رئيس الدولة يبحث مع الرئيس الفرنسي مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين
كانت حرب العراق وصمة عار دائمة
كيف قوّض ترامب وتاكر كارلسون السياسة الخارجية للجمهوريين؟
أشارت المراسلة التي تغطي شؤون المحافظين روزي غراي إلى أن من معالم الحزب الجمهوري الكثيرة التي فجرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كان جهاز السياسة الخارجية من أبرزها.
مثّل ترامب قطيعة مع عقود من إجماع جمهوريي ما بعد ريغان على ضرورة تمتع أمريكا بحضور مهيمن في السياسات العالمية. لكن غراي لفتت النظر في صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الأمر لم يتعلق بالمحتوى وحسب. الطريقة التي اتبع من خلالها سياساته والتي غالباً ما كانت متهورة ومبنية على الشعور الغريزي أو على نصيحة الغرباء المفتقرين للخبرة شكلت أيضاً تحولاً على المقدار نفسه من الأهمية.
«بلوب»
تقليدياً، كان التأثير الرئيسي وراء السياسات الخارجية لكلا الحزبين عبارة عن شبكة من المنتمين لمؤسسات الرأي والمسؤولين السابقين وغيرهم من المتخصصين الذين شكلوا ما أطلق عليه المسؤول في إدارة أوباما بن رودس اسم “بلوب” (مؤسسة السياسة الخارجية). في حين أن المؤسسة ليست متجانسة تماماً، يتشارك أعضاؤها عموماً دوافع سياسية مماثلة تجاه الأممية والتدخلية، وهي ما يُطلق عليها غالباً وجهة نظر السياسة الخارجية القوية.
خلال موسم الحملات الانتخابية، بإمكان المرشح الذي يفتقر إلى الخبرة في هذا المجال، وهو عادة ما يفعل ذلك، اختيار مستشارين مقربين أيديولوجياً من ضمن المؤسسة حيث سيصبحون خيارات واضحة للخدمة في الإدارة. لعبت الأولويات المتشددة لطبقة المانحين الجمهوريين دوراً أيضاً. كانت هذه المجموعات معاً جزءاً من الآلة الغامضة المعروفة باسم المؤسسة الجمهورية التي تسللت وجهات نظرها من خلال السياسيين إلى عموم الناس، والتي بنى ترامب هويته السياسية الأساسية ضدها.
انقلاب
لهذا السبب، كثيراً ما يوصف دعم سفيرة ترامب السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هالي ونائبه السابق مايك بنس لأوكرانيا بأنه “وجهة نظر المؤسسة”. ولكن بعد التغييرات التي أدخلها ترامب، أصبح الصقور الآن دخلاء. إن موقف ترامب ورون ديسانتيس المشكك بأوكرانيا، وهما يحظيان معاً بتأييد ثلاثة أرباع الناخبين الجمهوريين الأساسيين، بات يُنظر إليه بمزيد من الدقة على أنه الموقف الحالي للمؤسسة.
أصبح حاكم فلوريدا نجماً لدى اليمين كمحارب ثقافي عدواني يقاتل الليبراليين بشأن قضايا العرق والجنس. ليس لديه خبرة عميقة في السياسة الخارجية، وإذا كان هناك من يقدم له المشورة بشأن السياسة الخارجية فهو بالتأكيد لا يعلن عنها. ظل ديسانتيس صامتاً في الغالب بشأن قضية أوكرانيا حتى وقت سابق من هذه السنة، عندما رد على استبيان مرشحين تقدم به برنامج تاكر كارلسون الذي تم إلغاؤه الآن.
قلل ديسانتيس من شأن الحرب باعتبارها “نزاعاً إقليمياً”، واصطف مع الحجة الانعزالية القائلة إن الولايات المتحدة ليس لديها اهتمام يذكر بالصراع وإنه يتوجب أن تحد مشاركتها فيه. وبالرغم من ارتفاعه بين الجمهور الأمريكي العام، انخفض بشكل مطرد تأييد الناخبين الجمهوريين للمساعدات المقدمة إلى أوكرانيا. أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو أنه في مارس (آذار) من السنة الماضية، اعتقد 9 في المئة فقط من الجمهوريين أن الولايات المتحدة منخرطة أكثر من اللازم. ارتفع هذا الرقم إلى 40 في المئة هذه السنة.
ما سبب هذا الانقلاب في الرأي؟
شكل نفاد الصبر من الحرب وعدم الرضا عن إدارة بايدن عاملاً في تحول الرأي الجمهوري بالتأكيد. ولكن إلى جانب ذلك، حسب غراي، ثمة تحول بنيوي: تدور دورة التأثير الآن في حلقة مفرغة بين السياسيين وقاعدتهم الناخبة، وهي حلقة تستبعد الآن الخبراء المحبين للناتو من المؤسسة السابقة، وبدلاً من ذلك، تتدفق عبر عُقد قوية في النظام البيئي للإعلام المحافظ مثل نجم فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون ونجمتها الحالية لورا إنغرام.
حسب غراي، يتمتع ترامب بموهبة الفن الشعبوي في تمثيل غرائز المؤيدين وتغذيتها وتكثيفها. ليس الأمر أنه اخترع السلالة الانعزالية في تفكير السياسة الخارجية للجمهوريين.
تعكس آراء ترامب صدى المناهضة القديمة للأممية والتي تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية وقد ظلت على قيد الحياة بفعل شخصيات هامشية مثل باتريك بوكانان ورون بول. لكن ترامب استشعر إمكانية جذبها الواسع للناخبين الذين لا يثقون في صناعة القرار لدى النخبة. غير أن ديسانتيس، وبدلاً من استشعار هذه الإمكانية، قام فقط بتمثيل موقف جمهور مهيأ أساساً لقبولها.
مرشح أم صدى؟
تجاهل ترامب ديسانتيس باعتباره مقلداً “يتبعه” فقط. قال ترامب في مارس بعد البيان الأولي لديانتيس بشأن أوكرانيا: “كل ما أريده يريده”. اتهمت هالي ديسانتيس أيضاً بـ”نسخ” ترامب. وقالت: “الناخبون يستحقون خياراً، لا صدى”. بشكل متوقع، كان صقور سابقون في المؤسسة منزعجين، بمن فيهم السيناتور ماركو روبيو وليندزي غراهام.
لدى المؤسسة حلفاء مثل هالي أو وزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي سافر إلى أوكرانيا مؤخراً لمقابلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأشار إلى أن تسليح كييف يوفر الأموال على الولايات المتحدة في المدى الطويل.
أضافت غراي أنه وسط رد فعل عنيف، تراجع ديسانتيس إلى حد ما. خلال ظهوره ضمن برنامج بيرس مورغان في مارس، قال إن ملاحظته حول “النزاع الإقليمي” قد “أسيء فهمها” وإنه كان يشير ببساطة إلى المناطق المتنازع عليها في شرق أوكرانيا، وإنه يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “مجرم حرب».
كانت حرب العراق وصمة عار دائمة على سمعة المؤسسة وقد أدت مباشرة إلى السياسة الخارجية الشعبوية لدى اليمين اليوم. قبل ترامب، اختار الجمهوريون على التوالي مرشحَين (جون ماكين وميت رومني) أيدا الحرب في وقت تراجعت موافقة الجمهور عليها. لم تلحق الأصوات القيادية بين اليمين بهذا التغيير. أدى الغضب من فشل العراق ومن النخب التي تسببت بذلك إلى تغذية دوامة السخط التي كان ترامب قادراً على توجيهها معززاً اقتناع قاعدته بصواب رؤيته العالمية بشأن “أمريكا أولاً».
من المنتصر؟
يمكن أن تكون الشعبوية كمبدأ حاكم عصية على التوقع ومقيدة بنزوات المواطنين. والسياسة الخارجية هي منطقة لا يكون فيها المواطنون مطلعين عليها للغاية. قد يرغب 40 في المئة من الناخبين الجمهوريين بانخراط أقل في دعم أوكرانيا حالياً، ولكن ماذا بعد شهر من الآن؟ أو بعد ستة أشهر عندما تكون الانتخابات التمهيدية على الأبواب؟ ماذا عن النتيجة مع وقف بث برنامج كارلسون على قناة فوكس نيوز؟ إن المعرفة بأفضل طريقة – أو حتى بأي طريقة – عن التعامل مع موقف معقد كأوكرانيا هو سبب وجود المؤسسة.
في حالة ترامب، لم تنجح الوعود والتبجحات الارتجالية في كثير من الأحيان، والآلة الهادئة التي تحافظ على سير العمل كالمعتاد، تفوقت عليه – في الوقت الحالي. كما أنها – في الوقت الحالي أيضاً – تفوقت على كارلسون الذي رجحت غراي عودة إطلالاته بشكل أو بآخر حسب ما لمح إليه خلال فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
أفاد موقع سيمافور مؤخراً عن تأثير برنامج كارلسون على المشرعين، حيث جعل الخوف من رد الفعل العنيف بعض الجمهوريين متوترين جداً كي يكونوا موالين لأوكرانيا – وهو مثال آخر على مدى قوة حلقة السياسة الخارجية اليمينية.