ديغول حلم بأوروبا تمتد من الأطلسي إلى جبال الأورال
متغيرات سياسية ستجبر أوكرانيا على قبول حل وسط
مع تراجع الدعم للحرب ضد روسيا في الولايات المتحدة، قد يؤْذن الهجوم المضاد بمرحلة جديدة في الصراع المستمر منذ أكثر من سنة.
ورأى الكاتب الصحفي ويليام غالستون في مقال بـ “وول ستريت جورنال” أن لكل الحروب أبعاداً سياسية، والحرب في أوكرانيا أكثر من غيرها في هذا الشأن، ولأنه قائد التحالف الدولي الذي يدعم كييف، على الرئيس بايدن المحافظة على الدعم المحلي لمساهمتنا المالية الهائلة لأوكرانيا مع المحافظة في الوقت نفسه على وحدة هذا التحالف».
نجاح بايدن
وتشير الوقائع إلى أن بايدن ينجح في هذه المهمة أفضل من الأولى، رغم خلافات متكررة مع الحلفاء على أنواع الأسلحة التي يجب أن تحصل عليها أوكرانيا ووتيرة تسليمها. وقد أشار الرئيس بايدن بوضوح إلى أنه يريد أن يفعل كل ما في وسعه لمساعدة أوكرانيا دون إشعال فتيل حرب أوسع. ولأن الخط الفاصل بين أقصى الممكن والتجاوز الخطير غير واضح، يتابع الكاتب “نجد أن بايدن سار في بعض الأحيان بشكل أكثر هدوءاً مما كانت تفضّله بلدان أخرى، خاصة دول أوروبا الشرقية. لكنه مضى قُدماً بما يكفي لوضع حد لاستياء التحالف، مع مساعدته في الوقت نفسه أوكرانيا بقدرات هجومية قوية، ودفاعات جوية فعالة بشكل مدهش».
ماذا سيأتي بعد؟
وبعد شن أوكرانيا هجومها المضاد الذي طال انتظاره، انتقل السؤال “ما الذي سيأتي بعده” إلى قلب المناقشات الدائرة داخل التحالف. ورسمياً، يلتزم الحلفاء بمساعدة أوكرانيا “مهما استغرق الأمر”. ولكن السؤال الأساسي هو، مهما استغرق الأمر لفعل ماذا؟
وعند الرئيس فولوديمير زيلينسكي، تبدو الإجابة واضحة، مهما استغرق الأمر لإخراج القوات الروسية من أراضي أوكرانيا المعترف بها دولياً. وأما عند التحالف، فأظن أن الإجابة مختلفة، أي مهما استغرق الأمر حتى تستعيد القوات الأوكرانية أكبر قدر ممكن من الأراضي، على أن تحدد محصلة الهجوم المضاد الحالي، المحيط المحتمل لهذا القدر الممكن.
سنة حاسمة للحرب
ببساطة، يقول الكاتب، أعتقد أن 2023 ستكون السنة الحاسمة بالنسبة للحرب، وأنه بحلول نهاية السنة، سيصبح دعم التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل المفاوضات أقوى من أن يقاوَم، حتى لو شكك بعض الحلفاء في أوروبا الشرقية في حكمة هذا المسار. وقد يصعب تصديق أن الائتلاف مستعد للمحافظة على مستواه الحالي من الجهود في حرب خنادق، يستمر قدر ما استمرت الحرب العالمية الأولى.
سيكون هذا الواقع الصعب بمثابة حبة دواء مُر، على حد وصف الكاتب، لمعظم الأوكرانيين، الذين يلتزمون، ولأسباب مفهومة، بتحرير كل شبر من أراضيهم. فقد شجع زيلينسكي شعبه على الإيمان بأن هذا الهدف ليس صحيحاً فحسب، بل ممكنا أيضاً. ولا يستطيع إقناعهم بقبول ما هو أقل، ما لم تحصل بلاده على ضمانات أمنية مؤقتة ملزمة، بالإضافة إلى مسار موثوق لتسريع ضمها إلى حلف شمال الأطلسي، ناتو.
حزمة أمنية
والنبأ السار، في رأي الكاتب، هو أن ناتو يقترب من الاتفاق على مثل هذه الحزمة الأمنية فيما يستعد لاجتماعه السنوي في الشهر المقبل. ومع أن الإشارات الأ خيرة كانت متفاوتة أيضاً، إلا أن الرئيس بايدن قد يكون منفتحاً على الاقتراح الذي روج له الأمين العام لحلف لناتو ينس ستولتنبرغ، أي إمكانية انضمام أوكرانيا إلى ناتو بعد الحرب دون مرور بالخطوات التحضيرية الطويلة والمفصلة التي تُطلب نمطياً من المتقدمين للعضوية. وتبدي فرنسا، وألمانيا والكثير من بلدان أوروبا الشرقية أيضاً انفتاحها على هذه الخطة.
وفي هذا الإطار، يشدد الكاتب على ضرورة إنجاز الضمانات الأمنية التي ستحتاج إليها أوكرانيا قبل انضمامها إلى حلف الناتو. لكن لماذا توافق أوكرانيا على ترتيبات ستعني على الأرجح خسارتها الدائمة لجزء كبير من أراضيها المعترف بها دولياً؟ الإجابة هي الشأن السياسي الداخلي الأمريكي. ففي البداية، كان الدعم لأوكرانيا في الولايات المتحدة قوياً من الحزبين. لكن الحال لم يعد كذلك. ففيما يواصل الديمقراطيون دعم المستويات الحالية من المساعدة، سجلت نسبة الجمهوريين الذين يعتقدون أن الأمريكيين يفعلون أكثر مما يجب ارتفاعاً مطرداً، من 9%، في مارس (آذار) 2022 إلى 44% اليوم، وفق مركز بيو للأبحاث. وفي الآونة الأخيرة، رفض رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي خطة يدعمها زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل، كانت ستقدم معونات تكميلية لأوكرانيا خارج الاعتمادات الاعتيادية، والتي يفرض عليها اتفاق سقف الدين حدوداً معينة للإنفاق الدفاعي، وغير الدفاعي معاً. وقد تُقطع المساعدة لكييف في وقت قريب، ربما بحلول نهاية سبتمبر (أيلول).
عودة ترامب
وشدد الكاتب على ضرورة أن يضع الرئيس زيلينسكي أيضاً في اعتباره احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ليس صديقاً لأوكرانيا، إلى المكتب البيضوي بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وهو الذي وعد ترامب بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة بعد توليه منصبه. ومع أخذ المبالغة في الحسبان، هناك كافة الأسباب التي تدعو إلى اعتقاد أنه سيعكس السياسة الحالية بسرعة، مُضْعفاً بذلك قدرة أوكرانيا على مقاومة العدوان الروسي.
وما لم يكن الرئيس زيلينسكي مستعداً لرهن مستقبل بلاده بأهواء الناخبين الأمريكيين، عليه أن يفكر بجدية في الحصول على أفضل صفقة ممكنة من حلفائه، بينما لا يزال الدعم قوياً.
واختتم الكاتب بالقول: “كان شارل ديغول يحلم ذات يوم بأوروبا تمتد من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال، وللحظة عابرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدا الحلم ممكناً. أما الآن فمن الواضح أن حدود أوروبا يجب أن تنتهي عند حدود أوكرانيا مع روسيا. وليسود السلام ربوع العالم، على الغرب إرساء هذه الحدود والدفاع عنها ضد أي عدوان في المستقبل من أمة لن تكون أوروبية أبداً».