رئيس الدولة والرئيس المصري يبحثان العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا يشوبها انعدام الثقة والتباعد
كيف يمكن كتابة فصل جديد للعلاقات الأوروبية التركية؟
قالت ماريا سيميونوفا، مديرة مكتب صوفيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن تركيا تظل شريكاً معقداً لكن لا غنى عنه بالنسبة لأوروبا.
فبينما يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان ترسيخ سلطته داخلياً وتعزيز نفوذ بلاده خارجياً، لاسيما في سوريا وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، تفرض التحولات الجيوسياسية العالمية واقعاً جديداً يجعل من الضروري تعميق التعاون بين أنقرة وبروكسل.
وأضافت الكاتبة في مقالها بموقع «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» «مع تراجع انخراط الولايات المتحدة وتصاعد التهديد الروسي، باتت مساهمة تركيا في استقرار القارة الأوروبية أمراً لا يمكن التغاضي عنه».
وتابعت الكاتبة متسائلة «هذا الواقع يضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة أخلاقية وسياسية: هل ينبغي التغاضي عن ما اسمته التراجع الديمقراطي في تركيا من أجل المصلحة الاستراتيجية؟ هذا التساؤل لم يعد نظرياً. ففي ظل التوازنات الجديدة، تقلّصت خيارات أوروبا، وبات التفاهم الفعّال مع أنقرة ضرورة لا مفر منها».
استقلالية تركية محسوبة
وأشارت الكاتبة إلى أن تركيا تدرك جيداً موقعها المتقدم في المعادلة. فقد صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة سيجعل أوروبا أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية.
ويبدو أن زعماء أوروبيين مثل رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك والزعيم الألماني فريدريش ميرتس يتفقون على أهمية الدور التركي في استقرار الإقليم.
وأثبتت تركيا نفسها كقوة وسطى تتقن المناورة في بيئة دولية متقلبة، من خلال انتقاء تحالفاتها بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز استقلالها الاستراتيجي. ويتجلى ذلك في موقفها من الحرب الأوكرانية، إذ رفضت الانضمام إلى العقوبات الأوروبية ضد روسيا، وواصلت علاقاتها التجارية مع موسكو، وفي الوقت نفسه، قدمت دعماً سياسياً وعسكرياً لأوكرانيا، بل ضمنت لنفسها دوراً في إعادة إعمارها بعد الحرب.
تركيا، بحسب سيميونوفا، لا ترغب في رؤية أوكرانيا ضعيفة، لأن ذلك من شأنه أن يخلّ بتوازن القوى لصالح روسيا.
تعزيز التعاون الدفاعي
وأوضحت الكاتبة أن أحد المسارات العملية لتطوير العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يكمن في توسيع التعاون الدفاعي. فقد دفعت عقود من حظر الغرب تسليح أنقرة إلى قيامها بتطوير صناعتها الدفاعية محلياً، حتى باتت اليوم في المرتبة الحادية عشرة عالمياً في تصدير الأسلحة. وتزداد بصمة الصناعات الدفاعية التركية في صفقات التسليح الأوروبية، خاصة في منطقة البلقان، وكذلك في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
لكن هذه الصفقات الثنائية تُنتج خريطة غير منسقة من الاعتماد الدفاعي، وهو ما قد يعرقل الجهد الأوروبي المشترك. وعليه، دعت الكاتبة إلى ضرورة تنظيم هذه العملية بحكمة، عبر تحديد الأطر والشروط التي يمكن من خلالها للشركات التركية المشاركة في برامج الدفاع الأوروبية مثل تشريع SAFE. وأضافت الكاتبة «سيُفضي منح تركيا حق الوصول إلى التمويل الدفاعي الأوروبي إلى نقاشات أوسع حول التنازلات المتبادلة، كما هو الحال مع المملكة المتحدة. ويدرك الاتحاد الأوروبي أن التعاون الدفاعي يخدم مصالح الطرفين، خاصة أن القطاع الدفاعي التركي، رغم صعوده، يواجه تحديات، أبرزها حاجة طائراته المسيرة إلى التحديث، مما يتطلب استثمارات في التقنيات المتقدمة».
أجندة استراتيجية شاملة
لكن الاكتفاء بالتعاون الدفاعي لن يكون كافياً. فالتوجه الأحادي قد يحدّ من قدرة بروكسل على المناورة. لذلك، توصي سيميونوفا بتوسيع إطار التعاون ليشمل الحوار الاستراتيجي والاقتصادي والمجتمعي، مما يزيد من قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير ويخدم مصالح قطاعات أوسع داخل تركيا.
ودعت الكاتبة إلى إنشاء منصة حوار جيوسياسي رفيع المستوى بين الطرفين، تتيح تبادل الرؤى حول ملفات مشتركة تشمل البحر الأسود والبلقان وسوريا والقوقاز وآسيا الوسطى. ففي هذه المناطق، تتقاطع أولويات أنقرة وبروكسل رغم اختلاف السياسات أحياناً. ويمكن لهذا الحوار أن يرتكز على قواسم استراتيجية مشتركة تتجاوز التغيّرات السياسية في أنقرة.
أمن البحر الأسود و»الممر الأوسط»
ووضعت الكاتبة أمن البحر الأسود في مقدمة أولويات الحوار، باعتباره مسرحاً حيوياً تتقاطع فيه المصالح الروسية والتركية والأوروبية. فلا مصلحة لأنقرة في رؤية روسيا تعيد بناء قوتها البحرية في المنطقة، كما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ردع الاستفزازات الروسية بحزم. وتبرز مبادرة «الممر الأوسط» أو «طريق النقل عبر بحر قزوين» كفرصة واعدة للتعاون. إذ تمثل شرياناً جيو-اقتصادياً حيوياً يربط أوروبا بآسيا الوسطى، ويقلل الاعتماد على موسكو. وبفضل موقعها الجغرافي وثقلها الإقليمي، تُعدّ تركيا شريكاً طبيعياً لإنجاح هذا المشروع.
وأشارت الكاتبة إلى أهمية الطاقة الخضراء كمجال تعاون إضافي. فتعزيز القدرات في الطاقة المتجددة من شأنه أن يُقلل من اعتماد تركيا على الوقود الأحفوري الروسي، وهي غاية باتت أنقرة تدرك ضرورتها.
المجتمع المدني كأداة تأثير ناعم
ودعت سيميونوفا إلى إدماج المجتمع المدني والقطاع الخاص في هذا الحوار عالي المستوى، بوصفه ركيزة لـ»النفوذ الناعم» الأوروبي. إذ يمكن لهذه الشراكات أن تسهم في تخفيف النزعات السلطوية وتعزيز التعددية السياسية في تركيا، من خلال دعم قنوات الاتصال مع أحزاب المعارضة. ورغم دعوات التعاون، تبقى عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي معقدة، لا سيما بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو، منافس أردوغان الأبرز. ورغم أن إمام أوغلو نفسه شدد على ضرورة عدم تأثر التعاون الدفاعي بهذه القضية، فإن تداعياتها على ملفات أخرى مثل تحديث الاتحاد الجمركي أو تحرير التأشيرات تبدو جلية. ورأت سيميونوفا أن علاقة الاتحاد بتركيا يشوبها انعدام الثقة والتباعد. لكن أنقرة، رغم خلافاتها مع أوروبا في القيم والسياسات، باتت شريكاً لا يمكن استبعاده. ولذا، تحذر الكاتبة من مغبة إضاعة فرصة جديدة لبناء علاقة فعالة مع جار أساسي وحليف في الناتو.