استنفار وتجنيد إجباري

كيف يستعد الشمال الأوروبي لحرب محتملة مع روسيا؟

كيف يستعد الشمال الأوروبي لحرب محتملة مع روسيا؟


كشفت صحيفة «ذا آي بيبر» البريطانية أن دول الشمال الأوروبي باتت تتبنى نهجًا دفاعيًا شاملاً لمواجهة أي تهديد محتمل من روسيا، مؤكدة أن الدفاع عن الوطن في تلك الدول لم يعد مهمةً عسكرية فحسب، بل مسؤولية مجتمعية كاملة تشمل كل فرد من السكان. ومنذ الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، بدأت وحدات الحماية المدنية في النرويج تنفيذ تحول جذري، شمل تدريبًا واستعدادًا لاحتمال تعرض البلاد لهجوم مباشر. 
ولــــــم تكن النرويــــــج وحـدهـا في هذه الاستعدادات، بل اتخذت كل من الســـــــويد، والدنمارك، وأيسلندا، وفنلندا خطوات مماثلة بعـــــــــد إدراكهـــــــا أن الخريطة الأمنية الأوروبية تغيرت بالكامل.

الدفاع الشامل.. نموذج إقليمي لمقاومة الغزو
وتُعد دول الشمال رائدة في تطوير مفهوم الدفاع الشامل، الذي نشأ خلال الحرب الباردة، ويقوم على دمج جهود القوات المسلحة بالمجتمع المدني، مما يجعل الأمن الوطني مسؤولية جماعية، لا تُناط بالجيش وحده. وتُطبق الدول الأربع أنظمة التجنيد الإجباري بأشكال مختلفة، إذ أعادت السويد تفعيل الخدمة الإلزامية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ووسعت الدنمارك مؤخرًا نطاقها ليشمل النساء، بينما تحتفظ فنلندا والنرويج بنسخهما من الخدمة الإلزامية.

تعليمات للأزمات
 وتحديث الاستعدادات
وعززت الدول الشمالية التوجيهات الموجهة للمواطنين بشأن التخطيط لحالات الطوارئ، عبر التوصية بتخزين الطعام والماء والأدوية ومصادر طاقة بديلة.
وفي عام 2024، أعادت السويد إصدار كتيّب «في حال وقوع أزمة أو حرب»، ووزعته على أكثر من 5 ملايين أسرة، حيث يتضمن الكتيب البالغ 32 صفحة نصائح للنجاة من الغارات الجوية، والهجمات الإلكترونية، والحرب النفسية، وحتى الأخبار الكاذبة.
وبعد حوادث تخريب مشبوهة طالت البنية التحتية تحت البحر، لا سيما كابلات الاتصالات في منطقتي البلطيق والقطب الشمالي، سارعت دول الشمال - إلى جانب بعض دول البلطيق كإستونيا - إلى تطوير أنظمة دفع إلكترونية غير متصلة بالإنترنت لاستخدامها في حال انقطاع الشبكة، بما في ذلك في حالات الانقطاع المتعمد.
وفي السياق ذاته، بدأت فنلندا بإنشاء نظام وطني للحسابات المصرفية الاحتياطية، يتيح للمواطنين الوصول إلى مدخراتهم حتى في حال توقف عمل البنوك.

خطط لملاجئ 
وكشفت الحكومة النرويجية عن خطط لإلزام جميع المباني الكبيرة الجديدة بتوفير ملاجئ للقنابل، في وقت لا يتوفر فيه مثل هذا الملاذ إلا لنحو نصف السكان فقط.
وأكد أويستين كنودسن الابن، رئيس الدفاع المدني النرويجي، أن البلاد شهدت تحولًا كبيرًا في استراتيجيات الدفاع المدني خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع التركيز على تعزيز قدرات الإجلاء الجماعي القسري وتدريب المواطنين على دعم الشرطة ومكافحة الحرائق.
وأضاف أن القوات المدنية تعمل بشكل وثيق مع الشرطة، والبلديات، والمقاطعات، خصوصًا في منطقة الشمال العليا قرب الحدود الروسية، لضمان استمرار الاتصالات في حال وقوع غزو عسكري.

تحديات لوجستية
 في القطب الشمالي
من جهته، قال الدكتور كارستن فريس، أستاذ الأمن في المعهد النرويجي للشؤون الدولية، إن العمليات العسكرية في القطب الشمالي تنطوي على تحديات خاصة، مثل الظروف الجوية القاسية، وندرة السكان، وقلة البنية التحتية، مما يجعل الدعم اللوجستي مهمة شاقة.
وأشار إلى أن المنطقة تعاني من غياب خطوط القطارات، والطرق، والكهرباء، والضوء، موضحًا أن المراكز الاستراتيجية نادرة ومتباعدة، وخطوط الإمداد طويلة، ما يجعل تحريك المعدات العسكرية أمرًا بالغ التعقيد.
نموذج فنلندي
 لتعبئة المجتمع المدني
تتميز فنلندا بحدود مشتركة مع روسيا تمتد لأكثر من 800 ميل، وتجاور مواقع استراتيجية مثل شبه جزيرة كولا، التي تضم منشآت بحرية نووية روسية.
وتعتمد الدولة على تنظيم دورات الدفاع الوطني التي يُشرف عليها الجيش، وتستهدف تدريب شرائح مجتمعية واسعة، بمن فيهم العاملون في السياسة، والإعلام، والبنية التحتية.
كما تمول وزارة الدفاع الفنلندية رابطة الدفاع النسائية، التي تقدم أكثر من 40 برنامجًا تدريبيًا تُركز على مهارات الحياة اليومية المرتبطة بالبقاء والأمن، وتشمل موضوعات مثل الأمن السيبراني، والتعامل مع انقطاع الكهرباء، وتوفير الاحتياجات الأساسية في بيئات عدائية.
وصرحت سوفي أكسيلا، مديرة التنظيم والاتصالات في الرابطة، أن الطلب على هذه الدورات ارتفع بشدة بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، إلى درجة أن المواقع الإلكترونية تعطلت بفعل ضغط التسجيل. وقالت: «لدينا جار عدواني، ولا يمكننا التنبؤ بما سيحدث. علينا أن نكون مستعدين لكل شيء» وفق تعبيرها.
وتنظم فنلندا أيضًا يومًا وطنيًا للتأهب في السابع من فبراير من كل عام، يُشجع المواطنين على تخزين الإمدادات الأساسية وإتقان مهارات الطوارئ مثل الإسعافات الأولية، في إطار رسالة وطنية واضحة مفادها بأن الاستعداد مسؤولية مدنية.