رئيس الدولة يقدم واجب العزاء في وفـاة محمـد مبـارك المنصـوري
ما الذي أقلق الصين من تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل؟
أبدت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم مخاوف كبيرة من اختفاء النظام الإيراني الحالي، وهو شريك رئيسي في منطقة أساسية لإمداداتها وأمنها في مجال الطاقة، لكنّها لا تملك أيّ نفوذ قوي فيها. وتُعدّ أسعار النفط الخام المُرتفعة وانقطاعات الإمدادات بمثابة أخبار سيّئة للعملاق الآسيوي، الذي يُكافح لتعزيز نموه.
وسارعت وزارة الخارجية الصينية، تعليقاً على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاء أعمال الحرب بين إسرائيل وإيران، للتأكيد على أنّ «الصين لا تُريد تصعيد التوتر، وتأمل في تطبيق وقف إطلاق النار ،بأسرع وقت ممكن»، وقالت بكين إنّها «مُستعدّة للعمل مع المُجتمع الدولي للحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».
وفي خضمّ المُواجهة التجارية مع الولايات المتحدة، اتّهمت بكين الرئيس ترامب بـِ «صبّ الزيت على النار» من خلال دعم إسرائيل في حربها ضدّ إيران، حيث صرّح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بأنّ بلاده تخشى أن «يخرج الصراع عن السيطرة»، ويدفع المنطقة نحو «هاوية مجهولة». ويعود ذلك إلى مخاوف جيوستراتيجية طويلة الأمد تتجاوز تقلبات أسعار النفط.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي سيباستيان فاليتي، مراسل يومية «لو فيغارو» في آسيا، إنّ الصين تخشى من صراع واسع النطاق في منطقة حيوية لإمداداتها من الطاقة، ومُرتبطة بتقلبات النمو العالمي، وتُهدّد مكانتها الدبلوماسية التي اكتسبتها تدريجياً خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط، الذي يُزوّد الصين بنحو نصف احتياجاتها النفطية، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، و60% من إمداداتها من الطاقة، وفقاً لمجلة «بيبولز تريبيون» البحثية المُتخصصة.
ولا شك أنّ الصين تتمتع بنفوذ كبير في طهران، إذ تستحوذ على 90% من صادرات النفط الإيرانية، مُتجاهلةً العقوبات الأمريكية. وقد وعدت بكين باستثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً مقابل إمدادات نفطية بأسعار مخفضة، وفقاً لاتفاقية تعاون تمّ إبرامها عام 2020. وهذا كافٍ للدفع خلف الكواليس نحو تسوية تمنع انهياراً كارثياً، يُعتبر مصدراً لعدم الاستقرار.
ومن جهته، يرى المحلل السياسي في شبكة «راديو فرنسا» سيباستيان بيريو، أنّه فيما يتعلّق بالصراع الإيراني الإسرائيلي، فإنّ الصين تظل حذرة رغم دعمها المُعلن لطهران. وفي حين لا تتردد في إدانة مسؤولية إسرائيل عن التصعيد، فإنّ بكين تشعر بالحرج إلى حدّ ما إزاء العواقب، وخاصة الاقتصادية، المُترّتبة على هذه الحرب.
ووفقاً له، فإنّ الصين لا تُريد التدخّل المُباشر بأيّ ثمن كان، إذ ينصبّ اهتمامها الرئيسي على حماية مصالحها في الشرق الأوسط، لا سيّما من خلال مشروعها الاقتصادي الضخم، طريق الحرير الجديد. كما أنّ زيادة المُشاركة المباشرة في الصراع قد تؤثر على سعر النفط الذي تشتريه الصين بكميات كبيرة من إيران. وفي ظلّ هذه الظروف، فإنّ بكين تُفضّل البقاء في الخلفية، مُتفرّجة أكثر منها لاعبة.
وتقول إميلي تران، الباحثة في جامعة هونغ كونغ متروبوليتان: «تُعرب الصين عن قلقها العميق إزاء التصعيد في الشرق الأوسط لأسباب تتعلق بأمن الطاقة وموقعها الجيوسياسي. أيّ انقطاع يُهدد وارداتها، وبالتالي استقرارها الاقتصادي، كما يُهدد عدم الاستقرار الإقليمي طريق الحرير الجديد، وهو مشــــروع استراتيجي للرئيس الصيني شي جين بينغ».
ومستقبل إيران هو القضية الأخرى التي تُؤرق استراتيجية النفوذ الصيني في الشرق الأوسط. فبعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، قد تُحرم بكين من موطئ قدم قيّم في المنطقة في حال ساءت الأوضاع أكثر في إيران، حيث أثارت دعوات البيت الأبيض لـِ»استسلام» إيران شبح «تغيير النظام».
ورغم علاقاتها الطويلة مع تل أبيب، فقد أدانت الصين، الداعم الرئيسي لطهران، الهجوم الإسرائيلي «نُعارض أيّ عمل يُقوّض سيادة الدول الأخرى»، على الرغم من أنّها لم تُدن قط الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ تُمثّل طهران بالنسبة لبكين مصدر نفوذ لدبلوماسيتها في المنطقة و»الجنوب العالمي»، وهو مصدر دأب على مُعاداة «الغرب».
وكرر كبير الدبلوماسيين الصينيين التأكيد على أنّ بلاده «لا يُمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي»، لكنّها تتجنّب بحذر الانخراط في الصراع، مُفتقرةً إلى النفوذ الحاسم وخشية التورّط في الصراع بشكل مباشر. وقال شي ينهونغ، الأستاذ في جامعة رينمين في بكين، إنّ هجوم إسرائيل والولايات المتحدة «يتعارض مع مصالح الصين وفلسفتها، لكنّها لا تستطيع فعل أي شيء ملموس لمنعه».
وعلى أرض الواقع إذاً، تبنّت الصين استراتيجية الترقّب والانتظار المألوفة، بينما كانت تدعو إلى «وقف إطلاق النار». تقول إميلي تران «تخشى بكين من تغيير مُفاجئ للنظام، وتُقدّم لإيران طوق نجاة، لكنّ دعمها ليس بلا حدود. ورغم خطابها، فإنّ تأثيرها العملي على الأزمة كان محدوداً. تفتقر الصين إلى القُدرة العسكرية أو الإرادة لإبراز قوتها في الشرق الأوسط على نطاق قد يُغيّر مسار الصراع».
ومع ذلك، فقد أتاحت الأزمة لبلاد ماو فرصة لتعزيز مكانتها كمُتحدّثة باسم دول الجنوب، من خلال التنديد العلني بـِ «تدخل» إسرائيل وحلفائها الغربيين بصبغتهم «الاستعمارية الجديدة». وبإعلانها دعم القضية الفلسطينية، فإنّ بكين تُعزز علاقاتها مع رؤساء وشعوب المنطقة، وهو محور استراتيجي في دبلوماسية شي جين بينغ العالمية.
ويقول جون ساورز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6): إنّ «الصين صديقة في الأيام الصافية، لكنّها لا ترغب في الانجرار إلى دور أمني بعيداً عن قواعدها».