لقد كان للجماعة الإرهابية، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على قاعة كروكوس سيتي، حساب لتصفيته مع موسكو منذ ربع  قرن وهي تضرب في جميع أنحاء العالم كلما سنحت لها الفرصة.
ربما نسي الروس تنظيم داعش، لكن العكس لم يكن صحيحا. ومن المؤكد أن هذه الشبكة الإرهابية، المعروفة باسم داعش، لم تتمكن منذ أحد عشر عامًا، بسبب مراقبة أو تفكيك خلاياها في روسيا، سوى من تنفيذ هجوم واحد ملحوظ في البلاد، في مترو سانت بطرسبرغ  تسبب في 15 حالة وفاة في عام 2017 . والعملية التي ارتكبت مساء الجمعة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 130 شخصًا، هي الأكثر دموية منذ احتجاز الرهائن في مسرح موسكو عام 2002، حيث نفذت الشرطة هجومًا بالغاز العسكري.

من مقاطع الفيديو الأولى، تعرفتُ على علامة داعش"، يؤكد غريغوري سيرسيكوف، الخبير المستقل المتخصص في الإرهاب والاستخبارات. الهجوم الجماعي في مراكز التسوق أو المراكز الثقافية المزدحمة: وهذه نسخة مطابقة لهجماتهم السابقة حول العالم. وينظمها بلا شك الفرع الأفغاني لتنظيم داعش، وهو الأقوى اليوم. ويبدو أن المهاجمين من الطاجيك. ولكن، على عكس هجمات داعش السابقة، فإن هذا الهجوم غير احترافي .على سبيل المثال، نراهم يتصرفون بشكل جماعي، بينما لقتل أكبر عدد ممكن من الضحايا، عادة ما يتفرقون. ويحاولون دفع المتفرجين إلى المركز عن طريق جعلهم يتحركون. ولولا  هذه الطريقة لكان عدد الضحايا أكبر. ويضيف غريغوري سيرسيكوف: "من السهل أيضًا على داعش تجنيد الأجهزة الأمنية في روسيا، من بين العديد من الطاجيك والأوزبك الناطقين بالروسية القادمين من الدول الإسلامية المجاورة لأفغانستان، حيث يمكن أن يكونوا حساسين للأيديولوجيات الإسلامية، ثم يقول" يمكن لداعش أيضًا التجنيد بين المواطنين الروس، نظرًا لأن ثُمن السكان مسلمون، حتى لو كانت هنالك  أقلية صغيرة فقط، تقع في القوقاز، تلتزم بالإسلام السياسي ".

كراهية أبدية
 لقد غذى تنظيم داعش كراهية لا تهدأ تجاه روسيا منذ حرب الشيشان عام 1999، حيث تم سحق الانفصاليين الإسلاميين على يد فلاديمير بوتين الذي قال إنه مستعد لطردهم "في المرحاض مباشرة". وهو شعور عززه التورط الروسي في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2012 كما أن السجون الروسية مليئة بأعضاء تنظيم داعش أو المتعاطفين معه الذين تم اعتقالهم كإجراء احترازي. في الواقع، لا يجد أي نظام في العالم استحسانًا في أعين الشبكات الإرهابية باستثناء تنظيم داعش، أو الخلافة الإسلامية التي أنشأها في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2019، أو تنظيم القاعدة في أفغانستان وحركة طالبان. وبحسب عقيدتهم، المفصلة بشكل خاص في الدليل المكون من 1600 صفحة المنشور باللغة العربية على الإنترنت عام 2004 بعنوان "الدعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية"، فإن كل شيء آخر، وبالتالي العالم أجمع، هو هدف كافر ومشروع لخلاياهم الإرهابية، كل الوقت .

ويعتقد المتخصصون أنه إذا لم يضرب تنظيم داعش بلدًا ما، فإن ذلك لا يكون بسبب التساهل المفاجئ بقدر ما يكون بسبب قلة الفرص. كما ارتكب التنظيم  حوالي خمسين هجوما في العالم: في الشرق الأوسط في  تركيا، سوريا، العراق، وحتى في مملكة المشاعر المقدسة، السعودية، أو في إيران رغم نظامها الديني، و في إفريقيا : في المغرب العربي، مصر ونيجيريا وكينيا وموزمبيق وغيرها، وفي أوروبا : في فرنسا، مع باتاكلان في 2015، ولكن أيضًا في إسبانيا والمملكة المتحدة وألمانيا والسويد وغيرها، وفي آسيا الوسطى، ومنها مما لا شك فيه أن مهاجمي قاعة كروكوس نشأوا في باكستان وإندونيسيا والهند وحتى أمريكا الشمالية. ولم  تنفذ من الهجمات سوى أمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا. وبالتالي فإن عملها، الشامل، مستقل عن الاضطرابات الجيوسياسية المحتملة .

نظريات المؤامرة ؟
لماذا يوجه تنظيم داعش، بعد توقف دام سبع سنوات، ضرباته الآن على وجه التحديد، بعد أيام قليلة من إعادة انتخاب فلاديمير بوتين وفي خضم الحرب في أوكرانيا؟ سوف تنتشر نظريات المؤامرة، الأمر الذي يستحضر عملية "العلم الزائف" التي ينفذها الكرملين لتبرير القمع الداخلي الجديد، أو الإشارة إلى أوكرانيا بشكل أبعد. لكن لا توجد أدلة مقنعة تشير إلى هذا الاتجاه في هذه المرحلة، حتى لو كان تأخر تدخل الشرطة، التي لم تتمكن حتى من إطلاق النار على المهاجمين، الذين تم اعتقالهم بعد اثنتي عشرة ساعة فقط من الاعتداء، يثير تساؤلات، خاصة وأن مقر القوات الخاصة موجودً مقابل الكروكوس  سيتي . ربما استفادت  داعش على أي حال من حقيقة أن أجهزة الاستخبارات والأمن الروسية كانت تحتكر عمليات كييف المحتملة في البلاد.  كما أنه من الممكن أن يكون التنظيم الإسلامي قد قام  بإعادة تنشيط خلاياه، خاصة وأن الهجوم على قاعة كروكوس لم يتطلب إعدادًا معقدًا، يعتمد على التسلل المفاجئ لستة مهاجمين مزودين ببساطة ببنادق آلية وسترات مضادة للرصاص وعلبة سائل قابل للاشتعال.