لبنان: غضب ويأس.. فهجرة جماعية
جان أنطون صاحب مقهى في ضاحية غنية من بيروت يعتزم إقفال محله والسفر إلى أوروبا، بعدما تدنت خلال العامين الماضيين مداخيل اللبنانيين خلال العامين الماضيين، وتسببت الأزمة الاقتصادية في تراجع الإيرادات وتالياً انخفاض عدد زبائنه إلى النصف.
وانهارت قيمة العملة مما أدى إلى ارتفاعات صاروخية في أسعار السلع الأساسية، وتزايدت النفقات بنسبة عشرة أضعاف. وتدنت مداخيل أنطون بنحو 80 في المئة بعدما رفع سعر فنجان القهوة وقطعة الكعك كي يعوض القفزة في الأسعار. ويقول: “بحلول نهاية هذه السنة، إذا لم يكن في وقت أبكر، سنغادر من هنا ... لأن شيئاً لن يتحسن، وبات من المستحيل العيش بطريقة لائقة هنا».
وهو مجبر على إقفال أبواب المقهى بعد ظهر كل يوم لأن المولد الكهربائي المحلي يتوقف عن العمل. والدولة مفلسة وغير قادرة على شراء الوقود بالكميات المطلوبة، وفقدان المادة أسفر عن انقطاع حاد في التيار الكهربائي. وعلى رغم، أن أنطون يدفع مبلغاً كبيراً من المال شهرياً لصاحب المولد، فإن التزود بالطاقة على مدى اليوم ليس مضموناً.
أعمال تكافح للبقاء
وأنطون ليس وحده. إذ أن كل المحال في الشارع الذي كان يعج بالسياح، تكافح للبقاء، والكثير منها أقفل أبوابه، بينما يفكر أصحاب المحال الأخرى كيف سيتدبرون أحوالهم. ومعظم زبائن أنطون وهم من الطبقة المتوسطة وما فوق-من مصممي الأزياء والمهندسين وأصحاب شركات الإعلان - الذين لا يزالون يترددون على المقهى، يفكرون أيضاً في المغادرة إلى قبرص أو أي مكان آخر في أوروبا، واحد تلو الآخر، في الأشهر القليلة المقبلة. فمع أنهم يحبون لبنان بجباله وشطآنه ولكن ليس انقطاع الكهرباء أو الحصول على نتفٍ من رواتبهم السابقة.
أطباء ومهندسون وممرضون
والمهنيون الذين يوفرون الخدمات الأساسية مثل الأطباء والممرضين والمهندسين وكذلك الأكاديميين ورجال المقاولات، هم أول من يفكر في البحث عن أماكن أخرى في مثل هذه الأحوال. ويقول الإقتصاديون إنهم على رغم أن البيانات ضئيلة، فإن الاتجاهات العامة مقلقة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، حذر البنك الدولي من أن هجرة الأدمغة باتت “خياراً يائساً على نحوٍ متزايد” في لبنان، في الوقت الذي تعتبر فيه الأزمة واحدة من أكثر ثلاث أزمات قساوة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وقال البنك الدولي في يونيو(حزيران) أن “التدهور الحاد في الخدمات الأساسية ستكون له مضاعفات بعيدة المدى”، بينها الهجرة الجماعية. واعتبر أن “الضرر الدائم للرأسمال البشري سيكون من الصعب تعويضه. ولعل هذا البعد من الأزمة اللبنانية يجعل لبنان فريداً مقارنة مع أزمات عالمية أخرى».
وتقول الكاتبة بدأت الأمور بالغضب الذي تحول إلى يأس، وبات الفرار الملاذ الأخير. وفي العامين الماضيين شهد اللبنانيون تدهوراً مستمراً في اقتصادهم وجاء إنفجار مرفأ بيروت الذي كشف عن المزيد من العجز والإهمال الإجرامي للنخبة الحاكمة.
وهم لا يتوقعون عدالة أو أي تغيير، طالما بقيت الطبقة السياسية نفسها في الحكم. ومن يستطيعون إيجاد وظائف في الخارج أو الذهاب برفقة أصدقاء أو عائلات إلى ما وراء البحار، فإنهم يرحلون، فيما ينتظر كثيرون آخرون فرصتهم.
الرأسمال البشري
ويقول الخبراء إن الطفرة الحالية في هجرة الأدمغة، سيترتب عليها نتائج على المدى البعيد في بلد يواجه مروحة واسعة من المشاكل. فمن شأن فرار الرأسمال البشري مفاقمة الاقتصادي ويعوق انتعاشه.
ومستويات اليأس عالية جداً بحيث أن 77 في المئة من الشباب يرغبون في الخروج من البلد، وفقاً لأحد الاستطلاعات.
وفي العالم العربي، يأتي الشباب اللبنانيون في مقدمة من يودون الفرار من بلادهم، وبعدهم الشباب السوريون مع نسبة 54 في المئة، ثم الشباب الفلسطينيون مع 58 في المئة.
واستناداً إلى بعض التقديرات، فإن 20 في المئة من أطباء لبنان قد هاجروا أو يفكرون في الهجرة، منذ أن ضربت الأزمة الاقتصادية البلاد في 2019، وأقفلت مئات العيادات.
ويطلب مهندسون من رؤساء شركاتهم يومياً توصيات للتقدم بطلبات للعمل في الخارج. وخلال عقد ونصف عقد، كانت مستويات الهجرة ثابتة نسبياً-حتى قبل عامين، عندما كشفت الاحتجاجات بيت الكرتون الذي شيده المصرف المركزي اللبناني لاقتصاد البلاد الذي ينهار اليوم.