رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
الأويغور والتجارة بوصلتها:
لهذا تريد الصين كسب ودّ حركة طالبان...!
- مع اقتراب انسحاب الأمريكي من الاكتمال، واحتدام القتال، تمت دعوة وفد من طالبان إلى الصين
- تقليدياً، الدبلوماسية الصينية حذرة، ولكن فيما يتعلق بأفغانستان، قررت بكين أخذ زمام المبادرة
- الاتصالات بين الصينيين وطالبان موجودة منذ وقت طويل جدًا
- تهتم الصين بنقل جميع أنواع البضائع عبر الطرق الأفغانية من أجل تصديرها
- وانغ يي: تلتزم الصين دائما بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان
- لدى طالبان الكثير لتكسبه من وجود علاقة جيدة مع بكين، على الأقل يمكن أن تجعلهم أقل ارتهانا لباكستان
تقليديا، الدبلوماسية الصينية حذرة، ولكن فيما يتعلق بأفغانستان، قررت بكين أن تأخذ زمام المبادرة. ومع اكتمال انسحاب القوات الأمريكية تقريبًا، ومع احتدام القتال حول العديد من المدن الأفغانية، تمت دعوة وفد من طالبان إلى الصين.وهكذا تعطي بكين الانطباع بأنه في نظرها، لم يعد بإمكان القوات الحكومية أن تسود، وبالتالي فمن الواقعي أن تناقش مع أولئك الذين سيتولون السلطة قريباً. بعد أسبوع من إرسال حركة طالبان لهذا الوفد إلى الصين، استولت قواتها على بلدتين: زارانج، في جنوب البلاد، وشيبيرغان في الشمال.
يريد شي جين بينغ طمأنة أشرف غني
ومع ذلك، لا تريد بكين التخلي فجأة عن الحكومة الأفغانية. في 16 يوليو، تحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ نفسه، عبر الهاتف، مع الرئيس الأفغاني أشرف غني. وأكد له أن “الصين تدعم بقوة جهود الحكومة الأفغانية لحماية سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها”. وبعد ذلك، في 2 أغسطس، روت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) بأمانة التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأفغاني قبل يوم أمام البرلمان في كابول: “لدينا خطة أمنية مدتها ستة أشهر، لتغيير الوضع الأمني في البلاد. وقوات الأمن قادرة بما يكفي لتامين استقرار الوضع الأمني”. وتقول شينخوا، إن البرلمان الأفغاني حث حركة طالبان بعد ذلك على التخلي عن القتال.
علاوة على ذلك، وفي موضوع مختلف تمامًا، وهو مكافحة فيروس كورونا، ذهب صحفيون من الوكالة الصينية إلى كابول في يوليو لمقابلة وزير الصحة العامة الأفغاني، وحيد مجروح. وشكر هذا الاخير الصين “التي زودت أفغانستان بأجهزة تنفّس وكمامات ومطهرات، بينما كانت هي نفسها بحاجة إلى هذه الموارد في ذلك الوقت”. وأضاف الوزير: “من الصعب جدًا الحكم على أصل الوباء .... وأي حكم في هذا الشأن يجب أن يكون مدعوماً، ولا يكون صحيحاً إلا إذا كان مبنياً على أدلة علمية وأدلة قوية”، بالنسبة لبكين، ليس من غير المجدي أبداً نقل تصريحات تتماشى مع المواقف الرسمية الصينية بهذه الطريقة.
قادة طالبان يزورون تيانجين
لكن في كابول، لم يعجب على الإطلاق ما تبع ذلك: رحلة الملا عبد الغني بردار إلى الصين، يومي 27 و28 يوليو، أحد قادة إمارة طالبان، يرافقه حوالي خمسة عشر من المجاهدين الأفغان. بالتأكيد لم يتم استقبالهم من قبل السلطات الصينية العليا، وأجروا مقابلة مع وانغ يي، وزير الخارجية، وهو أيضًا عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.
من ناحية أخرى، عقد هذا الاجتماع في تيانجين، على بعد حوالي مائة كيلومتر من بكين. ومن الواضح أن الحذر الصحي الذي تفرضه مخاطر عودة ظهور فيروس كوفيد، كان بمثابة ذريعة لفرض عدم عقد هذا الاجتماع في العاصمة الصينية.
وكدليل على أن بكين لم تكن مهتمة بإخفاء هذا الحدث، تم التقاط صور لوانغ يي مرتديًا بدلة وربطة عنق إلى جانب مقاتلين يرتدون زي السلوار كاميز، وهو سترة أفغانية تقليدية. في وسائل الإعلام الصينية، أوضح وانغ يي، أن حركة “طالبان قوة سياسية وعسكرية حاسمة في أفغانستان”. لذلك تأمل الصين أن تراها “تلعب دورا هاما في عملية السلام والمصالحة وإعادة الإعمار في أفغانستان».
ورغم عدم وجود سرد دقيق للمناقشات التي تلت ذلك، إلا أن قضية الأويغور قد أثيرت بالتأكيد من قبل الوزير الصيني. يعيش هؤلاء السكان في مقاطعة شينجيانغ الصينية، ويتعرضون لقمع شديد. وتتم مراقبة كل منزل عن كثب من قبل الشرطة، ويحتجز أكثر من مليون من الأويغور حاليًا في معسكرات “مكافحة التطرف”. ولا مجال بالنسبة لبكين، ان تنظّم طالبان بمجرد تسلّمها السلطة في كابول، دعما لوجستيا لصالح الأويغور، الذين تعتبرهم بكين إرهابيين حقيقيين.
على مدار العشرين عامًا الماضية، فر العديد من مقاتلي الأويغور من شينجيانغ بحثًا عن ملاذ في أفغانستان. مروا عبر مقاطعة بامير، في الطرف الشرقي من ممر واخام. وفي هذه المنطقة ذات الجبال العالية، يبلغ طول الحدود مع الصين 76 كيلومترًا فقط، وتقع الممرات النادرة على ارتفاع يزيد عن 3000 متر. والعديد من هؤلاء المقاتلين الآن في صفوف طالبان بعد خدمتهم في صفوف داعش في ذروة القتال في سوريا والمشاركة من 2014 إلى 2019 لتأسيس ما يسمى الدولة الإسلامية.
وعلى عكس ما فعلته العديد من الدول الآسيوية في الماضي، منها باكستان، من غير المرجح أن توافق حركة طالبان على تسليم قادة الأويغور الذين يقفون إلى جانبها إلى الصين. من ناحية أخرى، من الواضح أن بكين أصرت على الحصول على تأكيدات بأن هؤلاء المحاربين لن يتدخلوا في شينجيانغ.
في 28 يوليو، بعد مقابلة مع وانغ يي، قال متحدث باسم طالبان لوكالة فرانس برس، كرد على ذلك “أكدت الإمارة الإسلامية للصين أن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد أمن البلاد”. ربما يكون الوزير الصيني قد طالب أيضًا بأن تتعهد حكومة طالبان الأفغانية المستقبلية المحتملة بعدم إرسال أسلحة إلى شينجيانغ. وفي هذا المجال، تُظهر تركيا مثالاً على الحياد التام رغم تحدّث الأويغور لغة تركية.
التجارة قبل كل شيء
في المحادثات مع قادة طالبان في تيانجين، ربما نشأت مطالب اقتصادية صينية أخرى. أولاً، تحتاج الصين إلى التجارة بشكل طبيعي قدر الإمكان مع أفغانستان. وهذا يعني القدرة على الاستمرار في العمل دون مخاطر في منجم عينك للنحاس، الواقع جنوب كابول، والذي سبق ان استثمر فيه الصينيون ما يعادل 5.6 مليار يورو. ويتعلق الأمر أيضًا بتطوير عبور وبيع المنتجات الصينية في المناطق النائية من البلاد. كل هذا يندرج في إطار المشروع الصيني الضخم “طرق الحرير الجديدة” الذي لم يمثل سوى 3.7 مليار يورو في أفغانستان حتى الآن.
مصدر قلق آخر مهم جدا للصين: إمكانية المرور، مرة أخرى دون خطر، جميع أنواع البضائع على الطرق الأفغانية، من أجل تصديرها إلى إيران والدول العربية وتركمانستان وإيران، وخاصة باكستان. وتعد باكستان حليفًا قديمًا للصين، وتتقاسم معها القلق المستمر للحد قدر الإمكان من رغبة الهند في التوسع. ومع ذلك، تتمتع حركة طالبان بعلاقة قوية مع باكستان، حيث أقامت قواعد خلفية. وفي ظل هذه الظروف، تضغط الحكومة الباكستانية على طالبان للحفاظ على علاقة جيدة مع الصين.
القرب الذي يحافظ عليه عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، مع الصين، يدفعه إلى عدم انتقاد بكين، حتى عندما يُساء معاملة السكان المسلمين. وأعلن في 20 يونيو، لبوابة الأخبار الأمريكية أكسيوس، “عدم التأكد مما يقال” حول معاملة الصين للأويغور، مبيناً أنه “حسب الصينيين، لا يمارس أي قمع على 11 مليون اويغور”، وأنه في هذا الموضوع، “يتم التعامل مع أي مشاكل مع الصينيين خلف الأبواب المغلقة».
اتصالات قديمة
وفي جميع الأحوال، فإن الاتصالات بين الصينيين وطالبان موجودة منذ وقت طويل جدًا. في الثمانينات، كانت بكين في فتور، لأكثر من عشرين عامًا، مع الاتحاد السوفياتي، وأعربت عن تعاطفها الخفي مع المقاتلين ضد القوات السوفياتية التي احتلت أفغانستان. ثم، من عام 1996 إلى عام 2001، حكمت طالبان أفغانستان. وقد دعمها الصينيون بنفس التكتم، ولا سيما من خلال مساعدتها ماديًا. ومقابل ذلك، فإن طالبان، مرة أخرى، لم تتدخل في الفضاء الإسلامي الصيني.
ثم، قبل عشرين عاما، أطاحت الولايات المتحدة بقيادة طالبان. وكانوا مذنبين لقربهم من عدد من الإرهابيين كانوا وراء التفجيرات الانتحارية الأربعة في 11 سبتمبر 2001. استقرت حكومة ذات ممارسات ديمقراطية في كابول، بينما ظلت الصين على اتصال بقادة لاجئي طالبان في باكستان. الآن بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية على نطاق كوكبي، فهي تريد استقرارًا حقيقيًا في البلدان المحيطة بها. ولذلك ليس مهما أن حركة طالبان معروفة بأنها من أتباع إسلام صارم.
الصين، التي يتأسس إلحادها رسميًا على مبادئ الماركسية اللينينية، تريد أن تكون لها علاقة قوية معام. ويؤدي هذا بشكل خاص إلى عدم السعي للتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. وهو ما لخصه الوزير وانغ يي يوم 4 يوليو. ففي ختام زيارة قادة طالبان إلى تيانجين، حثهم على “رفع علم السلام عالياً”، ثم قال، إن “الصين ملتزمة دائمًا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وأن أفغانستان تنتمي للشعب الأفغاني”. واختتم الوزير حديثه بالإشارة إلى “فشل السياسة الأمريكية في أفغانستان».
من جانبها، لدى طالبان الكثير لتكسبه من وجود علاقة جيدة مع بكين. على الأقل يمكن أن تجعلها حركة أقل ارتهانا لباكستان. من ناحية أخرى، إذا أرادت الأمم المتحدة إدانة عمل طالبان بمجرد توليها السلطة في كابول، فإن الصين في وضع يمكّنها من معارضة أي عقوبات قد يفكر فيها المجلس. ومع ذلك، لا يزال هناك من المجهول الكثير. هل طالبان، المنقسمة إلى مجموعات عرقية متعددة، قادرة على طاعة حكومة مركزية؟ والا تكون قوة رجعية بعد الآن؟ ان تفكيك تماثيل بامين بوذا عام 2001 بحجة أنها سبقت الإسلام في أفغانستان، ساهمت بشكل كبير في منح الحركة صورة المتطرفين الإسلاميين المتزمّتين.
حرب أهلية
راهناً، تمر البلاد بمرحلة حرب أهلية تتزايد فيها الخسائر في صفوف المدنيين. وتتمتع القوات الحكومية بميزة:
يمكنها قصف مواقع طالبان بالطائرات والمروحيات التي تركها لها الأمريكيون. وفي الوقت الحالي، لا يزال سلاح الجو الأمريكي يتدخل من حين لآخر حول مدن أفغانية معينة يحاول المجاهدون تطويقها. هذا هو الحال بشكل خاص في هرات، غرب البلاد، وكذلك في الجنوب حول قندهار ولاشكر جاه، حيث الهدف هو الاستيلاء على واحدة من أهم مناطق إنتاج الأفيون الأفغاني.
بالإضافة إلى ذلك، في 3 أغسطس، حاولت مجموعة مسلحة مؤلفة من أربعة عناصر من طالبان اختطاف وزير الدفاع من منزله في كابول. وحال تدخل القوات الحكومية دون نجاح هذه العملية، وقُتل ثمانية أشخاص وجُرح حوالي 20. في اليوم التالي، حذرت طالبان من أن العملية ليست سوى “بداية عمليات انتقامية” ضد كبار المسؤولين الحكوميين رداً على التفجيرات التي أمروا بها. لكن في كابول نفسها، نزل العديد من السكان إلى الشوارع لإعلان دعمهم لقوات الجيش الأفغاني. وبعد ذلك بيومين، أعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن اغتيال داوا خان مينابال، رئيس جهاز الاتصالات التابع للحكومة الأفغانية.
في 6 أغسطس، قررت مبعوثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان، الكندية ديبورا ليونز، الرد على كل هذه الأحداث.
ودعت طالبان إلى “وقف” “الهجمات على المدن”، وطالبت مجلس الأمن بإصدار تحذير “لا لبس فيه”. وقالت ايضا في اجتماع للمجلس “ان الحكومة المفروضة بالقوة في افغانستان لن يتم الاعتراف بها».
لا يريد جزء كبير من الشعب الأفغاني عودة طالبان إلى السلطة.
في السنوات التي حكمت فيها الحركة البلاد، مارست سياسة هيمنت عليها ظلامية عميقة لم ينسها السكان.
ربما يستفيد مجاهدو اليوم من تقديم صورة أخرى عن أنفسهم، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن هذه القضية قد نوقشت خلال اجتماعات تيانجين...
إنه ليس موضوعًا تشعر الصين أن لديها قدرًا كبيرًا من الكفاءة بشأنه.
- تقليدياً، الدبلوماسية الصينية حذرة، ولكن فيما يتعلق بأفغانستان، قررت بكين أخذ زمام المبادرة
- الاتصالات بين الصينيين وطالبان موجودة منذ وقت طويل جدًا
- تهتم الصين بنقل جميع أنواع البضائع عبر الطرق الأفغانية من أجل تصديرها
- وانغ يي: تلتزم الصين دائما بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان
- لدى طالبان الكثير لتكسبه من وجود علاقة جيدة مع بكين، على الأقل يمكن أن تجعلهم أقل ارتهانا لباكستان
تقليديا، الدبلوماسية الصينية حذرة، ولكن فيما يتعلق بأفغانستان، قررت بكين أن تأخذ زمام المبادرة. ومع اكتمال انسحاب القوات الأمريكية تقريبًا، ومع احتدام القتال حول العديد من المدن الأفغانية، تمت دعوة وفد من طالبان إلى الصين.وهكذا تعطي بكين الانطباع بأنه في نظرها، لم يعد بإمكان القوات الحكومية أن تسود، وبالتالي فمن الواقعي أن تناقش مع أولئك الذين سيتولون السلطة قريباً. بعد أسبوع من إرسال حركة طالبان لهذا الوفد إلى الصين، استولت قواتها على بلدتين: زارانج، في جنوب البلاد، وشيبيرغان في الشمال.
يريد شي جين بينغ طمأنة أشرف غني
ومع ذلك، لا تريد بكين التخلي فجأة عن الحكومة الأفغانية. في 16 يوليو، تحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ نفسه، عبر الهاتف، مع الرئيس الأفغاني أشرف غني. وأكد له أن “الصين تدعم بقوة جهود الحكومة الأفغانية لحماية سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها”. وبعد ذلك، في 2 أغسطس، روت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) بأمانة التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأفغاني قبل يوم أمام البرلمان في كابول: “لدينا خطة أمنية مدتها ستة أشهر، لتغيير الوضع الأمني في البلاد. وقوات الأمن قادرة بما يكفي لتامين استقرار الوضع الأمني”. وتقول شينخوا، إن البرلمان الأفغاني حث حركة طالبان بعد ذلك على التخلي عن القتال.
علاوة على ذلك، وفي موضوع مختلف تمامًا، وهو مكافحة فيروس كورونا، ذهب صحفيون من الوكالة الصينية إلى كابول في يوليو لمقابلة وزير الصحة العامة الأفغاني، وحيد مجروح. وشكر هذا الاخير الصين “التي زودت أفغانستان بأجهزة تنفّس وكمامات ومطهرات، بينما كانت هي نفسها بحاجة إلى هذه الموارد في ذلك الوقت”. وأضاف الوزير: “من الصعب جدًا الحكم على أصل الوباء .... وأي حكم في هذا الشأن يجب أن يكون مدعوماً، ولا يكون صحيحاً إلا إذا كان مبنياً على أدلة علمية وأدلة قوية”، بالنسبة لبكين، ليس من غير المجدي أبداً نقل تصريحات تتماشى مع المواقف الرسمية الصينية بهذه الطريقة.
قادة طالبان يزورون تيانجين
لكن في كابول، لم يعجب على الإطلاق ما تبع ذلك: رحلة الملا عبد الغني بردار إلى الصين، يومي 27 و28 يوليو، أحد قادة إمارة طالبان، يرافقه حوالي خمسة عشر من المجاهدين الأفغان. بالتأكيد لم يتم استقبالهم من قبل السلطات الصينية العليا، وأجروا مقابلة مع وانغ يي، وزير الخارجية، وهو أيضًا عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.
من ناحية أخرى، عقد هذا الاجتماع في تيانجين، على بعد حوالي مائة كيلومتر من بكين. ومن الواضح أن الحذر الصحي الذي تفرضه مخاطر عودة ظهور فيروس كوفيد، كان بمثابة ذريعة لفرض عدم عقد هذا الاجتماع في العاصمة الصينية.
وكدليل على أن بكين لم تكن مهتمة بإخفاء هذا الحدث، تم التقاط صور لوانغ يي مرتديًا بدلة وربطة عنق إلى جانب مقاتلين يرتدون زي السلوار كاميز، وهو سترة أفغانية تقليدية. في وسائل الإعلام الصينية، أوضح وانغ يي، أن حركة “طالبان قوة سياسية وعسكرية حاسمة في أفغانستان”. لذلك تأمل الصين أن تراها “تلعب دورا هاما في عملية السلام والمصالحة وإعادة الإعمار في أفغانستان».
ورغم عدم وجود سرد دقيق للمناقشات التي تلت ذلك، إلا أن قضية الأويغور قد أثيرت بالتأكيد من قبل الوزير الصيني. يعيش هؤلاء السكان في مقاطعة شينجيانغ الصينية، ويتعرضون لقمع شديد. وتتم مراقبة كل منزل عن كثب من قبل الشرطة، ويحتجز أكثر من مليون من الأويغور حاليًا في معسكرات “مكافحة التطرف”. ولا مجال بالنسبة لبكين، ان تنظّم طالبان بمجرد تسلّمها السلطة في كابول، دعما لوجستيا لصالح الأويغور، الذين تعتبرهم بكين إرهابيين حقيقيين.
على مدار العشرين عامًا الماضية، فر العديد من مقاتلي الأويغور من شينجيانغ بحثًا عن ملاذ في أفغانستان. مروا عبر مقاطعة بامير، في الطرف الشرقي من ممر واخام. وفي هذه المنطقة ذات الجبال العالية، يبلغ طول الحدود مع الصين 76 كيلومترًا فقط، وتقع الممرات النادرة على ارتفاع يزيد عن 3000 متر. والعديد من هؤلاء المقاتلين الآن في صفوف طالبان بعد خدمتهم في صفوف داعش في ذروة القتال في سوريا والمشاركة من 2014 إلى 2019 لتأسيس ما يسمى الدولة الإسلامية.
وعلى عكس ما فعلته العديد من الدول الآسيوية في الماضي، منها باكستان، من غير المرجح أن توافق حركة طالبان على تسليم قادة الأويغور الذين يقفون إلى جانبها إلى الصين. من ناحية أخرى، من الواضح أن بكين أصرت على الحصول على تأكيدات بأن هؤلاء المحاربين لن يتدخلوا في شينجيانغ.
في 28 يوليو، بعد مقابلة مع وانغ يي، قال متحدث باسم طالبان لوكالة فرانس برس، كرد على ذلك “أكدت الإمارة الإسلامية للصين أن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد أمن البلاد”. ربما يكون الوزير الصيني قد طالب أيضًا بأن تتعهد حكومة طالبان الأفغانية المستقبلية المحتملة بعدم إرسال أسلحة إلى شينجيانغ. وفي هذا المجال، تُظهر تركيا مثالاً على الحياد التام رغم تحدّث الأويغور لغة تركية.
التجارة قبل كل شيء
في المحادثات مع قادة طالبان في تيانجين، ربما نشأت مطالب اقتصادية صينية أخرى. أولاً، تحتاج الصين إلى التجارة بشكل طبيعي قدر الإمكان مع أفغانستان. وهذا يعني القدرة على الاستمرار في العمل دون مخاطر في منجم عينك للنحاس، الواقع جنوب كابول، والذي سبق ان استثمر فيه الصينيون ما يعادل 5.6 مليار يورو. ويتعلق الأمر أيضًا بتطوير عبور وبيع المنتجات الصينية في المناطق النائية من البلاد. كل هذا يندرج في إطار المشروع الصيني الضخم “طرق الحرير الجديدة” الذي لم يمثل سوى 3.7 مليار يورو في أفغانستان حتى الآن.
مصدر قلق آخر مهم جدا للصين: إمكانية المرور، مرة أخرى دون خطر، جميع أنواع البضائع على الطرق الأفغانية، من أجل تصديرها إلى إيران والدول العربية وتركمانستان وإيران، وخاصة باكستان. وتعد باكستان حليفًا قديمًا للصين، وتتقاسم معها القلق المستمر للحد قدر الإمكان من رغبة الهند في التوسع. ومع ذلك، تتمتع حركة طالبان بعلاقة قوية مع باكستان، حيث أقامت قواعد خلفية. وفي ظل هذه الظروف، تضغط الحكومة الباكستانية على طالبان للحفاظ على علاقة جيدة مع الصين.
القرب الذي يحافظ عليه عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، مع الصين، يدفعه إلى عدم انتقاد بكين، حتى عندما يُساء معاملة السكان المسلمين. وأعلن في 20 يونيو، لبوابة الأخبار الأمريكية أكسيوس، “عدم التأكد مما يقال” حول معاملة الصين للأويغور، مبيناً أنه “حسب الصينيين، لا يمارس أي قمع على 11 مليون اويغور”، وأنه في هذا الموضوع، “يتم التعامل مع أي مشاكل مع الصينيين خلف الأبواب المغلقة».
اتصالات قديمة
وفي جميع الأحوال، فإن الاتصالات بين الصينيين وطالبان موجودة منذ وقت طويل جدًا. في الثمانينات، كانت بكين في فتور، لأكثر من عشرين عامًا، مع الاتحاد السوفياتي، وأعربت عن تعاطفها الخفي مع المقاتلين ضد القوات السوفياتية التي احتلت أفغانستان. ثم، من عام 1996 إلى عام 2001، حكمت طالبان أفغانستان. وقد دعمها الصينيون بنفس التكتم، ولا سيما من خلال مساعدتها ماديًا. ومقابل ذلك، فإن طالبان، مرة أخرى، لم تتدخل في الفضاء الإسلامي الصيني.
ثم، قبل عشرين عاما، أطاحت الولايات المتحدة بقيادة طالبان. وكانوا مذنبين لقربهم من عدد من الإرهابيين كانوا وراء التفجيرات الانتحارية الأربعة في 11 سبتمبر 2001. استقرت حكومة ذات ممارسات ديمقراطية في كابول، بينما ظلت الصين على اتصال بقادة لاجئي طالبان في باكستان. الآن بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية على نطاق كوكبي، فهي تريد استقرارًا حقيقيًا في البلدان المحيطة بها. ولذلك ليس مهما أن حركة طالبان معروفة بأنها من أتباع إسلام صارم.
الصين، التي يتأسس إلحادها رسميًا على مبادئ الماركسية اللينينية، تريد أن تكون لها علاقة قوية معام. ويؤدي هذا بشكل خاص إلى عدم السعي للتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. وهو ما لخصه الوزير وانغ يي يوم 4 يوليو. ففي ختام زيارة قادة طالبان إلى تيانجين، حثهم على “رفع علم السلام عالياً”، ثم قال، إن “الصين ملتزمة دائمًا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وأن أفغانستان تنتمي للشعب الأفغاني”. واختتم الوزير حديثه بالإشارة إلى “فشل السياسة الأمريكية في أفغانستان».
من جانبها، لدى طالبان الكثير لتكسبه من وجود علاقة جيدة مع بكين. على الأقل يمكن أن تجعلها حركة أقل ارتهانا لباكستان. من ناحية أخرى، إذا أرادت الأمم المتحدة إدانة عمل طالبان بمجرد توليها السلطة في كابول، فإن الصين في وضع يمكّنها من معارضة أي عقوبات قد يفكر فيها المجلس. ومع ذلك، لا يزال هناك من المجهول الكثير. هل طالبان، المنقسمة إلى مجموعات عرقية متعددة، قادرة على طاعة حكومة مركزية؟ والا تكون قوة رجعية بعد الآن؟ ان تفكيك تماثيل بامين بوذا عام 2001 بحجة أنها سبقت الإسلام في أفغانستان، ساهمت بشكل كبير في منح الحركة صورة المتطرفين الإسلاميين المتزمّتين.
حرب أهلية
راهناً، تمر البلاد بمرحلة حرب أهلية تتزايد فيها الخسائر في صفوف المدنيين. وتتمتع القوات الحكومية بميزة:
يمكنها قصف مواقع طالبان بالطائرات والمروحيات التي تركها لها الأمريكيون. وفي الوقت الحالي، لا يزال سلاح الجو الأمريكي يتدخل من حين لآخر حول مدن أفغانية معينة يحاول المجاهدون تطويقها. هذا هو الحال بشكل خاص في هرات، غرب البلاد، وكذلك في الجنوب حول قندهار ولاشكر جاه، حيث الهدف هو الاستيلاء على واحدة من أهم مناطق إنتاج الأفيون الأفغاني.
بالإضافة إلى ذلك، في 3 أغسطس، حاولت مجموعة مسلحة مؤلفة من أربعة عناصر من طالبان اختطاف وزير الدفاع من منزله في كابول. وحال تدخل القوات الحكومية دون نجاح هذه العملية، وقُتل ثمانية أشخاص وجُرح حوالي 20. في اليوم التالي، حذرت طالبان من أن العملية ليست سوى “بداية عمليات انتقامية” ضد كبار المسؤولين الحكوميين رداً على التفجيرات التي أمروا بها. لكن في كابول نفسها، نزل العديد من السكان إلى الشوارع لإعلان دعمهم لقوات الجيش الأفغاني. وبعد ذلك بيومين، أعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن اغتيال داوا خان مينابال، رئيس جهاز الاتصالات التابع للحكومة الأفغانية.
في 6 أغسطس، قررت مبعوثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان، الكندية ديبورا ليونز، الرد على كل هذه الأحداث.
ودعت طالبان إلى “وقف” “الهجمات على المدن”، وطالبت مجلس الأمن بإصدار تحذير “لا لبس فيه”. وقالت ايضا في اجتماع للمجلس “ان الحكومة المفروضة بالقوة في افغانستان لن يتم الاعتراف بها».
لا يريد جزء كبير من الشعب الأفغاني عودة طالبان إلى السلطة.
في السنوات التي حكمت فيها الحركة البلاد، مارست سياسة هيمنت عليها ظلامية عميقة لم ينسها السكان.
ربما يستفيد مجاهدو اليوم من تقديم صورة أخرى عن أنفسهم، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن هذه القضية قد نوقشت خلال اجتماعات تيانجين...
إنه ليس موضوعًا تشعر الصين أن لديها قدرًا كبيرًا من الكفاءة بشأنه.