كيف صاغ الناتو في العراق نموذجاً أمنياً قابلاً للتكرار؟

كيف صاغ الناتو في العراق نموذجاً أمنياً قابلاً للتكرار؟


في عالم مضطرب يشهد تصاعداً في التحديات الأمنية والموارد المحدودة، تبرز الحاجة إلى نماذج فعالة ومنخفضة التكلفة للتدخلات الدولية.
وفي هذا السياق، يستعرض الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس فوغو، القائد السابق للقوات البحرية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، وعميد «مركز الاستراتيجية البحرية»، الدروس المستفادة من مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق، بوصفها نموذجاً مرناً يمكن تعميمه على دول أخرى تعاني من هشاشة أمنية مماثلة.
ودعا فوغو، في مقاله بموقع مجلة «ناشيونال إنترست» إلى استخلاص العبر من تجربة العراق، وتوسيع نطاقها إلى مناطق أخرى مثل لبنان وسوريا، من خلال مقاربة تجمع بين التدريب، والدعم المؤسسي، وردع التهديدات المتصاعدة.

نموذج يمكن البناء عليه
وقال الكاتب إن مهمة الناتو في العراق ساهمت في تطوير القدرات المؤسساتية والأمنية للقوات العراقية لمواجهة التهديدات الإرهابية بعد مرحلة الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي. 
وأضاف فوغو أن هذه التجربة أثبتت فعاليتها كنموذج منخفض التكلفة وقابل للتكرار في بلدان أخرى تعاني من الهشاشة، داعياً إلى تطبيق هذا النموذج في أماكن مثل لبنان وسوريا، كإجراء وقائي واستباقي لتعزيز الاستقرار.

من التأسيس 
إلى الانسحاب
وأوضح الكاتب أن الناتو كان قد بدأ أولى مهامه في العراق عام 2004 بمواقع مثل يونيون 3 وكامب دبلن والرستمية، بهدف تدريب القوات العراقية وتعزيز مهنيتها، غير أن المهمة توقفت مع انسحاب القوات الأمريكية في ديسمبر -كانون الأول 2011، ليظهر بعدها الخلل الأمني جلياً مع صعود تنظيم «داعش» الإرهابي، وسيطرته على الموصل عام 2014، مما استدعى إطلاق عملية «العزم الصلب» بقيادة الولايات المتحدة.
وأشار فوغو إلى أن الحكومة العراقية طلبت عام 2015 استئناف التعاون مع الناتو، ليتم فعلياً إرسال فريق تدريبي إلى بغداد في 2016، ثم تطورت المهمة إلى ما عُرف بـ»مهمة الناتو في العراق» تحت إشرافه المباشر عام 2018.
وتولى قيادة هذه المهمة في البداية اللواء الكندي داني فورتان، قبل أن تخلفه اللواء جيني كارينيان، التي أصبحت لاحقاً أول امرأة ترأس أركان الدفاع في كندا.
ركائز العمل الميداني
 استعرض الكاتب ثلاث ركائز رئيسية ارتكزت عليها المهمة: بغداد: حيث جرى إصلاح مؤسساتي وتعزيز التعليم القيادي، بما في ذلك تعليم اللغة الإنجليزية.
بسماية: مركز لتدريب وحدات إزالة المتفجرات لمواجهة مخلفات الحرب.  التاجي: تأسيس مدرسة للنقل واللوجستيات لضمان مرونة تحرك القوات.

التحديات الميدانية
تابع فوغو حديثه عن التحديات التي واجهت المهمة، موضحاً أن التهديد الأبرز جاء من الميليشيات المدعومة من إيران، خاصة بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني عام 2020، وهو ما أدى إلى تصعيد كبير استهدف مواقع تضم أفراداً من الناتو. على إثر ذلك، اضطر الحلف لتعليق المهمة مؤقتاً وإجلاء أغلب المدربين إلى الكويت، مع إبقاء فريق قيادي في بغداد بقيادة كارينيان. وقال الكاتب إن وزراء دفاع الناتو وافقوا عام 2021 على توسيع نطاق المهمة ليشمل تقديم المشورة لوزارة الداخلية والشرطة الاتحادية، مع التركيز على أخلاقيات المهنة، سيادة القانون، مكافحة الفساد، وحماية المدنيين. كما أُدرجت أجندة «المرأة والسلام والأمن» في برامج التدريب.

فوائد استراتيجية
\ قابلة للتطبيق
أوضح فوغو أن هذه المهمة تؤكد أن بناء القدرات الأمنية والمؤسساتية يمكن أن يكون بديلاً فعالاً عن التدخلات العسكرية المباشرة.
وأضاف أن نجاح هذا النموذج يتطلب دعماً قانونياً ودبلوماسياً موازياً، مشيراً إلى مشروع قانون مطروح في الكونغرس عام 2025 يصنف تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية، ما قد يعزز جهود تجفيف منابع التطرف.

مقاربة متكاملة
 للتهديدات المستقبلية
خلص الكاتب إلى أن الجمع بين التدريب الميداني والأدوات القانونية الدولية يشكل استراتيجية شاملة ومرنة لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة.
وأكد أن مهمة الناتو في العراق توفر للولايات المتحدة وحلفائها آلية لتثبيت الأمن دون الغرق في عمليات قتالية مرهقة، وهي ميزة حاسمة في عالم تتزايد فيه النزاعات وتتعقد فيه الحسابات الاستراتيجية.