لماذا على بايدن الحذر من عرض أردوغان حماية مطار كابول؟

لماذا على بايدن الحذر من عرض أردوغان حماية مطار كابول؟


انضم مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات أيكان إردمير إلى عدد كبير من المحللين السياسيين الذين يحذرون الرئيس الأمريكي جو بايدن من مغبة الوثوق بتركيا كي تؤمن الحماية لمطار كابول بعد مغادرة القوات الأمريكية أفغانستان.
يذكّر إردمير في مجلة “نيوزويك” بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعترف الأسبوع الماضي بأن تركيا “ليس لديها مشاكل متضاربة مع معتقدات (طالبان)”. وذهب أردوغان إلى اقتراح أن مهمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة كانت غير شرعية منذ بدايتها: “دخلت القوى الإمبريالية أفغانستان؛ لقد كانت هناك لأكثر من عشرين عاماً».

ليس الخيار الأكثر حكمة
رأى إردمير في هذه التصريحات تحذيراً وسط المفاوضات المستمرة بين أنقرة وواشنطن حول عرض أردوغان نشر قوات تركية لتوفير الأمن في مطار كابول الدولي بعد رحيل الأمريكيين. والمطار هو شريان حياة كابول مع العالم الخارجي ويؤمن إمكانية الوصول لعمال الإغاثة والديبلوماسيين الأجانب إلى أفغانستان. أوائل الشهر الحالي، قال الناطق باسم البنتاغون جون كيربي إن “الرئيس أوضح أننا سنحافظ على حضور ديبلوماسي في كابول. نحن نعلم أنه للتمكن من فعل ذلك، سيكون عليك التمتع بأمن مناسب في المطار».
يعلق إرمير على هذا التصريح كاتباً أن إسناد حماية المطار إلى الرئيس التركي قد لا يكون الخيار الأكثر حكمة. فلأردوغان تاريخ من دعم حماس وحتى جبهة النصرة لفترة من الزمن. وتشكل النصرة واجهة تنظيم القاعدة في سوريا. كذلك، ساعد أردوغان إيران على التهرب من العقوبات الأمريكية كما اشترى أسلحة من روسيا التي تمثل الخصم الأول لحلف شمال الأطلسي.

هكذا ضعف موقفه
على الرغم من مخاطر الوثوق بأردوغان، كانت هنالك دوماً ليونة واضحة في نبرة الإدارة تجاه حكومة الرئيس التركي. بدأ التطور في أوائل يونيو (حزيران)، حين اقترح وزير الدفاع التركي تحويل 500 جندي من بلاده موجودين في أفغانستان إلى حراسة وإدارة مطار كابول على افتراض تقديم الحلفاء دعماً مالياً ولوجستياً وسياسياً كافياً.
وتحدث كيربي بعد يومين عن إجراء المسؤولين الأمريكيين “محادثات مستمرة مع القادة الأتراك حول خططهم لأمن المطار” وأن ذلك كان “قراراً وطنياً على أردوغان اتخاذه وعلينا احترام ذلك”. وفي 10 يونيو (حزيران)، أصر ناطق باسم طالبان على ضرورة انسحاب تركيا أيضاً من أفغانستان بناء على الاتفاق الذي تم مع الأمريكيين في فبراير (شباط) 2020. أضعف ذلك موقف أردوغان قبل لقائه ببايدن في 14 يونيو.

ما حصل بدءاً من ستة أعوام
كان الرئيس التركي حريصاً على الاستثمار في مأزق بايدن الأفغاني الذي شمل تحديات لوجستية إضافة إلى إحباط الحلفاء الأطلسيين. لذلك، راجع أردوغان عرضه بشأن كابول خلال القمة مع بايدن ليضمن التعاون الأمني مع المجر وباكستان من أجل حماية المطار. وأمل أردوغان أيضاً أن تتدخل باكستان وقطر اللتان تتمتعان بنفوذ على حركة طالبان وبعلاقات تحالفية مع تركيا، كي تغيرا موقف الحركة المعارض للوجود التركي.
في الوقت نفسه، أوضحت الحكومة التركية حدود عرضها: في 23 يونيو، قال وزير الدفاع إن تركيا لن تنشر قوات إضافية في أفغانستان وإنها ستكتفي بالجنود الـ 500 الموجودين هناك. وتذكر التقارير أن أنقرة لن تخوض أي مهمة قتالية خارج المطار وترفض توفير الأمن للمواكب الديبلوماسية المتنقلة بين مقار البعثات في كابول ومطارها. وفي هذه الأثناء، قد تبدو طلبات أنقرة بشأن الدعم المالي واللوجستي مبالغاً بها كما حصل حين زعمت بدءاً من 2015، أنها ستتولى قيادة محاربة داعش بدلاً من التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا. لكنها مع ذلك، رفضت تخصيص الموارد اللازمة.

غضب محتمل وضربة لطموحاته
أشار إردمير إلى وجود تقارير عن تخطيط تركيا نشر حوالي ألفي عنصر من المرتزقة السوريين في أفغانستان كما فعلت في ليبيا وناغورنو قره باخ. من المرجح أن يثير هذا التطور غضب واشنطن ودول أطلسية أخرى بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجهتها لجنة تابعة للأمم المتحدة ضد المرتزقة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، من بينها الاختطاف والمعاملة الوحشية والتعذيب والاغتصاب والنهب.
في هذه الأثناء، تواصل طالبان معارضتها لوجود القوات التركية في أفغانستان مطلقة تحذيراً في 13 يوليو الحالي بأنها ستنظر إلى الجنود الأتراك كمحتلين وستشن “الجهاد” ضدهم. في اليوم التالي، خفف مسؤول تركي من أهمية التهديد قائلاً إن أنقرة لم تتوقع أن يكون لحركة طالبان “موقف عدواني”. وفيما لم يُجرِ الطرفان محادثات مباشرة، كانت طالبان قد تراجعت عن مقترح لعقد قمة سلام في أنقرة شهر أبريل (نيسان) الماضي، موجهة ضربة لطموحات أردوغان بأن يصبح وسيطاً رئيسياً في أفغانستان.

أين القلق الأمريكي من أس-400؟
كتب إردمير أن تعرجات أردوغان تثير شككوكاً حول منطق لعبة أنقرة. ففي 19 يوليو، رفع أردوغان التحدي عبر دعوة طالبان إلى “إنهاء احتلال تراب أشقائهم”. لكن في اليوم التالي، أقدم الرئيس التركي على استدارة كاملة عبر القول إنه لا يعترض على معتقدات طالبان. بالرغم من الثغرات في مقترحاته، يبدو أن أردوغان يراهن على استفادة مسبقة. منذ عرضت تركيا حراسة وإدارة مطار كابول، خففت إدارة بايدن من انتقاداتها لتجاوزات أردوغان الداخلية والخارجية.
لقد امتنع المسؤولون الأمريكيون عن إدانة أنقرة بسبب جهودها المستمرة لحظر ثاني أكبر حزب معارض في البلاد، وهو حزب الشعوب الديموقراطي. علاوة على ذلك، لا تتضمن البيانات عن الاتصالين اللذين أجريا في 19 يونيو و7 يوليو بين وزيري الدفاع الأمريكي والتركي أي ذكر للمخاوف الأمريكية من نشر أنقرة منظومة أس-400 الروسية. في غضون ذلك، أعلن مسؤول روسي في 20 يوليو أنه بالنسبة إلى تسليم الدفعة الثانية من منظومة أس-400، لا تزال “المشاورات النهائية جارية، وقد تم وضع نموذج مالي، كما برنامج للتعاون التقني حول المشروع».

خطورة الانطباع الخطأ
يرى إردمير أنه قد يكون لأردوغان الانطباع الخطأ بأن مفاوضاته المستمرة مع إدارة بايدن قد وفرت له الحصانة كي يتابع نشر الدفعة الثانية من منظومة الصواريخ التي عرّضته لإجراءات عقابية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بموجب قانون مواجهة أعداء أمريكا عبر العقوبات. ويضيف أن مواصلة تركيا نشر جنودها في أفغانستان يمكن أن تخفف بعض المخاطر في كابول، لكن على الصعيد الواقعي، لا يمكنها تقديم علاج مستدام لمشاكل أفغانستان الوشيكة.
كذلك، وفيما يواصل المسؤولون الأمريكيون مفاوضاتهم مع أردوغان حول اتفاق قد لا يتحقق أبداً، سيكون من الحكمة ألا تفاقم واشنطن التهديدات الأمنية في أماكن أخرى عبر إعطاء أردوغان الانطباع بأنه قادر على التمتع بالحصانة بناء على اتفاق أفغاني.