منتدى علمي في أبوظبي يستعرض آخر الابتكارات في الأمراض الجلدية
بعد حصولها على دعم عسكري :
ما هي حظوظ أوكرانيا للانضمام للاتحاد الأوروبي ؟
«لا تفريط في استقلال اوكرانيا و لا في سيادتها على أراضيها ، و لا تفريط في الأمن القومي لأوروبا “ ، هذه هي مُجمل الرسالة التي أرسلها إلى موسكو اجتماع القمة الأوروبية الأخيرة ببروكسل و هو اجتماع تزامن مع دخول الاجتياح الروسي للأراضي الروسية ،بعد أيام ، عامه الثاني ، وسط تفاقم التداعيات السياسية و الاقتصادية و الإنسانية لحرب تُعد الأخطر و الأوسع ، في أوروبا ، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف أربعينيات القرن الماضي .
أجنحة للحرية
هذا التطمين الأوروبي لأوكرانيا و اللهجة الصارمة تجاه روسيا كانا ثمرة جولة كبيرة قام بها الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي لتدعيم الجبهة الاوروبية في مساندة اوكرانيا في حربها ضد روسيا التي تستعد لشن هجوم واسع النطاق في منطقة الدونباس خلال الربيع القادم .المحطة الأولى لهذه الجولة كانت الولايات المتحدة ، في شهر ديسمبر الماضي ، حيث التقي بالرئيس بايدن و القى خطابا بالكونغرس الامريكي الذي استقبل هذا الخطاب بكثير من الاحتفاء ، و قد اعلنت الولايات المتحدة عقب هذه الزيارة عن تقديم اكبر حزمة مساعدات عسكرية جديدة تقارب الاربعة مليار دولار تشمل مركبات مضادة للألغام ، و انظمة اطلاق صواريخ موجهة ، و صورايخ ارض جو لصد هجمات الصواريخ و الطائرات المسيرة الروسية ، و الغاما ارضية مضادة للمدرعات ،و ذخيرة .
كما تضمنت هذه الحزمة 225 مليون دولار لمساعدة اوكرانيا على اعادة بناء جيشها و تحديثه . و قد رحب الرئيس الاوكراني بهذه الدفعة الجديدة من المساعدات التي ترفع قيمة المعونة الامريكية الى أكثر من 24 مليار دولار منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022.
المحطة الثانية لزيلينسكي لحشد الدعم العسكري و السياسي لبلاده كانت لندن ، حيث حظي الرئيس الاوكراني ،ايضا ، باستقبال الملك تشارلز و برئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك ،الذي يُعتبر من ابرز داعمي اوكرانيا في دفاعها عن تحرير اراضيها ، كما القى خطابا بمقر البرلمان البريطاني اين اطلق نداءه الشهير “ اعطونا اجنحة للحرية “ ، اشارة الى طلبه الحصول على طائرات مقاتلة .
و قد اعلن سوناك على مد اوكرانيا بدبابات قتالية ثقيلة ، كما اعلن ان حكومته تدرس بجدية مسالة تسليم اوكرانيا طائرات مقاتلة باتت خارج الخدمة و لكنها متقدمة على الطائرات الروسية الموقف الفرنسي ليس بعيدا عن الموقف البريطاني المساند لأوكرانيا ، حيث استقبل ماكرون نظيره الاوكراني بكثير من الحرارة مُذكرا بالقيم المشتركة التي يدافع عنها البلدان ، و صرح ماكرون ، تعليقا على هذه الزيارة ، لوسائل الاعلام الفرنسية و الاجنبية “ نحن نقف مع اوكرانيا بحزم و بعزم على مرافقتها حتى النصر و استعادة حقوقها المشروعة “ ، مُضيفا “سنواصل الجهود في ما يتعلق بتسليم و سائل الدفاع “ . و هو ما يعني انه يمكن لأوكرانيا ان تُعول على فرنسا من اجل الخروج منتصرة في هذه الحرب .
و كان المستشار الالماني اولاف شولتز قد انضم للرئيس الفرنسي لاستقبال زيلينسكي بالايليزيه ، و أكد من جانبه في مؤتمر صحفي مشترك “ نحن ملتزمون الى جانب أوكرانيا...دعَمنا أوكرانيا من خلال المساعدات المالية و المساعدات الانسانية و التسليح بالمدفعية الثقيلة و مضادات الطائرات و مؤخرا بتسليم دبابات قتالية ، و سنواصل ذلك طالما كان ذلك ضروريا « .
توقعات عالية ...
تأكد هذا الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا خلال القمة الاوروبية التي انعقدت مؤخرا ببروكسيل بشكل واضح ، و لكن ماذا عن طلبها الانضمام الى الاتحاد الاوروبي و ما مدى استجابة الدول الأعضاء لهذا الطلب ؟ و بماذا يمكن تفسير تردد بعض الدول ان لم يكن رفضها الحالي لهذا الانضمام و تقديم العديد من الشروط للموافقة عليه المشكلة الأوكرانية التقليدية و المتواصلة ، في ما يخص هذا الملف ، هي أن التوقعات الاوكرانية للانضمام للاتحاد الاوروبي توقعات عالية جدا ، بل كان لدى البعض من مسؤوليها ، كما يرى المراقبون ، توقعات مبالغ فيها إلى حد ما ، و كانت هنالك رغبة طبيعية في الحصول على أخبار إيجابية من اجتماعات قمة بروكسيل تتعلق بآفاق التكامل الأوروبي لبلدهم ، بل إن أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين ذهب الى حد الاعلان عن “خطة طموحة للغاية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في العامين المُقبلين”. و يُدرك أي مُطلع جاد على الشؤون الاوروبية أن هذا مستحيل حتى من حيث الإجراءات السياسية والبيروقراطية المعتادة في الاتحاد صحيح أنه قد تم منح أوكرانيا وضع مُرشح لعضوية الاتحاد ، وكان هذا نتيجة لبطولة الشعب الأوكراني في مقاومة الاجتياح الروسي ، و كان ذلك لفتة سياسية مهمة للغاية لدعم أوكرانيا وإثباتا على أن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب أوكرانيا. ولكن لتصبح عضوا به ، عليها القيام بالعديد من الخطوات و الكثير من العمل. والشرط الأساسي للقفزة التالية على طريق التكامل الأوروبي ، من موقع المُرشح الى موقع العضو ،هو انتصارها في الحرب ضد روسيا. وطالما استمرت الحرب ، فلن يكون هناك خطوات جديدة على هذا الطريق. وبعد ذلك سينظر شركاؤها في مدى قدرتها ليس فقط على القتال ، ولكن أيضًا على إعادة بناء البلاد ، وكيف ستستخدم الأموال المقدمة لها بشفافية من أجل عمليات التعافي وإعادة الإعمار في أوكرانيا بعد الحرب. في الوقت نفسه ، يجب إجراء إصلاحات في جميع مجالات الحياة العامة. وهي ليست عملية بمكن انجازها قبل عام أو عامين.
اجتثاث الفساد ...
هذه الاصلاحات تمثل ضرورة قصوى بالنسبة للغرب للاطمئنان على الهبات التي يمكن أن يقدمها لإعادة إعمار أوكرانيا و استرجاع عافيتها الاقتصادية . و يأتي على رأسها اجتثاث الفساد الذي يُنظر اليه البعض على أنه من بقايا الاتحاد السوفياتي ، بل أن الاعتقاد يذهب حد القول ان للفساد ،في أوكرانيا ، بُعدا امنيا حساسا حيث تَستميل روسيا العديد من المسؤولين و رجال الاعمال للعمل لمصلحة روسيا ضد بلدهم .
الرئيس زيلينسكي وعد أثناء حملته الانتخابية سنة 2019 بالقضاء على الفساد ، كما تزامنت حملة ايقاف و تفتيش لمسؤولين سابقين منهم وزير للدفاع ، مع انعقاد القمة الاوروبية ببروكسيل ، و اعتُبرت الحملة رسالة واضحة للغرب ان أوكرانيا على الطريق الصحيح في محاربة الفساد الذي عطل تنميتها وأعاق تقدمها ، و انه يجب ان يكون عند حلفائها يقين ان الاموال التي سيهبونها ستُستخدم على النحو المطلوب .
و فعلا كان الهدف من حملة اجتثاث الفساد هو تعزيز عضوية اوكرانيا في الاتحاد الاوروبي ، حيث يعد تطوير سيادة القانون و الحد من الفساد امرا ضروريا للترشح لعضوية المجموعة الاوروبية .و يبدو انه لدى الاوكرانيين الارادة على مواصلة هذا المسار ، اي كسب المعركة العسكرية ضد روسيا ، من ناحية ، و كسب المعركة الداخلية بمحاربة ترهل الدولة و الفساد الذي ينخرها ، من ناحية أخرى .
شرط الوفاء
بالقانون الاوروبي
لقد بدا واضحا من لقاءات القادة الاوروبيين مع الرئيس الاوكراني و ما صدر عن بعضهم من تصريحات حول هذه الرغبة الاوكرانية الالتحاق بأكبر مؤسسات المجموعة الاوروبية ان المفوضية الاوروبية ، بوصفها وصيا على المعاهدات التي ترتبط بها الدول الاعضاء ، لن تسمح لدولةٍ ما بدخول الاتحاد بعيدا عن الوفاء بقواعد القانون الاوروبي .
الوثيقة الختامية لقمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي أكدت على هذا الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي بشأن آفاق أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي و كذلك قرار البرلمان الأوروبي ، والذي تم تبنيه في 2 فبراير الماضي ،حيث أيد أكثر من 80٪ من النواب القرار الذي تم بموجبه توجيه دعوة لبدء مفاوضات انضمام أوكرانيا. ، لكن في الوقت نفسه ، حث أعضاء البرلمان الأوروبي أوكرانيا على “إجراء إصلاحات مهمة في أقرب وقت ممكن لضمان أن البلاد تفي بمعايير عضوية الاتحاد ألأوروبي”. و وفقًا لأعضاء البرلمان الأوروبي ، فإن عضوية الاتحاد الأوروبي هي “عملية قائمة على الإنجاز وتنطوي على الامتثال للإجراءات ذات الصلة وتنفيذ الإصلاحات والمعايير المتعلقة بالاتحاد الأوروبي”. وهذه إشارة مباشرة بالنسبة للأوكرانيين بأن تسريع عملية التكامل الأوروبي ستتحدد بشكل حاسم بنسبة نجاح الإصلاحات التي ستقوم بها أوكرانيا. وهذه الإشارة تستحق الاستماع إليها كما يشير بعض المعلقين السياسيين الاوروبيين .
لذلك سيتعين على كييف ، من ناحية ، الامتثال لقواعد القانون الأوروبي ، و على رأسها ارساء دولة القانون و محاربة الفساد و بناء مؤسسات ديمقراطية ، و على بروكسيل ، من ناحية أخرى ، الاعتماد على خبرتها القانونية لإيجاد صيغ تضع اوكرانيا في النهاية على طريق الاندماج الاوروبي .
في هذا الصدد جاء المستشار الالماني اولاف شولتز بفكرة أثارت الكثير من الجدل و هي تقييد حق النقض ، لا سيما عندما يتخذ مجلس الاتحاد الاوروبي قرارات بشان الشؤون الخارجية ، و هو ما سيعطي أوكرانيا حظوظا اكبر لتحقيق رغبتها في الانضمام للاتحاد ، إلا ان بولندا ، و هي التي ترفع لواء معارضة تحقيق هذه الرغبة ،قد انتقدت بشدة هذا المقترح دون تقديم أي بديل آخر .
تجنب الصدام
المباشر مع روسيا
إلى جانب هذا البعد القانوني لشروط الانضمام لأوكرانيا ثمة تخوف اوروبي كبير ان يذهب الدعم اللامشروط لأوكرانيا حد قبولها عضوا بالاتحاد الى صدام مباشر مع روسيا .فما يريده حلفاء اوكرانيا هو أن لا تسقط كييف و تقديم دعم عسكري لإدارة الصراع داخل حدودها و ان لا يتجاوزه الى الاراضي الروسية ، لذلك كانت الموافقة على تسليم طائرات لصد الهجمات الروسية و على تقديم صواريخ لا تنتهك أمن روسيا داخل اراضيها .الجميع يتجنب اثارة غضب روسيا و تجنب استفزازها حتى لا تتسع رقعة الحرب على الاراضي الاوروبية فتندلع حرب عالمية ثالثة بسبب تفاقم شعور روسيا أن أمنها مهدد .
هذا البعد الامني لروسيا شدد عليه اكثر من زعيم أوروبي و أولهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي صرح في اعقاب زيارته للولايات المتحدة ان الصرح الامني الاوروبي في المستقبل يجب ان يضم تقديم ضمانات امنية لروسيا حين تعود الى طاولة المفاوضات ، لذلك يأمل العديد من حلفاء اوكرانيا ان تنتهي الحرب الروسية الاوكرانية بحلول دبلوماسية اكثر منها عسكرية ، و هذه الحلول السلمية ترفضها الولايات المتحدة التي تخوض حربا ضد روسيا على الأراضي الاوكرانية .
ثمة تباين و تردد إذن في ما يخص الموقف الاوروبي و الغربي عموما ، من مسالة انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي .و قد تبدو هذه المسالة جد مستعجلة للطرف الاوكراني و لكنها بالتأكيد ليست بالراهنية و لا بالاستعجال الذي يتطلبه الاستعداد لهجومات عسكرية قادمة ، و ربما أشد شراسة ، للقوات الروسية على الاراضي الاوكرانية ، و هو أمر يقلق الاوروبيين الذين بدؤوا يفكرون بجدية في التبعات المادية المباشرة و غير المباشرة لهذه الحرب ، أكثر من أية فترة مضت ، كما يقلق الاوكرانيين الذين يشعرون بتضييق الخناق عليهم من طرف موسكو مع هذا الاجتياح العسكري المنتظر فيصرخون إن أمن اوكرانيا هو من أمن أوروبا كافة !