما يعنيه ذلك من استهلاك كبير للوقود مما لا يمنحها وقتاً كبيراً كي تحوم في الأجواء. ولأن مكافحة الإرهاب الفعالة تتطلب تحليقاً مستمراً لكشف وقصف الأهداف، سيكون على البنتاغون تخصيص المزيد من المقاتلات للمهمة الأفغانية. ومن المرجح أن تخضع وزارة الدفاع للضغط كي تنشر حاملة طائرات بشكل دائم تقريباً قبالة باكستان لتأمين قوة نارية إضافية. بذلك، تابع الكاتبان، ستخاطر المقاربة الأمريكية الجديدة لأفغانستان بإعادة توزيع عبء مهمة مكافحة الإرهاب هناك بعيداً من القوات البرية التي لا حاجة خاصة لها في مواجهة طارئة للصين.
ولجعل الأمور أسوأ، قليلون من حلفاء واشنطن قادرون على المساهمة جدياً في استراتيجية “ما وراء الأفق” هذه. حتى وقت قريب، مثلت القوات الأمريكية جزءاً من الوجود الأجنبي في أفغانستان (تقريباً الثلث). اليوم، سيقع التركيز الأكبر على استخدام الأصول العالية التقنية التي لا يملكها معظم حلفاء واشنطن. يبدو أن الانسحاب سيحول المهمة الأفغانية من مهمة متعددة الأطراف إلى أخرى تتحمل الولايات المتحدة أعباءها بشكل غير متناسق.

هكذا أنهك القرار
مسؤولي الإدارة
أضاف الباحثان أن قرار الانسحاب أطلق سلسلة أزمات متوقعة أنهكت قسماً أكبر من المسؤولين الرفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية. تشمل هذه الأزمات اندفاعة مجنونة لفك تشابك تأشيرات الهجرة الخاصة للحلفاء الأفغان الذين أصبحت حياتهم على المحك. وانشغل المسؤولون أيضاً في محاولات غير ناجحة لغاية اليوم لعقد ترتيبات بشأن إقامة قواعد عسكرية في دول آسيا الوسطى التي تفاوض بتشدد. ويعمل هؤلاء على دفع الحكومة التركية للاحتفاظ بقواتها في كابول من أجل إبقاء مطارها مفتوحاً، ومعه السفارات الأجنبية. كذلك، يعاني البنتاغون لإيجاد طريقة من أجل خدمة التجهيزات العسكرية المقدمة إلى كابول ومن أجل مواصلة تدريب الجيش الأفغاني خصوصاً قواته الجوية، من دون جنود ولا حتى متعاقدين أمريكيين.

ماذا عن توفير الأموال؟
لا شك في أن إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان سيوفر أموالاً على واشنطن، لكن بشكل أقل بكثير مما قد يعتقده المرء. في نهاية المطاف، يجب إيواء القوات الأمريكية وتموينها ودفع رواتبها، أكانت مستقرة في أفغانستان أو في تكساس. من جهة ثانية، تعهدت إدارة بايدن بإبقاء الدعم المالي للجيش الأفغاني بحدود مليارات عدة من الدولارات سنوياً، حتى أنها اقترحت زيادة الدعم المالي لحكومة كابول. وهنالك أيضاً كلفة الصيانة والكلفة التشغيلية للمقاتلات أو المسيّرات التي تجتاز مسافات طويلة كي تصل إلى أفغانستان. وترتيبات القواعد العسكرية الجديدة ستكون مكلفة. إذا تم جمع هذه الأكلاف، يبدأ توفير المال يتحول إلى ما هو أقرب إلى الوهم عوضاً عن الواقع، بحسب توصيف الباحثين.

أضرار مأسوية وغير ضرورية
يقترح التاريخ كيف أن الاضطراب في الشرق الأوسط الأعظم قد يغير أفضل مخططات واشنطن. استلمت إدارة بوش منصبها متوقعة أن تخصص جهدها لمواجهة صعود الصين قبل أن تخرج سياستها عن مسارها المحدد عقب هجمات 11 سبتمبر. بعد 12 عاماً، بدأت إدارة أوباما ولايتها الثانية مصممة على التركيز على آسيا، لكن ظهور داعش أنهى تلك الطموحات. وأوضح الباحثان أن استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان ليست عدواً لسياسة صينية قوية بل شرطاً مسبقاً لها. ولفتا النظر إلى أن سقوط أفغانستان وانعدام الاستقرار قد يجعل طموح أمريكا في التنافس الاستراتيجي مع الصين من بين أضرار مأسوية كثيرة وغير ضرورية.