تحالف غير قابل للاستنساخ أوروبيا:

ماذا لو كان الخضر محقّين في التحالف مع اليمين...؟

ماذا لو كان الخضر محقّين في التحالف مع اليمين...؟

-- إن رهان الخضر النمساويين محفوف  بالمخاطــر، ولكنــه لا يخلو من رؤية
-- كثيرا ما تطرح مسألة التحالفات بين الخضـــر واليمين في أوروبـــا
-- أدرك الخضر أنه عليهم تحديد رؤية واستراتيجية مغايرة على أساس «نمسا أخرى»
-- لا يمكن للنمسا أن تكون نموذجًا يعتمد حرفيا في بلدان أخرى، حتى في ألمانيا
-- المسألة ليست مجرد «رغبة في الحكم»، وإنما استراتيجية هدفها تغيير النمسا على المدى الطويل
-- فهم الخضر أن معركة تعريف الهوية النمساوية تضعهم في مواجهة حزب الحرية أكثر من أي حزب آخر


في الآونة الأخيرة، اقترح غيوم بلتييه، الرجل الثاني في صفوف الجمهوريين، في مجلة “لوبوان” الفرنسية، “تأمّل ما حققه في النمسا، سيباستيان كورتز “المستشار الاتحادي ورئيس حزب الشعب النمساوي”، بالتحالف بين يمين قوي وخضر من ذوي النوايا الحسنة».     هذه اليد الممدودة من أحد قادة اليمين الفرنسي المُصنّف “يمينيا جدا”، فيها ما يثير الفضول والاهتمام، مع انه يخشى أن يصطدم استنساخ التحالف الأسود والأخضر النمساوي بتحليل الوقائع. ان النمسا ليست فرنسا، وللخضر النمساويين رهانات أخرى حارقة غير تلك الخاصة بالفرنسيين.

النمسا تستبدل الأزرق بالأخضر
     في سبتمبر الماضي، بعد ابيزا غيت -وهي فضيحة تورط فيها نائب المستشار اليميني المتطرف هاينز كريستيان ستراش (حزب الحرية النمساوي، “الأزرق”)، والتي تم تصويرها في خضم مفاوضات مع مليارديرة روسية مزيفة –انفرط عقد ائتلاف متتالي بين حزب الشعب النمساوي وحزب الحرية النمساوي، وأجريت انتخابات جديدة في النمسا.

   أعطت تلك الانتخابات للمسيحيين الاجتماعيين في حزب الشعب النمساوي، تقدمًا واضحًا على الاشتراكيين الديمقراطيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي، بنسبة 37 فاصل 5 بالمائة، و21 فاصل 2 بالمائة على التوالي. مع 16 فاصل 2 بالمائة، لحزب الحرية النمساوي، الذي فقد مصداقيته تمامًا، يليه الخضر الذين عادوا إلى المجلس الوطني، البرلمان النمساوي، وحققوا نسبة 14 بالمائة تقريبًا.
    لم تكن لدى حزب الحرية النمساوي الرغبة للمشاركة في السلطة مرة أخرى كشريك أقلّي، وإعادة بناء مصداقيته، بعد النهاية البائسة للائتلاف السابق، تتطلب الرهان على النسيان والتسامح بمرور الوقت. اما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقد رأى جيدًا مخاطر التحالف مع حزب الشعب وهو يملك ما يقرب من ضعف نوابه.
   لكل هذا، بقيت فرضية تحالف “أسود-أخضر”، أو بالأحرى تحالف “فيروزي-أخضر”، حيث قام كورتز بإعادة طلاء أسود المسيحيين الاجتماعيين باللون الفيروزي. وفي ختام أسابيع طويلة من المفاوضات، تم توقيع اتفاقية ائتلافية في 1 يناير 2020. ومنذئذ، لم يتوقف هذا التحالف عن إثارة حراك داخل اوساط الخضر الأوروبيين.

تأثير غريتا؟
   يمكننا أن نتساءل عن تأثير البعد التراجيدي الذي طبع طرح الرهانات المتعلقة بالمناخ الذي سبق ورافق توقيع هذا الاتفاق. بعد حرمانه من حليفه اليميني ممثلا في حزب الحرية النمساوي، وشريكه السابق الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي، ربما وجد المستشار كورتز، أنه من المربح سياسياً جلب الخضر -رغم أنه ليس الحزب الأكثر اعتدالاً ويمينية في الاتحاد الأوروبي -لائتلافه، من خلال تكليفه ببعض الحقائب الوزارية.

  ومن هذا المنظور، فإن الأمر يشبه المقايضة السياسية، وثمرة مساومة ماهرة تهدف إلى إسناد القضايا البيئية إلى الخضر، والاحتفاظ بمعظم ما يمثل أسس حزب الشعب النمساوي بزعامة كورتز.  قبل ولادة الائتلاف السابق، كان أرباب العمل النمساويون قد ثبتوا عقيدتهم: تحالفات سوداء-زرقاء (حزب الشعب -حزب الحرية) بدلاً من الأسود والأخضر، رغم ان هذه الاخيرة كانت موجودة في ثلاث مقاطعات.
   وهنا نمت داخل الخضر فكرة تسمح بالاعتقاد أن اختيارهم الأخير ليس مجرد اقتناص فرصة أو انتهازية، بل ضرورة حتمية، في ضوء التطور السياسي للمنطقة.

إعادة توجيه للحياة السياسية على المدى الطويل؟
   من الواضح أن المسائل الاجتماعية والبيئية لها أهمية حقيقية في الحياة السياسية النمساوية؛ ولكن، مثل السياسات الأخرى -الاقتصادية والأمنية والهجرة، مهمة جدًا في نظر حزب الشعب النمساوي بزعامة كورتز –فهي موضوع مفاوضات أثناء تشكيل الائتلافات في المجلس الوطني، وبالتالي شكلا من المدى القصير في مقياس التاريخ.

   بالنسبة للنمسا، هناك سؤال أساسي آخر يطرح نفسه، وهو يتعلق بفكرة النمسا عن ذاتها. وهذا ليس ترفا او سؤالاً هامشيا، لأنه يشير ضمناً إلى التأكيد على أن النمسا إما ان تكون أمة سياسية، أو ككيان يقوم على أسس عرقية، يشار إليه أحيانًا على أنه ثقافي، وجزء لا يتجزأ من “فولك” (الشعب) الألماني... سؤال أساسي، لا يتم تسويته من خلال أطروحة نظرية، وانما من خلال تصميم سياسي وطني متجسد. ومع ذلك، فقد افتقرته النمسا لأكثر من ثلاثين عامًا.
    مدركين جيدًا للتحولات العميقة في المجتمع النمساوي، فهم الخضر في وقت مبكر أن المعركة من أجل تعريف الهوية النمساوية تضعهم في مواجهة حزب الحرية النمساوي أكثر من أي حزب آخر.

    ان المطلوب هو قراءة واعادة قراءة ذاك العمل البارع الذي يحمل عنوان “وعي الأمة النمساوية” بقلم فيليكس كريسلر، لكي نفهم تمامًا ما يحدث بطريقة مختلفة اليوم في النمسا، ولكن بما يتماشى مع الأسئلة التي طرحت من عام 1918 إلى سبعينات القرن الماضي.

   بالأمس، من عام 1970 إلى عام 1983، كان اشتراكيو برونو كريسكي هم من قاموا بتحديث النمسا بشكل ملموس، وسمحوا بتأكيد نموذج اجتماعي نمساوي في تحوّل كامل، بين الكتل، التقدمية على المستوى الاجتماعي والمجتمعي. .
  منذئذ، شهدت الجمهورية الثانية مسارًا فوضويًا. ومع اندماجها تدريجياً في المجموعة الاقتصادية الأوروبية، تزعزعت الأسس السياسية للنمسا التي ولدت من معاهدة الدولة لعام 1955. وظهـــــر يورغ هايدر على خشــــبة المسرح، مســــــتغلا هـــــذه الأزمــــة الكامنة ومستخدما، عرضا، الموضـــوع البيئي (لا ســــــيما ضــــد محطـــــة طاقة نووية تشيكية) ليزحف.
   اذن، انه سباق سرعة منذ عدة سنوات بين حزب الحرية النمساوي والخضر في محاولة لتوجيه المسار الذي ستسلكه الأمة النمساوية. ولما كان التعارض بينهما اقلّ بشأن القضايا البيئية منه على الرسم الجيوسياسي لفيينا، أو مفهوم حقوق الإنسان والحريات العامة، أو فكرة الأمة السياسية وغير العرقية، سعى كل من الحزبين للاحتفاظ بالسلطة أو دخولها.

   إن “الوطنية النمساوية” التي يتقاسمها حزب الحرية النمساوي وجزء من أرباب العمل في البلاد، والتي تجذب شرائح كبيرة من الطبقة العاملة في البلاد بنموذجها الهوياتي -الشعبوي، تتمثل في اعتبار النمساويين “أفضل الألمان”، دون تردد في الإشارة إلى “خيانات” برلين، والرهان على موسيقى فولكيش. وأدرك الخضر أنه كنقطة مقابلة لهذه الرؤية للنمسا، فان عليهم مهمة تحديد رؤية واستراتيجية مغايرة على أساس “نمسا أخرى».
   من الناحية الأيديولوجية، عرف الخضر، منذ فترة طويلة، أن حزب الحرية النمساوي هو جناح يميني متطرف خالٍ من الجذور المسيحية، وتحالفه مع المسيحيين الاجتماعيين في حزب الشعب النمساوي كان أكثر هشاشة مما هو عليه في البلدان الأوروبية الأخرى. وأظهرت الاستطلاعات أيضًا تحولًا من التصويت “الأسود” إلى التصويت “الأخضر” في كل عائلة، من الأجيال الأكبر سنًا إلى الأجيال الشابة. وهذا انتقال مؤهل لأن يتسارع بفضل إقامة تحالف بين الأسود والأخضر، والذي يفترض أن يضمن للتحالف تماسكًا أكبر من أي مكان آخر في أوروبا ...

النمسا، مسار
منفصل للخضر
   كثيرا ما يتم طرح مسألة التحالفات بين الخضر واليمين في أوروبا. ونتذكر نصيحة التحالف مع برلسكوني التي صاغها دانيال كوهن بنديت. لقد كان هو نفسه ولا يزال يدعم بقوة ماكرون في فرنسا. وللأسباب المذكورة، لا يمكن للنمسا أن تكون نموذجًا يُعتمد حرفيا في البلدان الأخرى، حتى في ألمانيا.
   ان وهم الاتفاق بين الخضر واليمين مبني على تحليل سيئ أو عدم تحليل حقيقة الوضع في النمسا. ويعتقد الصحفي في ميديا بارت، روماريك غودين، أن “الخضر يدفعون ثمناً باهظاً لتحالفهم مع اليمين”. وإذا كان التحليل جذابًا للوهلة الأولى، فهو فرنسي جدا.
   ان المسالة ليست مجرد “رغبة في الحكم”، ولكنها استراتيجية، تبلورت منذ امد بعيد، تهدف إلى تغيير النمسا على المدى الطويل بتقديم تنازلات، وليّ عنق اتفاق الائتلاف، وعكس التيار الأيديولوجي الذي ساد البلاد حتى الان.
   بعد ثلاثين عامًا من السيطرة “الليبرالية” أو “الليبرالية القومية” أو “القومية الألمانية” (تيارات حزب الحرية النمساوي) على الحياة السياسية النمساوية، فان رهان الخضر النمساويين محفوف بالمخاطر، ولكنه لا يخلو من رؤية.

عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة
جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف
العديد  من البحوث منها
«الى اللقاء غرامشي» (منشورات سارف 2015).



 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot

https://news.asosiasi-emiten.or.id/
https://www.deriheru-navigation.com/
https://stai-barru.ac.id/play/scatter-hitam/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/-/buntut77/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/app/
https://inlic.org/ojs/scatter-hitam/
scatter hitam
https://www.prosiding.pasca.uniska-kediri.ac.id/tools/sv388/
jurnalprodi.idu.ac.id/public/scatterhitam-1
jurnal.insida.ac.id/tools/sv388
scatter hitam