لعبة السلطة لدى ترامب تفضي إلى مواجهة مع المحاكم والكونغرس
بخطواته المتتالية لخفض الانفاق وإلغاء إدارات حكومية وتسريح جزء كبير من القوى العاملة الفدرالية، قلب دونالد ترامب النظام الدستوري الأميركي رأسا على عقب في تأكيد غير مسبوق لقوة السلطة التنفيذية. ويشكو منتقدون من بطء الكونغرس في الرد أمام هجوم مباشر على رؤية «المؤسسين» للفصل بين السلطات، لكنهم يحذرون من أن الرئيس الجمهوري يسلك مسارا تصادميا مع المحاكم. في أول أسبوعين له في البيت الأبيض، شرع ترامب في إلغاء وكالة إنسانية حكومية عملاقة يقول خبراء إنه لا يمكن تفكيكها قانونا إلا من جانب الكونغرس، وحاول تجميد تريليونات الدولارات من الإنفاق الذي أقره مشرعون.
وألغى وكالات مراقبة وأقال مسؤولين من مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ومدعين فدراليين حققوا في مساعيه لقلب نتائج انتخابات عام 2020 التي بلغت ذروتها مع أعمال شغب تسببت بوفيات في مبنى الكابيتول الأميركي.
وباتت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أول وكالة أمن قومي رئيسية تطرح خطة رحيل طوعي لموظفيها، إذ طلبت من آلاف الموظفين الفدراليين قبول الاستقالة بحلول الخميس أو مواجهة الطرد.
ويقول معارضو الخطة إن ترامب سمح لإيلون ماسك، أغنى أثرياء العالم والمقاول الحكومي الكبير، بانتهاك القانون من خلال الوصول إلى أنظمة المدفوعات لوزارة لخزانة الأميركية التي تصرف تريليونات الدولارات ولديها مجموعة كبيرة من البيانات الشخصية الحساسة.
وقال المحلل السياسي أندرو كونيشاسكي، الموظف السابق في مجلس الشيوخ «من الناحية النظرية، يعد الكونغرس فرعا متساويا للحكومة، لكنه قد لا يكون كذلك في الممارسة العملية إذا استمر في السماح لترامب باغتصاب سلطته الدستورية». وأضاف أن «استراتيجية ترامب تقوم على اكتساح الساحة والعمل بشكل سريع وإعطاء انطباع بالقوة وتفكيك الأشياء... لكن يبقى أن نرى ما إذا كان الكونغرس، لا سيما الجمهوريون في الكونغرس، سيثبتون سلطتهم في مرحلة ما».
يسيطر الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب على مجلسي النواب والشيوخ لكنه يركز على سنّ تخفيضات ضريبية وفرض قيود على الهجرة ولم يبد اهتماما يذكر لبسط الضوابط المعتادة في البيت الأبيض.
وفيما برزت معارضة من الحزبين لأكثر تصريحات ترامب تطرفا حتى الآن، بشأن «سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة»، لم يبد الجمهوريون سوى الاحترام لمرشحيه المثيرين للجدل تاريخيا لمناصب وزارية.
وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون للصحافيين الأربعاء إنه «مدافع شرس» عن سلطة الكونغرس، لكنه يعتقد أن الغضب إزاء هجوم ترامب على الحكومة الفدرالية «رد فعل مبالغ فيه بشكل صارخ في وسائل الإعلام». وبدأ الديموقراطيون الذين واجهوا انتقادات بسبب عدم تحركهم في بادئ الأمر، التنظيم والضغط لإصدار تشريعات لحماية بيانات الخزانة واستدعاء المراسلين إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي أعلن ماسك سعيه لإغلاقها. لكن بصفتهم حزب الأقلية، ليست لدى الديموقراطيين سلطة تذكر للرد بشكل مفيد.
وقال جيف لي المسؤول السابق في ولاية كاليفورنيا والذي أجرى مفاوضات مع إدارة ترامب الأولى إن «الديموقراطيين لم يعرضوا بعد رسالتهم الواضحة بشأن الإجراءات التي سيتخذونها».
وأضاف «وحتى يرى الجمهوريون في الكونغرس تأثيرا في دوائرهم أو ثغرة سياسية في أعدادهم، لا أراهم يتصرفون بشكل علني». قد تنتهي المقاومة الأكثر فعالية في المحكمة العليا الأميركية مع وجود أكثر من عشرين دعوى قضائية تستهدف جهود ترامب لإلغاء حق المواطنة بالولادة وملاحقة عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي الذين حققوا معه. ومع ذلك، فإن التحديات الفاشلة تخاطر بتعزيز سلطة ترامب بعد قرار للمحكمة العليا في 2024 حصّن الرؤساء من الملاحقة القضائية إذا استخدموا سلطاتهم الرسمية لارتكاب جرائم.
والهيمنة على صلاحيات السلطة التنفيذية ليست أمرا جديد على أي حال. ورأى محللون قابلتهم وكالة فرانس برس أن الكونغرس يتنازل عن مساحات للبيت الأبيض منذ قبل أن يسجل فرانكلين روزفلت الرقم القياسي للأوامر التنفيذية التي لا تزال قائمة وهي 3721، مقابل بضع مئات حتى الآن لترامب.
وقال خبير استراتيجية الانتخابات المخضرم مايك فاهي لوكالة فرانس برس «بالطبع حكم روزفلت في ظل ظروف دستورية وسياسية مختلفة تماما، أعطته دون شك المزيد من الشرعية لفرض إرادته».
وبالنسبة إلى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ووفورد للفنون الليبرالية في ولاية كارولاينا الجنوبية، فإن ترامب يستلهم من الرئيس أندرو جاكسون من القرن التاسع عشر، الذي كان يعطي الأولوية للولاء ويستهدف المسؤولين غير المتعاونين باتهامات فساد.
وقال «تبقى معرفة ما إذا كانت إصلاحات ترامب الواسعة للإدارة ستتسبب في المشكلات نفسها التي تسببت فيها إصلاحات جاكسون».
وأضاف «لقد تراجعت نوعية الخدمة المدنية بشكل حاد في عهد جاكسون ولم تكن هناك مقاومة تذكر في الإدارة لسياسات جاكسون المشكوك فيها قانونيا».