كيف خذل الرئيس الأمريكي بايدن العراق؟
تتأزم الأوضاع السياسية في العراق بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي بشكل نهائي الاثنين، إثر تعثر الحلول لتشكيل حكومة عراقية جامعة بعيداً عن الهيمنة الإيرانية، التي يسعى “الإطار التنسيقي” لتعزيزها.
وشكل فوز كتلة الصدر في الانتخابات النيابية الماضية والتي جرت في أكتوبر -تشرين الأول 2021 بعدد كبير من المقاعد في البرلمان العراقي نقطة محورية، دفعت نحو تمكين الزعيم الشيعي المعارض لإيران من تشكيل حكومة مستقلة، لكن لم يحظ الصدر بالدعم الكافي لتعزيز قوته.
لم تبصر محاولات الصدر لتضميد جراح العراق النور، بسبب قلة الدعم الخارجي، خاصة الأمريكي. ورغم تأكيد إدارة بايدن على دورها في تعزيز الديمقراطية بالعراق إلا أنها لم تسهم بشكل بارز في عملية تشكيل الحكومة الجديدة لإبعاد العراق عن أزمة أسوأ.
جفاء أمريكي
يقول الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر، في مقال له بموقع “معهد واشنطن” نشر في 24 أغسطس -آب الجاري، “لا يبدو أن الإدارة الأمريكية بذلت جهوداً منسقة لإحباط السيناريو الإيراني في العراق”. فخلال الأشهر التسعة تقريباً الفاصلة بين الانتخابات وانسحاب النواب الصدريين، تُظهر السجلات العامة أن كبار المسؤولين الأمريكيين في وزارة الخارجية و”مجلس الأمن القومي” لم يزوروا العراق سوى مرتين، وأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لم يقم سوى بعدد قليل من المحادثات مع صناع القرار في العراق في محاولة للتأثير على التطورات على الأرض. وربما تكون السفيرة الأمريكية الجديدة المتميزة إلى العراق، ألينا رومانوسكي، قد ضغطت أيضاً من أجل حل هذه المسألة بعد وصولها إلى بغداد في يونيو -حزيران الأخير. ولكن من خلال ما يظهر من الأمر، فإنها فعلت ذلك من دون دعم كاف من واشنطن.
ويؤكد الخبير الأمريكي، “لم يكن غياب انخراط إدارة أمريكية رفيعة المستوى في محاولات العراق لتشكيل حكومة بعد الانتخابات مجرد إغفال غير مقصود، بل قراراً متخذاً عن سابق تصور وتصميم”. وكما قال أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن طلب عدم الكشف عن هويته وبغير مبالاة في ديسمبر -كانون الأول الماضي، كانت خطة الإدارة الأمريكية تقضي بـ”ترك العراقيين ليحلّوا مشاكلهم بأنفسهم».
وبحسب شينكر، فإن واشنطن عادة لا تدلي برأيها حول نتائج الانتخابات في دول أخرى، وتفضل بدلاً من ذلك التركيز على دعم المؤسسات. لكن العراق، للأسف، ليس بلداً عادياً، بالنظر إلى أن الحكم الديمقراطي الناشئ فيه يواجه العديد من الصعوبات في ظل الضغوط التي تمارسها الذراع الإيرانية الطويلة النافذة في العراق -أي ميليشيا قوات الحشد الشعبي التي يبلغ قوامها حوالي 100 ألف عنصر. وقد تكون الانتخابات التي شهدها العراق قد أسهمت في نهاية المطاف في إضعاف قبضة إيران الخانقة على البلد، لكن فك الارتباط الأمريكي خلال عملية تشكيل الحكومة ترك فراغاً لم تتأخر طهران في سده.
حضور إيراني
وفي المقابل، زار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإرهابي الإيراني، إسماعيل قآني، وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين العراق ما لا يقل عن 10 مرات خلال الأشهر الأخيرة لتهديد شركائهم المحليين وخصومهم، وخداعهم، وإقناعهم بكيفية تشكيل الحكومة المقبلة.
تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن لصحيفة “واشنطن بوست” قبل 6 أسابيع، حول أن الشرق الأوسط في عهد إدارته أصبح “أكثر استقراراً وأماناً”، لم تعد صحيحة مع تحول العراق لساحة اقتتال تسعى إيران لإبقاء هيمنتها عليه. من شأن الانسداد السياسي الحاصل، أن يعظم نفوذ إيران في العراق من دون قدرة الولايات المتحدة على إحداث فارق أو تغيير الحالة السياسية المتردية، وفقاً لما ذكره الكاتب السعودي يوسف الديني في مقال له بصحيفة “الشرق الأوسط».
وبحسب الديني، فإن حالة التخلي والاختزال في ملف حساس جداً كالعراق تباهت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في التعامل معه كمنجز ديمقراطي يطلق صفارات الإنذار والحذر في المنطقة، فأمن العراق والخليج والمنطقة مرتبط تماماً بمستوى وعمق حالة التخلي والاختزال، إضافة إلى عدم طرح مسألة السلوك الإيراني بشكل واضح يعالج المخاوف الحقيقة والجادة لحلفاء الولايات المتحدة.
ويؤكد الكاتب أيضاً، أن التوصل إلى اتفاق نووي سيضغط على الحالة العراقية، فالعراقيون الذين رفضوا هيمنة الملالي على بلادهم يتم التخلي عنهم حيث باتوا لا يشكلون أولوية الإدارة الحالية.