رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
سباق قصر الإليزيه:
ماكرون، لوبان، زمور، بيكريس، هل حقًا كلهم ديغوليين...؟
-- في هذه الحملة الرئاسية، يُطالب بتراث الجنرال ديغول من اليسار إلى أقصى اليمين
-- الإجماع السياسي اليوم حول شخصيته لا علاقة له بالعصر الديغولي
-- زمورمعجب كبير بنابليون، ويأتي للجنرال من خلال البونابرتية
-- يظل الجنرال هو الأكثر شعبية بين جميع الشخصيات في التاريخ الفرنسي، بل إنه يتقدم على نابليون ولويس الرابع عشر
«من يتخيل للحظة واحدة أن يكون الجنرال ديغول متّهما؟”، طرح هذا السؤال الخطابي من قبل فرانسوا فيون في أغسطس 2016 أمام جمهور من نشطاء الجمهورية في سابليه سور سارث. كان فيون حينها يستهدف نيكولا ساركوزي، المورط في قضايا قانونية، دون توقع “بينيلوب غيت” وقضية البدلات التي اسقطته من عليائه بعد بضعة أشهر وأنهت حملته للانتخابات الرئاسية.
حجة تاريخية لها سلطتها، وربما أكثر من ذلك: استدعاء شخصية شارل ديغول، كان بالنسبة لفيون حينها ليقول إنه من اتباع المرشد الأعلى، وأعظم الفرنسيين والقادة –وربما القديس.
شخصية تبدو قيمتها (الأخلاقية؟ السياسية؟) اليوم ليست محلّ جدال، ومرجع يسارع الجميع لاختطافها، من إريك زمور الذي ذهب إلى حدّ تنظيم 18 يونيو جديد للترشح للانتخابات الرئاسية، إلى إيمانويل ماكرون وأسلوبه “جوبيتيري”، ابهار، وتقديم الرئيس كما تريده مؤسسات الجمهورية الخامسة. “ لست رجلًا لاحد”، أعلن الجنرال في عصره. ومع ذلك، يتكرر عرض الأنتيفون في منافسة.
من جهتها، ترى فاليري بيكريس بدورها أنه من المناسب أن تذكّر امام الليبرالي نيكولا بوزو: “أنــا أولاً ديغولية، ديغولية اجتماعية تحب الحرية”.
وحتى قبل عودتها إلى حضن الجمهوريين، أكدت في أغسطس 2020، خلال اجتماع لحركتها لنكن أحرارًا، رفضها “السطو الانتهازي على الارث” بخصوص الديغولية.
وبينما، في 9 نوفمبر الماضي، تتوافد شخصيات اليمين والوسط وحتى اليسار على قبر ديغول، في كولومبي-لي-دو-إغليس، يحق للفرنسيين أن يسألوا أنفسهم ما إذا أصبح كل السياسيين ديغوليين. ولكن هل يجب أن يكونوا ديغوليين وإلى أي مدى؟ وهل هناك أسباب لعدم القيام بذلك؟
بالتأكيد، “فرنسا أمة سياسية، لها جذور تاريخية قوية، يرى المؤرخ جان بول بليد، الأستاذ المميّز في جامعة السوربون، وعضو المجلس العلمي لمؤسسة ديغول، ومدير كتاب “ديغول رجل القرن” (سيرف، 2020)؛ ويظل الجنرال هو الأكثر شعبية بين جميع الشخصيات في تاريخنا، بل إنه يتقدم على نابليون ولويس الرابع عشر «.
اما بالنسبة لغاسبار كونيغ، الفيلسوف، مؤسس حركة بسيط، هي قبل كل شيء مسألة أجيال: “في فرنسا، تتوافق رئاسة ديغول مع بلوغ كثير من الناس سنّ 20 عامًا”.
رمز فرنسا التي كانت قادرة على التعافي من هزيمة عام 1940 وانتهت منتصرة عام 1945 بعدما تم سحقها، يرتبط اسم الجنرال ديغول بشكل مباشر أيضًا بفترة الثلاثينات المجيدة.
لذلك، فإن النطق بهذا اللقب يتيح امكانية ادعاء الانتماء، بتكلفة زهيدة، للعصر الذهبي لفرنسا المعاصرة، أي عصر الجمهوريـــة الخامسة في بدايتها.
“إن عمل الجنرال في مجال الاستقلال الوطني له صدى أيضًا، يضيف بليد، فرنسا الديغولية هي أمة لا تزال مهمّة في العالم».
ذاكرة قصيرة
لكن يبدو أن ذاكرة الفرنسيين قصيرة. “الإجماع السياسي اليوم حول شخصيته لا علاقة له بالعصر الديغولي”، يوضح سيرج بيرنشتاين، الأستاذ المميّز للتاريخ المعاصر في معهد باريس للدراسات السياسية، ومؤلف كتاب التاريخ الديغولي (منشورات بيرين 2001). ويذكر هذا المتخصص في الجمهورية الثالثة، أن النموذج الديغولي للحكم لم يفرض نفسه بسهولة.
“بين 1958 و1969، كانت المعارضة شديدة، باسم الفكرة ذاتها التي لدينا عن الجمهورية. وباستثناء فيشي، فإن النموذج الذي أسسته الجمهورية الثالثة عند الإطاحة بنظام ماك ماهون هو المرجع لكامل الجزء الأول من القرن.
كان البرلمان هو الذي يحتكر الصلاحيات، وظهور شخصية قويــــــة التي يُشــــكّ في أنهـــــا مستعدة لإساءة استخدام صلاحياتها على حساب المواطنين، لم يكن نذير خير، الى درجة الحديث عن نظام ملكي جمهوري”، يضيف غاسبارد كونيغ.
وعند قراءة مذكرات ديغول، أصبح واضحًا له الخوف العميق الذي يغذيه هذا الأخير تجاه جهاز تنفيذي “ضعيف”، تحت تهديد دائم لمناهضة برلمانية. “يبدو أن هدفه هو استعادة سلطة قوية، يجسدها شخص واحد، قادر على اتخاذ قرارات عنيفة.»
ولئن تعهدت آن هيدالغو، عمدة باريس والمرشحة للانتخابات الرئاسية عن الحزب الاشتراكي، بالولاء للجنرال بذهابها إلى كولومبي ليه دو إغليس في الذكرى 51 لوفاته، فإن فرانسوا ميتران، مؤسس اليسار الحديث، لم يجد من الكلمات القاسية ما يكفي لمعارضة النظام الديغولي. “الانقلاب الدائم”، الذي نُشر عام 1964، النموذج الأصلي للخطاب المناهض للديغولية، جاء للدفاع عن فكرة معينة عن فرنسا.
ان “الجنرال ديغول يعاني من الحكم عنوة، يكتب ميتران، على حساب الشرعية السارية”. وإذا لم تكن محلّ نزاع، فإن شرعية المنقذ محلّ تنديد ميتران عندما تؤدي إلى انحراف سلطوي: “توجد في بلادنا ديمومة قوية للبونابرتية حيث تلتقي العظمة الوطنية والتقاليد الملكية والشغف بالوحدة الوطنية، وتقليد اليعاقبة.
لم تجد ديغولية عام 1958 صعوبة في الجمع بين العناصر المتفرقة، في إعادة بناء توليفة سعى إليها هواة السلطة الفردية”. فكرة لم يعد ينزعج منها المدافعون عن الديمقراطية الفرنسية في الوقت الحاضر.
زمور، بيتان وديغول معا
ومع ذلك، أليس الى ديغول هذا يدعي إريك زمور الانتساب؟ “زمور معجب كبير بنابليون، ويأتي للجنرال من خلال البونابرتية، يرى جان بول بليد. لكن عندما تصبح مدافعًا عن الجنرال بيتان، فأنت على النقيض”.
اما بالنسبة إلى غاسبار كونيغ، على العكس من ذلك، فإن تقارب ديغول -بيتان واضح: “هناك مقطع من مذكرات الجنرال حيث يوضح أن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لفيشي كانت مثيرة للاهتمام. وتجدر الإشارة الى أنه عام 1945، عملت الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية على إطالة أمد هياكل الدولة الفرنسية كما أنشأتها فيشي، ولا سيما الجماعات.
لا يشترك ديغول وبيتان في نفس الخيارات العسكرية، لكنهما متحدان في نفس الرؤية للمجتمع: أبوية وسلطوية. “رؤية تحقق اليوم إجماعًا في الطبقة السياسية، بالنسبة للفيلسوف الليبرالي، الذي لا يتردد في التشكيك في نموذج الجمهورية الخامسة، مشيرا عندئذ الى عدم الثقة الكبير في السلطة التنفيذية في عصر الجمهورية الثالثة: كانت الديمقراطيات تعمل على أساس برلماني قبل بسط النظام الرئاسي في العالم، بعد إنهاء الاستعمار”. وفي مواجهة الملك، لم تعد المعارضة في فرنسا قادرة على الوجود إلا في الشوارع والمنابر الصحفية. ويضيف: “ديغول، على المستوى الاقتصادي، التخطيط؛ وعلى المستوى المؤسسي، الرئاسية؛ وعلى المستوى المجتمعي، النزعة المحافظة”. انها توجهات التجمع الوطني؟
تحب مارين لوبان أن تصدّق ذلك. “المناورة سياسية، خاصة ان الحمض النووي للجبهة الوطنية ثم التجمّع الوطني مناهض للديغولية”، يؤكد جان بول بليد. لقد ازدهرت الحركة التي أسسها جان ماري لوبان على رفض شخصية الرجل العظيم حول البيتينيين ثم أنصار الجزائر الفرنسية.
وبهذا المعنى، يبدو وصول مارين لوبان إلى بايو في 9 نوفمبر 2021 بالنسبة للأصوليين مجرد عملية اتصالية أصيلة: لوبان التي تنوي “السير على خطى” الجنرال هو التوظيف في أرقي أشكاله.
عندما عاد ديغول إلى فرنسا في أعقاب التحرير، وجد نفسه في بايـــــو وألقى خطابــــه الأول هناك.
هذا المكان الرمز للأسطورة الديغولية هو أيضًا مكان “خطاب بايو” الثاني، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1946، والذي كشف فيه عن مبادئ الحاجة إلى إصلاح الدولة، وأعلن دستور سبتمبر 1958. دستور انتهى، حتى، بنيل استحسان من، في “الانقلاب الدائم” لا يزال يسخر من التظاهر الديغولي “اللعب بإتقان كوميديا رئيس مجلس همّه الوحيد تزويد بلاده بمؤسسات ديمقراطية حديثة”. لأن فرانسوا ميتران تمكن أيضًا من أن يصبح ديغوليًا: لم ينكر في أي وقت هذا الدستور الذي كان يكرهه بشدة “لأسباب واضحة، يلاحظ جان بول بليد: لقد وجد راحته في ملابس الجمهورية الخامسة!” ، ليذكرنا بالكلمة الطيبة لهوبير فيدرين الذي صاغ مفهوم “الديغولية-الميترانية”، مستحضرًا بهذا تقارب مواقف ديغول وميتران، وهو يمسك بأعلى سلطة، بخصوص السياسة العربية لفرنسا.
ماكرون، الديغولي
“في نفس الوقت»
إيمانويل ماكرون لم يفلت من تنبؤات مالرو أيضًا، الذي رغب في أن يصبح الجميع ديغوليًا يومًا ما، حتى في العتاب الذي وجّه إليه. بالنسبة لخصومه -وبعضهم يدعي أنه ديغوليّ ... -فهو شخصية سلطوية، يعرف كيف يسيء استخدام سلطته. لكن بالنسبة إلى جان بول بليد، فإن ماكرون هو أيضًا ديغولي الإيجابية، فـ “في نفس الوقت” تستحضر الروح الموحدة للجنرال الذي، مع المجلس الوطني للمقاومة، لم يتردد في توحيد اليمين واليسار. ومع ذلك، عندما يتحدث ماكرون عن “السيادة الأوروبية”، فإنه ينعش الديغوليين التاريخيين.
“ومع ذلك، يعترض بليد، طوّر ديغول في مناسبات عديدة موضوع” أوروبا الأوروبية “، أي المستقلة عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي”. وهذا يكفي لترك السياديين من جميع المعتقدات يفكرون ويتساءلون.
وتتمثل ميزة ماكرون في معرفة كيف يكون أيضًا مناهضًا للديغولية عند الضرورة: في سبتمبر 2021، طلب رسميًا الصفح من الحركيين، الذين تخلى عنهم بذريعة “مصلحة الدولة” ديغول ، والذي كان حينها يصعب الانتساب اليه، كما تذكرنا الصفحات الأكثر إثارة للمشاعر في السيرة الذاتية السياسية لفرانز أوليفييه جيزبرت، “الوثبة، تاريخ حميم للجمهورية الخامسة”، والذي وضع في الاعتبار هذه الحلقة الدراماتيكية من الحرب الجزائرية بالتفصيل.
“بعد بيتان، ديغول... متى سينتهي الكابوس؟”، تساءل والدا جيزبرت بجدية عام 1958. لم يكونا الوحيدين، لكن السردية الوطنية التي صاغتها وسائل الإعلام تتستّر على ذلك الان.
* كاتبة وروائية وصحفية نشرت في الآونة الأخيرة كتاب “باريس سو لا تير”-باريس تحت الأرض-”منشورات دو روشيه».
-- الإجماع السياسي اليوم حول شخصيته لا علاقة له بالعصر الديغولي
-- زمورمعجب كبير بنابليون، ويأتي للجنرال من خلال البونابرتية
-- يظل الجنرال هو الأكثر شعبية بين جميع الشخصيات في التاريخ الفرنسي، بل إنه يتقدم على نابليون ولويس الرابع عشر
«من يتخيل للحظة واحدة أن يكون الجنرال ديغول متّهما؟”، طرح هذا السؤال الخطابي من قبل فرانسوا فيون في أغسطس 2016 أمام جمهور من نشطاء الجمهورية في سابليه سور سارث. كان فيون حينها يستهدف نيكولا ساركوزي، المورط في قضايا قانونية، دون توقع “بينيلوب غيت” وقضية البدلات التي اسقطته من عليائه بعد بضعة أشهر وأنهت حملته للانتخابات الرئاسية.
حجة تاريخية لها سلطتها، وربما أكثر من ذلك: استدعاء شخصية شارل ديغول، كان بالنسبة لفيون حينها ليقول إنه من اتباع المرشد الأعلى، وأعظم الفرنسيين والقادة –وربما القديس.
شخصية تبدو قيمتها (الأخلاقية؟ السياسية؟) اليوم ليست محلّ جدال، ومرجع يسارع الجميع لاختطافها، من إريك زمور الذي ذهب إلى حدّ تنظيم 18 يونيو جديد للترشح للانتخابات الرئاسية، إلى إيمانويل ماكرون وأسلوبه “جوبيتيري”، ابهار، وتقديم الرئيس كما تريده مؤسسات الجمهورية الخامسة. “ لست رجلًا لاحد”، أعلن الجنرال في عصره. ومع ذلك، يتكرر عرض الأنتيفون في منافسة.
من جهتها، ترى فاليري بيكريس بدورها أنه من المناسب أن تذكّر امام الليبرالي نيكولا بوزو: “أنــا أولاً ديغولية، ديغولية اجتماعية تحب الحرية”.
وحتى قبل عودتها إلى حضن الجمهوريين، أكدت في أغسطس 2020، خلال اجتماع لحركتها لنكن أحرارًا، رفضها “السطو الانتهازي على الارث” بخصوص الديغولية.
وبينما، في 9 نوفمبر الماضي، تتوافد شخصيات اليمين والوسط وحتى اليسار على قبر ديغول، في كولومبي-لي-دو-إغليس، يحق للفرنسيين أن يسألوا أنفسهم ما إذا أصبح كل السياسيين ديغوليين. ولكن هل يجب أن يكونوا ديغوليين وإلى أي مدى؟ وهل هناك أسباب لعدم القيام بذلك؟
بالتأكيد، “فرنسا أمة سياسية، لها جذور تاريخية قوية، يرى المؤرخ جان بول بليد، الأستاذ المميّز في جامعة السوربون، وعضو المجلس العلمي لمؤسسة ديغول، ومدير كتاب “ديغول رجل القرن” (سيرف، 2020)؛ ويظل الجنرال هو الأكثر شعبية بين جميع الشخصيات في تاريخنا، بل إنه يتقدم على نابليون ولويس الرابع عشر «.
اما بالنسبة لغاسبار كونيغ، الفيلسوف، مؤسس حركة بسيط، هي قبل كل شيء مسألة أجيال: “في فرنسا، تتوافق رئاسة ديغول مع بلوغ كثير من الناس سنّ 20 عامًا”.
رمز فرنسا التي كانت قادرة على التعافي من هزيمة عام 1940 وانتهت منتصرة عام 1945 بعدما تم سحقها، يرتبط اسم الجنرال ديغول بشكل مباشر أيضًا بفترة الثلاثينات المجيدة.
لذلك، فإن النطق بهذا اللقب يتيح امكانية ادعاء الانتماء، بتكلفة زهيدة، للعصر الذهبي لفرنسا المعاصرة، أي عصر الجمهوريـــة الخامسة في بدايتها.
“إن عمل الجنرال في مجال الاستقلال الوطني له صدى أيضًا، يضيف بليد، فرنسا الديغولية هي أمة لا تزال مهمّة في العالم».
ذاكرة قصيرة
لكن يبدو أن ذاكرة الفرنسيين قصيرة. “الإجماع السياسي اليوم حول شخصيته لا علاقة له بالعصر الديغولي”، يوضح سيرج بيرنشتاين، الأستاذ المميّز للتاريخ المعاصر في معهد باريس للدراسات السياسية، ومؤلف كتاب التاريخ الديغولي (منشورات بيرين 2001). ويذكر هذا المتخصص في الجمهورية الثالثة، أن النموذج الديغولي للحكم لم يفرض نفسه بسهولة.
“بين 1958 و1969، كانت المعارضة شديدة، باسم الفكرة ذاتها التي لدينا عن الجمهورية. وباستثناء فيشي، فإن النموذج الذي أسسته الجمهورية الثالثة عند الإطاحة بنظام ماك ماهون هو المرجع لكامل الجزء الأول من القرن.
كان البرلمان هو الذي يحتكر الصلاحيات، وظهور شخصية قويــــــة التي يُشــــكّ في أنهـــــا مستعدة لإساءة استخدام صلاحياتها على حساب المواطنين، لم يكن نذير خير، الى درجة الحديث عن نظام ملكي جمهوري”، يضيف غاسبارد كونيغ.
وعند قراءة مذكرات ديغول، أصبح واضحًا له الخوف العميق الذي يغذيه هذا الأخير تجاه جهاز تنفيذي “ضعيف”، تحت تهديد دائم لمناهضة برلمانية. “يبدو أن هدفه هو استعادة سلطة قوية، يجسدها شخص واحد، قادر على اتخاذ قرارات عنيفة.»
ولئن تعهدت آن هيدالغو، عمدة باريس والمرشحة للانتخابات الرئاسية عن الحزب الاشتراكي، بالولاء للجنرال بذهابها إلى كولومبي ليه دو إغليس في الذكرى 51 لوفاته، فإن فرانسوا ميتران، مؤسس اليسار الحديث، لم يجد من الكلمات القاسية ما يكفي لمعارضة النظام الديغولي. “الانقلاب الدائم”، الذي نُشر عام 1964، النموذج الأصلي للخطاب المناهض للديغولية، جاء للدفاع عن فكرة معينة عن فرنسا.
ان “الجنرال ديغول يعاني من الحكم عنوة، يكتب ميتران، على حساب الشرعية السارية”. وإذا لم تكن محلّ نزاع، فإن شرعية المنقذ محلّ تنديد ميتران عندما تؤدي إلى انحراف سلطوي: “توجد في بلادنا ديمومة قوية للبونابرتية حيث تلتقي العظمة الوطنية والتقاليد الملكية والشغف بالوحدة الوطنية، وتقليد اليعاقبة.
لم تجد ديغولية عام 1958 صعوبة في الجمع بين العناصر المتفرقة، في إعادة بناء توليفة سعى إليها هواة السلطة الفردية”. فكرة لم يعد ينزعج منها المدافعون عن الديمقراطية الفرنسية في الوقت الحاضر.
زمور، بيتان وديغول معا
ومع ذلك، أليس الى ديغول هذا يدعي إريك زمور الانتساب؟ “زمور معجب كبير بنابليون، ويأتي للجنرال من خلال البونابرتية، يرى جان بول بليد. لكن عندما تصبح مدافعًا عن الجنرال بيتان، فأنت على النقيض”.
اما بالنسبة إلى غاسبار كونيغ، على العكس من ذلك، فإن تقارب ديغول -بيتان واضح: “هناك مقطع من مذكرات الجنرال حيث يوضح أن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لفيشي كانت مثيرة للاهتمام. وتجدر الإشارة الى أنه عام 1945، عملت الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية على إطالة أمد هياكل الدولة الفرنسية كما أنشأتها فيشي، ولا سيما الجماعات.
لا يشترك ديغول وبيتان في نفس الخيارات العسكرية، لكنهما متحدان في نفس الرؤية للمجتمع: أبوية وسلطوية. “رؤية تحقق اليوم إجماعًا في الطبقة السياسية، بالنسبة للفيلسوف الليبرالي، الذي لا يتردد في التشكيك في نموذج الجمهورية الخامسة، مشيرا عندئذ الى عدم الثقة الكبير في السلطة التنفيذية في عصر الجمهورية الثالثة: كانت الديمقراطيات تعمل على أساس برلماني قبل بسط النظام الرئاسي في العالم، بعد إنهاء الاستعمار”. وفي مواجهة الملك، لم تعد المعارضة في فرنسا قادرة على الوجود إلا في الشوارع والمنابر الصحفية. ويضيف: “ديغول، على المستوى الاقتصادي، التخطيط؛ وعلى المستوى المؤسسي، الرئاسية؛ وعلى المستوى المجتمعي، النزعة المحافظة”. انها توجهات التجمع الوطني؟
تحب مارين لوبان أن تصدّق ذلك. “المناورة سياسية، خاصة ان الحمض النووي للجبهة الوطنية ثم التجمّع الوطني مناهض للديغولية”، يؤكد جان بول بليد. لقد ازدهرت الحركة التي أسسها جان ماري لوبان على رفض شخصية الرجل العظيم حول البيتينيين ثم أنصار الجزائر الفرنسية.
وبهذا المعنى، يبدو وصول مارين لوبان إلى بايو في 9 نوفمبر 2021 بالنسبة للأصوليين مجرد عملية اتصالية أصيلة: لوبان التي تنوي “السير على خطى” الجنرال هو التوظيف في أرقي أشكاله.
عندما عاد ديغول إلى فرنسا في أعقاب التحرير، وجد نفسه في بايـــــو وألقى خطابــــه الأول هناك.
هذا المكان الرمز للأسطورة الديغولية هو أيضًا مكان “خطاب بايو” الثاني، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1946، والذي كشف فيه عن مبادئ الحاجة إلى إصلاح الدولة، وأعلن دستور سبتمبر 1958. دستور انتهى، حتى، بنيل استحسان من، في “الانقلاب الدائم” لا يزال يسخر من التظاهر الديغولي “اللعب بإتقان كوميديا رئيس مجلس همّه الوحيد تزويد بلاده بمؤسسات ديمقراطية حديثة”. لأن فرانسوا ميتران تمكن أيضًا من أن يصبح ديغوليًا: لم ينكر في أي وقت هذا الدستور الذي كان يكرهه بشدة “لأسباب واضحة، يلاحظ جان بول بليد: لقد وجد راحته في ملابس الجمهورية الخامسة!” ، ليذكرنا بالكلمة الطيبة لهوبير فيدرين الذي صاغ مفهوم “الديغولية-الميترانية”، مستحضرًا بهذا تقارب مواقف ديغول وميتران، وهو يمسك بأعلى سلطة، بخصوص السياسة العربية لفرنسا.
ماكرون، الديغولي
“في نفس الوقت»
إيمانويل ماكرون لم يفلت من تنبؤات مالرو أيضًا، الذي رغب في أن يصبح الجميع ديغوليًا يومًا ما، حتى في العتاب الذي وجّه إليه. بالنسبة لخصومه -وبعضهم يدعي أنه ديغوليّ ... -فهو شخصية سلطوية، يعرف كيف يسيء استخدام سلطته. لكن بالنسبة إلى جان بول بليد، فإن ماكرون هو أيضًا ديغولي الإيجابية، فـ “في نفس الوقت” تستحضر الروح الموحدة للجنرال الذي، مع المجلس الوطني للمقاومة، لم يتردد في توحيد اليمين واليسار. ومع ذلك، عندما يتحدث ماكرون عن “السيادة الأوروبية”، فإنه ينعش الديغوليين التاريخيين.
“ومع ذلك، يعترض بليد، طوّر ديغول في مناسبات عديدة موضوع” أوروبا الأوروبية “، أي المستقلة عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي”. وهذا يكفي لترك السياديين من جميع المعتقدات يفكرون ويتساءلون.
وتتمثل ميزة ماكرون في معرفة كيف يكون أيضًا مناهضًا للديغولية عند الضرورة: في سبتمبر 2021، طلب رسميًا الصفح من الحركيين، الذين تخلى عنهم بذريعة “مصلحة الدولة” ديغول ، والذي كان حينها يصعب الانتساب اليه، كما تذكرنا الصفحات الأكثر إثارة للمشاعر في السيرة الذاتية السياسية لفرانز أوليفييه جيزبرت، “الوثبة، تاريخ حميم للجمهورية الخامسة”، والذي وضع في الاعتبار هذه الحلقة الدراماتيكية من الحرب الجزائرية بالتفصيل.
“بعد بيتان، ديغول... متى سينتهي الكابوس؟”، تساءل والدا جيزبرت بجدية عام 1958. لم يكونا الوحيدين، لكن السردية الوطنية التي صاغتها وسائل الإعلام تتستّر على ذلك الان.
* كاتبة وروائية وصحفية نشرت في الآونة الأخيرة كتاب “باريس سو لا تير”-باريس تحت الأرض-”منشورات دو روشيه».