رئيس الدولة يبحث مع الرئيس الفرنسي مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين
كيف نرى إيطاليا اليوم من خلال سبع أفلام مُبدعة؟
-- لم يُقِم أي بلد بوضع تطور حياته السياسية و الاجتماعية في منظور سينمائي أكثر من ايطاليا
-- من وصول الفاشيين في بداية ثلاثينيات القرن الماضي الى نهاية حكم أندريوتي و برلسكوني تكشف السينما الايطالية عن بلد مُشبع بالحنين و خيبة الأمل و الفكاهة
سبع أفلام موزعة على ستة عقود تجعل من الممكن فهم الاتجاهات الرئيسية لتطور بلاد السباغيتي ،كما يقال عنها، خلال السنوات الستين الماضية. في مقاربة استعادية من وصول الفاشيين إلى السلطة، عام 1922، إلى رسم صورة قاسية لسيلفيو برلسكوني في نهاية مسيرته المهنية ، تكشف السينما الإيطالية عن بلد مُشبع بالحنين ومليئ بخيبة الأمل والسخرية والفكاهة الإيطالية .
من المثير للاهتمام ، في ظل حكم جيورجيا ميلوني لايطاليا، الخوض في هذه السينما الغنية، من الناحية الفنية، التي تعلمنا الكثير عن إيطاليا، الدولة التي لا تزال غامضة في بعض الأحيان حتى بالنسبة للعديد من الأوروبيين.
لقد قدمت دولة غرامشي عالم الاجتماع الشهير، منذ فترة ما بعد الحرب ، لكل أوروبا وللعالم ثراءا سينمائيا نادرا لم تتضاءل جودته على مر العقود. تقدم هذه السينما حقائق اجتماعية متجذرة في إيطاليا من عصور ومناطق مختلفة، ولكنها تقدم أيضًا صورا غير متجانسة لجميع قادتها، و هي صور يجب على الكثيرين أن يستلهموا منها ويتأملوها جيدا.
لقد قدم المخرج دينو ريسي و باولو سورنتينو و ايتوري سكولا رؤية لتاريخ إيطاليا ولحظاته المتعددة و المتنوعة ، من خلال افلام طرحت العديد من الاسئلة وعكست تنويعات في المشهد الايطالي..
وقد قدمها ممثلون من طراز و مكانة فيتوريو جاسمان و توني سيرفيلو و يوغوتونيازي وغيرهم الكثيرون.. هذه الأفلام لها أهمية سينمائية كبيرة ويمكن اعتبارها شهادات حية ومثيرة من الدرحة الأولى. فنياً هي أفلام في رأس قائمة الإنتاج السينمائي العالمي ،و وتنير المشاهد ببراعة نادرة عن الحياة الإيطالية ، وهنا على وجه الخصوص ، على الحياة السياسية.
مسيرة روما (1962)
لدينو ريزي
هو عمل دينو ريزي العظيم ، أخرجه بعد أربعين عامًا فقط من الأحداث التي أدت إلى وصول موسوليني إلى السلطة ، لا تزال مسيرة روما راسخة ، في الأجيال الجديدة ، من خلال موضوع الفيلم نفسه .
لقد ساعدت موهبة ريسي و يوغو تونيازي و الممثل الفرنسي روجي حنين على جعل هذا الفيلم إحدى روائع السينما العالمية لا الايطالية فقط ، و إسعاد كل مشاهديه.
ينقد الفيلم بهجاء لا هوادة فيه صعود موسيليني للسلطة و مرحلة حكمه و يصور الفاشية الصاعدة على أنها جيش من السفاحين.
يظل “مسيرة روما” لحظة رائعة في السينما الايطالية ويكشف عن موهبة دينو ريسي الفائقة، الذي سيخرج المعالم السينمائية الكبرى “مثل “ المُدعي “والوحوش” والعديد من الأفلام الآخرى، بما في ذلك “باسم الشعب الايطالي».
«أحببنا بعضنا
البعض كثيرًا” (1974) للمخرج إيتوري سكولا
هذا فيلم مشهور جدا..العديدون يحبون بشكل خاص هذه الكوميديا الدرامية والعاطفية حول المصائر المتقاطعة لأربعة أبطال. إمراة و ثلاثة رجال عبروا ثلاثة عقود، منذ الحرب ضد المحتل الألماني عام 1844 إلى السبعينيات. ترتبط الأقدار المختلفة للشخصيات ارتباطًا وثيقا بنهضة ايطاليا و تقدمها بعد عام 1945.
تخضع الالتزامات الاولى لهذه الشخصيات ومُثلها وصداقتها لاختبار الزمن وللأحداث والظروف المادية والاجتماعية لها، وتظهر قدرة ايتوري سكولا وممثليه على إظهار نفس الشخصيات في حقب و أوقات مختلفة مما يجعل من الفيلم معلما لا يُنسى ,
«الشرفة” (1980) لإيتوري سكولا
بمشاركة الممثلين جان لوي ترانتينيان و سارج ريجياني يؤكد ايتوري سكولا في فيلم “الشرفة” على الطابع الفرنسي الإيطالي للإنتاج، لكنه لا يستطيع إخفاء الطبيعة الإيطالية العميقة للموضوع. يمثل فيلم” الشرفة” مفترق طرق للقدر و يسمح بقراءة تاريخ كوبا من خلال منظور المصائر المتقاطعة للشخصيات على خلفية حي وسط هافانا.
في هذا الفيلم الذي تم إخراجه عام 1980 ، يبدو الأصدقاء الذين يلتقون على الشرفة أقرب إلى الشيخوخة ،و لكنها ليست شيخوخة بيولوجية بقدر ما يبدون متقدمين في السن مقارنة بعلاقتهم بتحول المجتمع الايطالي، يتعلق الأمر بمنتج في القناة التلفزيونية الايطالية الأولى وعضو في الحزب الشيوعي الايطالي ، ومؤلف سيناريوهات. يرى الجميعً مصائرهم خاضعة للطفرات التي عرفتها ايطاليا. مرة أخرى، يأتي مرور الوقت، الذي يأخذ الشخصيات بعيدًا، في قلب الفيلم، و يقدم لوحة من الأيام الأخيرة لسيطرة اليسار المثقف في إيطاليا.
«وداعا لبيرلينجير” (1984) ، وثائقي جماعي
من الصعب للمتتبع للسينما ألا يلحظ في هذا الفيلم الوثائقي، عن جنازة انريكو بيرلينجر الذي ترأس الحزب الشيوعي الإيطالي من سنة 1970 الى سنة 1980، الممثل الشهير مارســيو ماستريوني و هو يراقب نعش القيادي الشيوعي الكبير. يعرف بيرليجر كواحد من أكثر القادة الشيوعيين الكاريزماتيين في أوروبا الغربية ، وزعيم الحزب الشيوعي الأكثر ذكاءً في العالم. بيرلينجير، رجل متحفظ من الجهاز الشيوعي ومن اصول أرستقراطية بسردينيا، مَثل موضوعا مهماً للسينما الوثائقية الإيطالية عالية الجودة.
بعد ثلاثين عامًا، كان والتر فيلتروني، الزعيم السابق ليسار الوسط المنبثق من الحزب الشيوعي الايطالي وصحيفته “الاونيتا” (الوحدة) ، هو من انتج فيلمًا وثائقيًا آخر عن بيرلنجر بعنوان “عندما كان بيرلينجير هناك” ، هذه الشخصية الرمزية في التاريخ الحديث لإيطاليا. خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الأوروبية عام 1984، وخلال اجتماع في بادوفا ، أصيب بيرلينجر بجلطة دماغية أدت إلى وفاته بعد أيام قليلة.
كانت صور هذا الاجتماع في بادوفا مؤثرة للغاية حيث واجهته الصعوبات في إلقاء خطابه، وشجعه الحشد وهتفوا “إنريكو ، إنريكو «....
يحضر أكثر من مليون إيطالي جنازة زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي. يصور برتولوتشي إيطاليا بأكملها في حقبة ما.
هذه الحقبة ستنطفئ خلال السنوات التالية ، تحت تأثير الخيارات الاستراتيجية السيئة لليسار ، بينما تغرق معظم الأحزاب في السلطة في فضيحة قانونية ضخمة. سينحني ألميرانتي، الأرستقراطي النابولي الفاشي، ينحني أمام نعش بيرلينجر، الأرستقراطي الشيوعي السرديني و لسوف تنذر وفاة بيرلينجر بموت مفهوم معين للسياسة في إيطاليا.
«النجم” (2008)
لباولو سورينتينو
أن ينجح مخرج في تقديم عمل فني بارع و أخاذ حول شخصية تاريخية تتمتع بقدر ضئيل من الكاريزما فهذا هو التحدي الذي خاضه المخرج باولو سورينتينو حول جوليو أندريوتي. أندريوتي شخصية لا يمكن إزالتها من الحياة السياسية الإيطالية لمدة نصف قرن ترأس خلالها الجناح اليميني للديموقراطية المسيحية و شابته العديد من الفضائح.
تدور أحداث الفيلم حول منتصف حياته المهنية ، بين توليه رئاسة الحكومة في نهاية المطاف وظهوره أمام المحكمة .كان هوس أندريوتي هو الاحتفاظ بدوائه المفضل على قائمة الأدوية الموصوفة، بينما يهاجمه الصداع كما تداهمه سلسلة من الاتهامات بتسبب العديد من الوفيات، التي قد يشك البعض أنه مسؤول عنها على الأقل بشكل غير مباشر. الصحفي مينو بيكوريللي، والجنرال دالا كييزا وألدو مورو هم الضحايا الحقيقيون للمافيا، لكن الإيطاليين، منهم بعض القضاة ، يشتبهون في أن القتلة لم يتصرفوا بمبادرة منهم و ربما يكون أندريوتي مورطا في بعض هذه الاغتيالات بشكل ما.
«تحيا الحرية” (2013) لروبرتو أنديو
حاز هذا الفيلم لربرتو أنديو على جوائز عدة في إيطاليا .تندمج حبكة هذا الفيلم مع الإشكالية القديمة للديمقراطية الإيطالية. هذه الكوميديا الدرامية التي اشتهرت بإيطاليا و في فرنسا، هي ضرب من الخيال دون أن تكون خيالًا كليًا.
بطل هذا العمل زعيم يسار الوسط الايطالي الذي يختار الاختفاء عندما ينخفض في استطلاعات الرأي ، مُتهما في صفوف حزبه بعدم القيام بمهمته على الوجه الاكمل .
للتغطية على اختفائه اختارت زوجته ومعاونه الرئيسي استبداله بتوأمه. يتعلق الأمر بفيلسوف ومؤلف كتاب رائع . يخرج هذا التوأم من مستشفى للأمراض النفسية إلى حيث قادته تقلبات الاضطراب ثنائية القطب. يقوم التوأم بشكل مذهل بتصويب نوايا التصويت والانتصارات على الأرض. المشهد الأخير يفسح المجال لجميع التفسيرات. وبعيدًا عن معرفة أي من الاثنين قد حل مكانه على رأس الحزب الديمقراطي ، فإن هذه المعضلة تبقى لنا ،بالنسبة للحضور في الحياة الديمقراطية، إما التنحى جانبا أو دفع الاحداث في الاتجاه الذي نريد,
«سيلفيو والآخرون” (“لورو”) (2018)
للمخرج باولو سورينتينو
بينما أعطى فيلم “النجم” بموضوعه وإضاءته رائحة مأساة فإنه غالبًا ما يتم تصوير فيلم “ سيلفو و الآخرون” كاعلان تجاري يصور حياة الرئيس الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الذي انتخب عدة مرات رئيسا للمجلس الايطالي .برلسكوني ارتقي الى مرتبة تمثال الشمع في حياة إيطاليا، بكل معنى الكلمة. برلسكوني نراه في غسق حياته محاطا بالنساء ،و لديه متعة واحدة فقط: التقاط هاتفه لبيع مشروع عقاري لشخص غريب.
ما بين الحفلات المثيرة للشفقة التي كان يحييها برلسكوني ومحاولاته العودة إلى السلطة ، يتم تقديم سيلفيو برلسكوني في أقل ضوء ممكن يحسد عليه.
مرة أخرى ، يلعب توني سيرفيلو الشخصية المركزية. يجسد ، بما يتجاوز الماكياج نفسه شخصية برلسكوني قدر تجسيده لشخصية جوليو أندريوتي. لعبت في فيلم “النجم” ظلال وأضواء روما القديمة في اكساب العمل الفني مسحة جمالية راقية، في حين يستخدم فيلم “سيلفيو و الآخرون” أضواء مقاطع الفيديو الموسيقية والصالات الرياضية. هذه الأضوأء تكشف شخصية كئيبة و جامدة لرجل لم ير الوقت يمر.
ومسلسل:
“المفتش مونتالبانو»
على عكس سلسلة المباحث الفرنسية ، التي يتم نقل سيناريوها الفريد تقريبًا إلى الأركان الأربع لفرنسا ،في مناظر طبيعية يبدو أن تنوعها يؤدي إلى جعل الناس ينسون النقص الفادح لهذا النوع من الاعمال الفنية ، يقدم مسلسل المفتش مونتالبانو عدة مواضيع متباينة تدور احداثها في مناطق متعددة من إيطاليا . يجب أن يقال أن القصص القصيرة والروايات التي تكتبها الكاتبة أندريا كاميلير تقدم سيناريوهات جيدة البناء ومثيرة للاهتمام ، سواء لمؤامرات الشرطة أو لرسم البيئات التي تجري فيها التحقيقات. يقيم سالفو مونتالبانو في صقلية، و يقيم بالتحقيق في دوائر مختلفة، عارضا لجزء من تاريخ الجزيرة، من المافيا إلى الفاشية. يشير مونتالبانو إلى الأدب البوليسي الإيطالي، والذي يتوافق بشكل جيد مع استخدام العدسة. ربما لم يقم أي بلد بوضع تطوره الاجتماعي والسياسي في منظور سينمائي أكثر من إيطاليا. تقول إيطاليا الكثير، عبر أفلامها عن التطورات السياسية و الاجتماعية بايطاليا و لكن أيضا عن مصير أوروبا، ومسارها خلال أكثر من سبعين سنة.
-- من وصول الفاشيين في بداية ثلاثينيات القرن الماضي الى نهاية حكم أندريوتي و برلسكوني تكشف السينما الايطالية عن بلد مُشبع بالحنين و خيبة الأمل و الفكاهة
سبع أفلام موزعة على ستة عقود تجعل من الممكن فهم الاتجاهات الرئيسية لتطور بلاد السباغيتي ،كما يقال عنها، خلال السنوات الستين الماضية. في مقاربة استعادية من وصول الفاشيين إلى السلطة، عام 1922، إلى رسم صورة قاسية لسيلفيو برلسكوني في نهاية مسيرته المهنية ، تكشف السينما الإيطالية عن بلد مُشبع بالحنين ومليئ بخيبة الأمل والسخرية والفكاهة الإيطالية .
من المثير للاهتمام ، في ظل حكم جيورجيا ميلوني لايطاليا، الخوض في هذه السينما الغنية، من الناحية الفنية، التي تعلمنا الكثير عن إيطاليا، الدولة التي لا تزال غامضة في بعض الأحيان حتى بالنسبة للعديد من الأوروبيين.
لقد قدمت دولة غرامشي عالم الاجتماع الشهير، منذ فترة ما بعد الحرب ، لكل أوروبا وللعالم ثراءا سينمائيا نادرا لم تتضاءل جودته على مر العقود. تقدم هذه السينما حقائق اجتماعية متجذرة في إيطاليا من عصور ومناطق مختلفة، ولكنها تقدم أيضًا صورا غير متجانسة لجميع قادتها، و هي صور يجب على الكثيرين أن يستلهموا منها ويتأملوها جيدا.
لقد قدم المخرج دينو ريسي و باولو سورنتينو و ايتوري سكولا رؤية لتاريخ إيطاليا ولحظاته المتعددة و المتنوعة ، من خلال افلام طرحت العديد من الاسئلة وعكست تنويعات في المشهد الايطالي..
وقد قدمها ممثلون من طراز و مكانة فيتوريو جاسمان و توني سيرفيلو و يوغوتونيازي وغيرهم الكثيرون.. هذه الأفلام لها أهمية سينمائية كبيرة ويمكن اعتبارها شهادات حية ومثيرة من الدرحة الأولى. فنياً هي أفلام في رأس قائمة الإنتاج السينمائي العالمي ،و وتنير المشاهد ببراعة نادرة عن الحياة الإيطالية ، وهنا على وجه الخصوص ، على الحياة السياسية.
مسيرة روما (1962)
لدينو ريزي
هو عمل دينو ريزي العظيم ، أخرجه بعد أربعين عامًا فقط من الأحداث التي أدت إلى وصول موسوليني إلى السلطة ، لا تزال مسيرة روما راسخة ، في الأجيال الجديدة ، من خلال موضوع الفيلم نفسه .
لقد ساعدت موهبة ريسي و يوغو تونيازي و الممثل الفرنسي روجي حنين على جعل هذا الفيلم إحدى روائع السينما العالمية لا الايطالية فقط ، و إسعاد كل مشاهديه.
ينقد الفيلم بهجاء لا هوادة فيه صعود موسيليني للسلطة و مرحلة حكمه و يصور الفاشية الصاعدة على أنها جيش من السفاحين.
يظل “مسيرة روما” لحظة رائعة في السينما الايطالية ويكشف عن موهبة دينو ريسي الفائقة، الذي سيخرج المعالم السينمائية الكبرى “مثل “ المُدعي “والوحوش” والعديد من الأفلام الآخرى، بما في ذلك “باسم الشعب الايطالي».
«أحببنا بعضنا
البعض كثيرًا” (1974) للمخرج إيتوري سكولا
هذا فيلم مشهور جدا..العديدون يحبون بشكل خاص هذه الكوميديا الدرامية والعاطفية حول المصائر المتقاطعة لأربعة أبطال. إمراة و ثلاثة رجال عبروا ثلاثة عقود، منذ الحرب ضد المحتل الألماني عام 1844 إلى السبعينيات. ترتبط الأقدار المختلفة للشخصيات ارتباطًا وثيقا بنهضة ايطاليا و تقدمها بعد عام 1945.
تخضع الالتزامات الاولى لهذه الشخصيات ومُثلها وصداقتها لاختبار الزمن وللأحداث والظروف المادية والاجتماعية لها، وتظهر قدرة ايتوري سكولا وممثليه على إظهار نفس الشخصيات في حقب و أوقات مختلفة مما يجعل من الفيلم معلما لا يُنسى ,
«الشرفة” (1980) لإيتوري سكولا
بمشاركة الممثلين جان لوي ترانتينيان و سارج ريجياني يؤكد ايتوري سكولا في فيلم “الشرفة” على الطابع الفرنسي الإيطالي للإنتاج، لكنه لا يستطيع إخفاء الطبيعة الإيطالية العميقة للموضوع. يمثل فيلم” الشرفة” مفترق طرق للقدر و يسمح بقراءة تاريخ كوبا من خلال منظور المصائر المتقاطعة للشخصيات على خلفية حي وسط هافانا.
في هذا الفيلم الذي تم إخراجه عام 1980 ، يبدو الأصدقاء الذين يلتقون على الشرفة أقرب إلى الشيخوخة ،و لكنها ليست شيخوخة بيولوجية بقدر ما يبدون متقدمين في السن مقارنة بعلاقتهم بتحول المجتمع الايطالي، يتعلق الأمر بمنتج في القناة التلفزيونية الايطالية الأولى وعضو في الحزب الشيوعي الايطالي ، ومؤلف سيناريوهات. يرى الجميعً مصائرهم خاضعة للطفرات التي عرفتها ايطاليا. مرة أخرى، يأتي مرور الوقت، الذي يأخذ الشخصيات بعيدًا، في قلب الفيلم، و يقدم لوحة من الأيام الأخيرة لسيطرة اليسار المثقف في إيطاليا.
«وداعا لبيرلينجير” (1984) ، وثائقي جماعي
من الصعب للمتتبع للسينما ألا يلحظ في هذا الفيلم الوثائقي، عن جنازة انريكو بيرلينجر الذي ترأس الحزب الشيوعي الإيطالي من سنة 1970 الى سنة 1980، الممثل الشهير مارســيو ماستريوني و هو يراقب نعش القيادي الشيوعي الكبير. يعرف بيرليجر كواحد من أكثر القادة الشيوعيين الكاريزماتيين في أوروبا الغربية ، وزعيم الحزب الشيوعي الأكثر ذكاءً في العالم. بيرلينجير، رجل متحفظ من الجهاز الشيوعي ومن اصول أرستقراطية بسردينيا، مَثل موضوعا مهماً للسينما الوثائقية الإيطالية عالية الجودة.
بعد ثلاثين عامًا، كان والتر فيلتروني، الزعيم السابق ليسار الوسط المنبثق من الحزب الشيوعي الايطالي وصحيفته “الاونيتا” (الوحدة) ، هو من انتج فيلمًا وثائقيًا آخر عن بيرلنجر بعنوان “عندما كان بيرلينجير هناك” ، هذه الشخصية الرمزية في التاريخ الحديث لإيطاليا. خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الأوروبية عام 1984، وخلال اجتماع في بادوفا ، أصيب بيرلينجر بجلطة دماغية أدت إلى وفاته بعد أيام قليلة.
كانت صور هذا الاجتماع في بادوفا مؤثرة للغاية حيث واجهته الصعوبات في إلقاء خطابه، وشجعه الحشد وهتفوا “إنريكو ، إنريكو «....
يحضر أكثر من مليون إيطالي جنازة زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي. يصور برتولوتشي إيطاليا بأكملها في حقبة ما.
هذه الحقبة ستنطفئ خلال السنوات التالية ، تحت تأثير الخيارات الاستراتيجية السيئة لليسار ، بينما تغرق معظم الأحزاب في السلطة في فضيحة قانونية ضخمة. سينحني ألميرانتي، الأرستقراطي النابولي الفاشي، ينحني أمام نعش بيرلينجر، الأرستقراطي الشيوعي السرديني و لسوف تنذر وفاة بيرلينجر بموت مفهوم معين للسياسة في إيطاليا.
«النجم” (2008)
لباولو سورينتينو
أن ينجح مخرج في تقديم عمل فني بارع و أخاذ حول شخصية تاريخية تتمتع بقدر ضئيل من الكاريزما فهذا هو التحدي الذي خاضه المخرج باولو سورينتينو حول جوليو أندريوتي. أندريوتي شخصية لا يمكن إزالتها من الحياة السياسية الإيطالية لمدة نصف قرن ترأس خلالها الجناح اليميني للديموقراطية المسيحية و شابته العديد من الفضائح.
تدور أحداث الفيلم حول منتصف حياته المهنية ، بين توليه رئاسة الحكومة في نهاية المطاف وظهوره أمام المحكمة .كان هوس أندريوتي هو الاحتفاظ بدوائه المفضل على قائمة الأدوية الموصوفة، بينما يهاجمه الصداع كما تداهمه سلسلة من الاتهامات بتسبب العديد من الوفيات، التي قد يشك البعض أنه مسؤول عنها على الأقل بشكل غير مباشر. الصحفي مينو بيكوريللي، والجنرال دالا كييزا وألدو مورو هم الضحايا الحقيقيون للمافيا، لكن الإيطاليين، منهم بعض القضاة ، يشتبهون في أن القتلة لم يتصرفوا بمبادرة منهم و ربما يكون أندريوتي مورطا في بعض هذه الاغتيالات بشكل ما.
«تحيا الحرية” (2013) لروبرتو أنديو
حاز هذا الفيلم لربرتو أنديو على جوائز عدة في إيطاليا .تندمج حبكة هذا الفيلم مع الإشكالية القديمة للديمقراطية الإيطالية. هذه الكوميديا الدرامية التي اشتهرت بإيطاليا و في فرنسا، هي ضرب من الخيال دون أن تكون خيالًا كليًا.
بطل هذا العمل زعيم يسار الوسط الايطالي الذي يختار الاختفاء عندما ينخفض في استطلاعات الرأي ، مُتهما في صفوف حزبه بعدم القيام بمهمته على الوجه الاكمل .
للتغطية على اختفائه اختارت زوجته ومعاونه الرئيسي استبداله بتوأمه. يتعلق الأمر بفيلسوف ومؤلف كتاب رائع . يخرج هذا التوأم من مستشفى للأمراض النفسية إلى حيث قادته تقلبات الاضطراب ثنائية القطب. يقوم التوأم بشكل مذهل بتصويب نوايا التصويت والانتصارات على الأرض. المشهد الأخير يفسح المجال لجميع التفسيرات. وبعيدًا عن معرفة أي من الاثنين قد حل مكانه على رأس الحزب الديمقراطي ، فإن هذه المعضلة تبقى لنا ،بالنسبة للحضور في الحياة الديمقراطية، إما التنحى جانبا أو دفع الاحداث في الاتجاه الذي نريد,
«سيلفيو والآخرون” (“لورو”) (2018)
للمخرج باولو سورينتينو
بينما أعطى فيلم “النجم” بموضوعه وإضاءته رائحة مأساة فإنه غالبًا ما يتم تصوير فيلم “ سيلفو و الآخرون” كاعلان تجاري يصور حياة الرئيس الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الذي انتخب عدة مرات رئيسا للمجلس الايطالي .برلسكوني ارتقي الى مرتبة تمثال الشمع في حياة إيطاليا، بكل معنى الكلمة. برلسكوني نراه في غسق حياته محاطا بالنساء ،و لديه متعة واحدة فقط: التقاط هاتفه لبيع مشروع عقاري لشخص غريب.
ما بين الحفلات المثيرة للشفقة التي كان يحييها برلسكوني ومحاولاته العودة إلى السلطة ، يتم تقديم سيلفيو برلسكوني في أقل ضوء ممكن يحسد عليه.
مرة أخرى ، يلعب توني سيرفيلو الشخصية المركزية. يجسد ، بما يتجاوز الماكياج نفسه شخصية برلسكوني قدر تجسيده لشخصية جوليو أندريوتي. لعبت في فيلم “النجم” ظلال وأضواء روما القديمة في اكساب العمل الفني مسحة جمالية راقية، في حين يستخدم فيلم “سيلفيو و الآخرون” أضواء مقاطع الفيديو الموسيقية والصالات الرياضية. هذه الأضوأء تكشف شخصية كئيبة و جامدة لرجل لم ير الوقت يمر.
ومسلسل:
“المفتش مونتالبانو»
على عكس سلسلة المباحث الفرنسية ، التي يتم نقل سيناريوها الفريد تقريبًا إلى الأركان الأربع لفرنسا ،في مناظر طبيعية يبدو أن تنوعها يؤدي إلى جعل الناس ينسون النقص الفادح لهذا النوع من الاعمال الفنية ، يقدم مسلسل المفتش مونتالبانو عدة مواضيع متباينة تدور احداثها في مناطق متعددة من إيطاليا . يجب أن يقال أن القصص القصيرة والروايات التي تكتبها الكاتبة أندريا كاميلير تقدم سيناريوهات جيدة البناء ومثيرة للاهتمام ، سواء لمؤامرات الشرطة أو لرسم البيئات التي تجري فيها التحقيقات. يقيم سالفو مونتالبانو في صقلية، و يقيم بالتحقيق في دوائر مختلفة، عارضا لجزء من تاريخ الجزيرة، من المافيا إلى الفاشية. يشير مونتالبانو إلى الأدب البوليسي الإيطالي، والذي يتوافق بشكل جيد مع استخدام العدسة. ربما لم يقم أي بلد بوضع تطوره الاجتماعي والسياسي في منظور سينمائي أكثر من إيطاليا. تقول إيطاليا الكثير، عبر أفلامها عن التطورات السياسية و الاجتماعية بايطاليا و لكن أيضا عن مصير أوروبا، ومسارها خلال أكثر من سبعين سنة.