حمدان بن محمد يلتقي أكثر من 100 من منتسبي الخدمة الوطنية والاحتياطية المتميزين في برنامج النخبة
صنّاع السياسات يلجؤون إلى العقوبات لأنها تبدو إجراء منخفض التكلفة
ما هي مخاطر إحدى أقوى أدوات ترسانة السياسة الخارجية الأمريكية؟
ثمة إجماع شبه عالمي على أن بعض الانتهاكات الصارخة للقوانين والأعراف الدولية تتطلب رداً قوياً ومنسقاً، بالنسبة إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا، أو تطوير أسلحة نووية لأغراض غير سلمية في إيران وكوريا الشمالية مثلاً، لطالما اعتبرت العقوبات الاقتصادية هي الرد الصحيح.
لكن الأسئلة الأبدية تبقى مطروحة: ماذا بعد العقوبات؟ ومتى تتوقف مفاعيل العقوبات؟ والأسوأ متى تبدأ العقوبات بالإضرار بالمصالح الأمريكية؟
هذه أسئلة مهمة أثارتها صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها، قائلة إنه على مدار العقدين الماضيين أصبحت العقوبات الاقتصادية الملجأ الأول لصناع القرارات الأمريكيين، إذ استغلوها لتعطيل شبكات الإرهاب، ومحاولة إيقاف تطوير الأسلحة النووية، وإنزال العقوبة بالمستبدين.
3 أسماء يومياً
يرتفع عدد الأسماء المدرجة على قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة بشكل مطرد، خصوصاً بسبب استخدام العقوبات البنكية ضد الأفراد.
وكانت إدارة ترامب تضيف نحو 3 أسماء يومياً إلى هذه القائمة، وهو المعدل الذي تجاوزته الولايات المتحدة العام الماضي، تزامناً مع موجة العقوبات التي أعلنها الرئيس بايدن ضد روسيا بعد هجومها على أوكرانيا.
ونظراً للاستخدام المُتزايد للعقوبات الاقتصادية، تلفت الصحيفة إلى وجوب معرفة كيفية استخدام تلك العقوبات كأداة للجهود الدبلوماسية الناجحة، وكذلك كيف يمكنها، إن لم تُستخدم على النحو اللائق، تقويض الجهود الأمريكية لإرساء السلام وحقوق الإنسان في العالم أجمع.
وتلفت الصحيفة إلى أن صُناع السياسات يلجأون إلى العقوبات لأنها تبدو إجراءً منخفض التكلفة، خاصة إذا ما قورنت بالتحركات العسكرية، ويُنسب إلى الولايات المتحدة 42% من العقوبات المفروضة عالمياً منذ عام 1950.. ورغم سهولة فرض العقوبات، من الصعب رفعها من الناحيتين السياسية والبيروقراطية، حتى لو لم تعد تخدم المصالح الأمريكية. وتنبه الصحيفة إلى أن قلة من المسؤولين يحاسبون عما إذا كانت عقوبة بعينها تحقق الهدف المرجو منها، بدل أن تضر بلا داعٍ بأبرياء أو تقوض أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
مراجعة شاملة عام 2021
وأجرت وزارة الخزانة الأمريكية مراجعة شاملة للعقوبات عام 2021 وأصدرت مراجعة شاملة من سبع صفحات في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام خلصت إلى وجوب إجراء تقييم منهجي للعقوبات للتأكد أنها الأداة الصحيحة للظروف.
وتحرز الوزارة بعض التقدم في تنفيذ توصيات المراجعة، غير أن وزارة الخزانة واحدة فحسب من كثير من الهيئات الحكومية المسؤولة عن تطبيق العقوبات، ويتعين على كل من هذه الهيئات إجراء تحليلات منتظمة قائمة على البيانات للتأكد من أن فوائد العقوبات تفوق التكاليف، وأن العقوبات هي الأداة الصحيحة، لا الأداة الأسهل للوصول إليها.. ومن المهم أيضاً أن يتم إبلاغ نتائج هذه التحليلات إلى الكونغرس والجمهور.
وقالت الصحيفة: “ما نعرفه يقيناً هو أن العقوبات هي الوسيلة الأمثل عندما تكون لها أهداف واقعية، وإذا اقترنت بوعود بتخفيفها في حال تحقُّق تلك الأهداف، ولعل المثال الأفضل القانون الصادر عام 1986 الذي استهدف سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إذ حدد القانون خمسة شروط لتخفيف العقوبات، بما في ذلك إطلاق سراح نيلسون مانديلا.
العقوبات لتغيير النظام
وفي رأي الصحيفة فإن العقوبات التي تستهدف تغيير نظام الحكم غالباً ما تؤدي إلى التحدي لا الإصلاح، ففي فنزويلا مثلاً، أدت العقوبات الواسعة للإطاحة بنيكولاس مادورو بعكس أهدافها. فالعقوبات التي فُرضت على صناعة النفط الفنزويلية، التي تمثل نحو 90% من صادرات الدولة، أدت إلى خفض جسيم في الإيرادات الحكومية وزيادة كبيرة في معدلات الفقر، وفق دراسة أجراها العام الماضي الخبير الاقتصادي الفنزويلي فرانسيسكو رودريغيز.
وحتى الجماعة المعارضة لسياسات فنزويلا في الولايات المتحدة، والتي سبق لها أن أيدت العقوبات الواسعة النطاق، دعت الرئيس بايدن مؤخراً إلى رفع العقوبات المفروضة على النفط.
وعليه، فمنذ أن تولى بايدن منصبه خطا خطوات حثيثة لتعديل العقوبات المفروضة على فنزويلا، وأضاف أهدافاً محددة يمكن تحقيقها.. ورفعت إدارته بعض العقوبات المفروضة على النفط بسبب ارتفاع أسعار النفط المفاجئ إثر هجوم روسيا على أوكرانيا.
وأكدت الافتتاحية ضرورة أن تكون إدارة الرئيس بايدن أكثر وضوحاً حيال العقوبات التي ستُرفع في فنزويلا ومتى ستُرفع، خاصة تلك المفروضة على شركة النفط المملوكة للدولة.
ويرى كثير من الخبراء أن العقوبات محفز مهم للهجرة من فنزويلا لأنها تؤزم الظروف الاقتصادية التي تدفع الناس إلى الرحيل، ولذلك دعت جماعة من واضعي القوانين الديموقراطيين الرئيس بايدن إلى رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا وكوبا.
نحو عقوبات أكثر إنسانية
وفضلاً عن وفاء بايدن بوعوده في فنزويلا، تقول الصحيفة أنه من الممكن أن تنجز إدارته الكثير، كي تُظهر أن الولايات المتحدة بصدد تغيير سياسة عقوباتها بحيث تصبح أكثر إنسانية.
وأوضحت أن أول خطوة في هذا السياق هي أن تعمل بتوصيات مراجعتها لعام 2021، وتضع التكلفة الإنسانية لأي عقوبات في اعتبارها قبل فرضها، وقد عيَّنت وزارة الخزانة الأمريكية خبيرين اقتصاديين للاضطلاع بهذه المهمة في شهر مايو (أيار) الماضي.
وذكرت الصحيفة أنه فور أن تبدأ الدولة في إجراء مراجعات منتظمة للعقوبات الحالية، من المهم أن تضمن إمكانية إبطال أي عقوبة، مشيرة إلى أنه في العام الماضي، رفع الرئيس بايدن بعض العقوبات التي فرضها سلفه ترامب.
ويحتج بيرت هاريل الذي عمل في مجلس الأمن القومي بأن العقوبات ينبغي أن تنتهي صلاحيتها تلقائياً بعد سنين محددة، ما لم يصوت الكونغرس على تمديدها.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول: “لكي تشجع العقوبات على التغيير لا إنزال العقوبة على أفعال اقترفت في الماضي وحسب، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات -حتى ضد الجهات الفاعلة البغيضة- إذا تم استيفاء المعايير المذكورة.