في توصيف الغزوة:
متمردو الكابيتول، فوضى قومية شعبوية...؟
-- هذا الرفض الكبير للأفراد والمؤسسات السياسية، غالبًا ما يجد مصدر شرعيته في الممارسات السياسية نفسها
-- ما حدث انحراف نحو الشعبوية القومية ذات الاتجاه الفاشي
-- الأنظمة تنهار قبل كل شيء بشكل غير محسوس تقريبًا
-- برتراند بديع: الاجتماعي حلّ محلّ السياسي، ومحور هذه التعبئة هو الاحتجاج ضد العولمة
-- يقاس حجم الحدث أحيانًا باستحالة تصنيفه وتحديده وحصره بكلمات ومفاهيم التحليل الأكاديمي
يقاس حجم الحدث أحيانًا باستحالة تصنيفه وتحديده وحصره بكلمات ومفاهيم التحليل الأكاديمي. أما بالنسبة للاستيلاء غير المحتمل على مبنى الكابيتول يوم الأربعاء، فمن غير المناسب القول إن الآراء التاريخية والقانونية والسياسية تتباين، وأحيانًا تكون وجهاً لوجه. كيف توصف غزوة المتظاهرين المؤيدين لترامب في قلب المؤسسات الأمريكية، والتي تثير سهولة اختراقها أيضًا ألف سؤال. هل كانت فتنة، محاولة انقلاب، ثورة اجتماعية، انتفاضة شعبوية، هجوم لأنصار المؤامرة واتباع نظريات تفوق البيض؟ كل هذا في نفس الوقت؟ في الوقت الحالي، لم يتم تقرير أي شيء حقًا، ولم تفرض أي شبكة قراءة نفسها... المتوفر، في حد ذاته، بداية لمعلومات.
من أوائل المفاهيم التي سادت هي الشعبوية، والتي كانت الرئاسة الترامبية، دون شك، واحدة من أكثر أشكالها نجاحًا راديكاليا. يقول البعض “شعبوية قومية”، لأن مطالب جزء كبير من المتظاهرين في الكابيتول هيل، تأخذ لونًا مناهضًا للنظام، وعرقيا، وحتى نازيا جديدا بشكل علني بالنسبة لبعضهم.
رؤية يؤيدها المؤرخ باب ندياي في صحيفة ليبراسيون، الذي طرح فكرة “الانحراف نحو الشعبوية القومية ذات الاتجاه الفاشي”. لكنها مقاربة يعارضها أستاذ العلوم السياسية جان إيف برانشير جزئيًا في منشور على فيسبوك: “دعونا نتوقف عن الحديث عن ‘الشعبوية’ بالنسبة لحركات تتمتع بكل سمات الفاشية (حتى في أشكال غير متوقعة ‘ما بعد الحداثة’) والتي لا علاقة لها بما سمّي تاريخيًا بالشعبوية».
بالنسبة للأستاذ في جامعة ليبر دي بروكسيل، فإن هذا يرقى إلى إضفاء الشرعية على الاحتجاج من خلال تقديمه على أنه “شعبي”. ويذكر الباحث بان “الشعبوية حركة دعت إلى ضريبة تصاعدية، وتأميم النقل، وترسيخ دولة القانون”... إنها ليست الأب أوبو مدعومًا من اشخاص يعيشون في عالم كيو انون الموازي».
«احتجاج ضد العولمة»
ما هي أسباب هذه الهدية الترمبية الأخيرة؟ إذا كان التعبير عن الهوية يبدو أساسياً في دوافع المتظاهرين، فهل يجب أن نكتشف البعد الاجتماعي؟ هل ينبغي أن نلوم الأزمة الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي المتزايد في القوة العالمية المنهارة، التي هزها فيروس كوفيد، والتي تغذي الشعور بالتهميش والاهمال، وعاء القومية الأكثر تطرفاً؟
إن “الاجتماعي حلّ محلّ السياسي، يقول أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في العلاقات الدولية برتراند بديع، على موجات إذاعة فرانس انتر، ان محور هذه التعبئة هو الاحتجاج ضد العولمة”.
وبالتالي، فإن المتمردين المؤيدين لترامب ويرفعون أعلام الولايات الكونفدرالية، يتقاسمون جميعًا فكرة مشتركة تتمثل في الانحدار الاجتماعي والإقصاء امام طبقات مرفّهة وأكثر ثراءً، وأكثر تعليماً، وحضرية أكثر، وحركية أكثر، والأكثر انتخابا للديمقراطيين... ولا شك أن النقاش سيظل مفتوحًا.
تمامًا عند المقارنة مع السترات الصفراء. ان الجمالية المجنونة لاختطاف مبنى الكابيتول الذي تم تصويره على الهواتف الذكية من قبل المشاغبين أنفسهم، وقد جاء بعضهم من مناطق بعيدة في أمريكا الاعماق، واقتحموا الغرف الرخامية للمبنى الكلاسيكي الجديد المعروف في جميع أنحاء العالم، وكأنهم سياح ظلوا الطريق، تذكرنا باقتحام المتظاهرين لوزارة بنيامين جريفو في 5 يناير 2019، بعد شهر من النهب المذهل وغير المسبوق لقوس النصر في باريس.
وحتى وان كان المطلب الرئيسي لمؤيدي الرئيس الأمريكي، من البداية، رفض انتخاب منافسه جو بايدن، الذي روجت له الأخبار الزائفة بشكل كبير، لا علاقة له بالمطالب الأولية للحركة الفرنسية التي ولدت، دعونا نتذكر، من رفض زيادة الضرائب على الوقود، قبل أن تمتد إلى استفتاء المبادرة المواطنية الشهير، والاحتجاج العام ضد النظام السياسي.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن خلفية حال الديمقراطيات الأمريكية والفرنسية تتميز عموما بنفس انعدام الثقة المتزايد في المؤسسات، والرغبة في لمسها بأطراف الأصابع، لأنها تبدو بعيدة عن الواقع اليومي. “هناك رغبة قوية للغاية للاستحواذ على الرموز المؤسسية للسلطة”، يضيف برتراند بديع، على غرار سرقة المِقْرَأ، أو الاستيلاء المؤقت على مكتب رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي. وفي مثل هذا السياق، كيف لا نتذكر الدعوات المختلفة لـ “إسقاط الإليزيه” من طرف مجموعات السترات الصفراء على فيسبوك قبل عامين؟ على جانبي الأطلسي، نفس العلامات على ترهّل الديمقراطية التمثيلية.
رفض الموظفين السياسيين
هذا الرفض الكبير للأفراد والمؤسسات السياسية ليس مشكلة أمريكية أو فرنسية بحتة. وغالبًا ما يجد مصدر شرعيته في الممارسات السياسية نفسها. وحسب الخبيرة في القانون والمتخصصة في الشؤون الأمريكية، آن ديسين، فإن أخطر تهديد للديمقراطيات المعاصرة لا يكمن في احتمال انقلاب أو فتنة.
وتوضح الباحثة لصحيفة ليبراسيون، أن الأنظمة تنهار قبل كل شيء “بشكل غير محسوس تقريبًا، يقوضها القادة الذين يستخدمون مواقعهم لتوظيف القواعد لصالح المصالح الحزبية”. حقيقة مفهومة جيدًا من قبل دونالد ترامب، واستغلها بشكل مفرط منذ سنوات... فرنسا وغيرها ليست في مأمن من هذا.
ومع ذلك، لا يزال هناك مُعْطىً رئيسيا وترامبيا بالكامل، ومن ثمة لن يستطيع أحد تقليده: الدعوة للزحف على مبنى الكابيتول الأمريكي انطلقت من الداخل، من قبل الرئيس الجمهوري نفسه، الذي هُزِم في الانتخابات لكنه لا يزال في منصبه. ومن البديهي القول، ان هذا لم تعرفه الديمقراطية الغربية المعاصرة. انه التحدي الاخير لجميع شرائع التحليل الاجتماعي والسياسي والذي لم تتوقعه جميع المفاهيم الكلاسيكية... وفي هذا ما يكفي لجعل مهمة الرد الديمقراطي أكثر صعوبة.
-- ما حدث انحراف نحو الشعبوية القومية ذات الاتجاه الفاشي
-- الأنظمة تنهار قبل كل شيء بشكل غير محسوس تقريبًا
-- برتراند بديع: الاجتماعي حلّ محلّ السياسي، ومحور هذه التعبئة هو الاحتجاج ضد العولمة
-- يقاس حجم الحدث أحيانًا باستحالة تصنيفه وتحديده وحصره بكلمات ومفاهيم التحليل الأكاديمي
يقاس حجم الحدث أحيانًا باستحالة تصنيفه وتحديده وحصره بكلمات ومفاهيم التحليل الأكاديمي. أما بالنسبة للاستيلاء غير المحتمل على مبنى الكابيتول يوم الأربعاء، فمن غير المناسب القول إن الآراء التاريخية والقانونية والسياسية تتباين، وأحيانًا تكون وجهاً لوجه. كيف توصف غزوة المتظاهرين المؤيدين لترامب في قلب المؤسسات الأمريكية، والتي تثير سهولة اختراقها أيضًا ألف سؤال. هل كانت فتنة، محاولة انقلاب، ثورة اجتماعية، انتفاضة شعبوية، هجوم لأنصار المؤامرة واتباع نظريات تفوق البيض؟ كل هذا في نفس الوقت؟ في الوقت الحالي، لم يتم تقرير أي شيء حقًا، ولم تفرض أي شبكة قراءة نفسها... المتوفر، في حد ذاته، بداية لمعلومات.
من أوائل المفاهيم التي سادت هي الشعبوية، والتي كانت الرئاسة الترامبية، دون شك، واحدة من أكثر أشكالها نجاحًا راديكاليا. يقول البعض “شعبوية قومية”، لأن مطالب جزء كبير من المتظاهرين في الكابيتول هيل، تأخذ لونًا مناهضًا للنظام، وعرقيا، وحتى نازيا جديدا بشكل علني بالنسبة لبعضهم.
رؤية يؤيدها المؤرخ باب ندياي في صحيفة ليبراسيون، الذي طرح فكرة “الانحراف نحو الشعبوية القومية ذات الاتجاه الفاشي”. لكنها مقاربة يعارضها أستاذ العلوم السياسية جان إيف برانشير جزئيًا في منشور على فيسبوك: “دعونا نتوقف عن الحديث عن ‘الشعبوية’ بالنسبة لحركات تتمتع بكل سمات الفاشية (حتى في أشكال غير متوقعة ‘ما بعد الحداثة’) والتي لا علاقة لها بما سمّي تاريخيًا بالشعبوية».
بالنسبة للأستاذ في جامعة ليبر دي بروكسيل، فإن هذا يرقى إلى إضفاء الشرعية على الاحتجاج من خلال تقديمه على أنه “شعبي”. ويذكر الباحث بان “الشعبوية حركة دعت إلى ضريبة تصاعدية، وتأميم النقل، وترسيخ دولة القانون”... إنها ليست الأب أوبو مدعومًا من اشخاص يعيشون في عالم كيو انون الموازي».
«احتجاج ضد العولمة»
ما هي أسباب هذه الهدية الترمبية الأخيرة؟ إذا كان التعبير عن الهوية يبدو أساسياً في دوافع المتظاهرين، فهل يجب أن نكتشف البعد الاجتماعي؟ هل ينبغي أن نلوم الأزمة الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي المتزايد في القوة العالمية المنهارة، التي هزها فيروس كوفيد، والتي تغذي الشعور بالتهميش والاهمال، وعاء القومية الأكثر تطرفاً؟
إن “الاجتماعي حلّ محلّ السياسي، يقول أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في العلاقات الدولية برتراند بديع، على موجات إذاعة فرانس انتر، ان محور هذه التعبئة هو الاحتجاج ضد العولمة”.
وبالتالي، فإن المتمردين المؤيدين لترامب ويرفعون أعلام الولايات الكونفدرالية، يتقاسمون جميعًا فكرة مشتركة تتمثل في الانحدار الاجتماعي والإقصاء امام طبقات مرفّهة وأكثر ثراءً، وأكثر تعليماً، وحضرية أكثر، وحركية أكثر، والأكثر انتخابا للديمقراطيين... ولا شك أن النقاش سيظل مفتوحًا.
تمامًا عند المقارنة مع السترات الصفراء. ان الجمالية المجنونة لاختطاف مبنى الكابيتول الذي تم تصويره على الهواتف الذكية من قبل المشاغبين أنفسهم، وقد جاء بعضهم من مناطق بعيدة في أمريكا الاعماق، واقتحموا الغرف الرخامية للمبنى الكلاسيكي الجديد المعروف في جميع أنحاء العالم، وكأنهم سياح ظلوا الطريق، تذكرنا باقتحام المتظاهرين لوزارة بنيامين جريفو في 5 يناير 2019، بعد شهر من النهب المذهل وغير المسبوق لقوس النصر في باريس.
وحتى وان كان المطلب الرئيسي لمؤيدي الرئيس الأمريكي، من البداية، رفض انتخاب منافسه جو بايدن، الذي روجت له الأخبار الزائفة بشكل كبير، لا علاقة له بالمطالب الأولية للحركة الفرنسية التي ولدت، دعونا نتذكر، من رفض زيادة الضرائب على الوقود، قبل أن تمتد إلى استفتاء المبادرة المواطنية الشهير، والاحتجاج العام ضد النظام السياسي.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن خلفية حال الديمقراطيات الأمريكية والفرنسية تتميز عموما بنفس انعدام الثقة المتزايد في المؤسسات، والرغبة في لمسها بأطراف الأصابع، لأنها تبدو بعيدة عن الواقع اليومي. “هناك رغبة قوية للغاية للاستحواذ على الرموز المؤسسية للسلطة”، يضيف برتراند بديع، على غرار سرقة المِقْرَأ، أو الاستيلاء المؤقت على مكتب رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي. وفي مثل هذا السياق، كيف لا نتذكر الدعوات المختلفة لـ “إسقاط الإليزيه” من طرف مجموعات السترات الصفراء على فيسبوك قبل عامين؟ على جانبي الأطلسي، نفس العلامات على ترهّل الديمقراطية التمثيلية.
رفض الموظفين السياسيين
هذا الرفض الكبير للأفراد والمؤسسات السياسية ليس مشكلة أمريكية أو فرنسية بحتة. وغالبًا ما يجد مصدر شرعيته في الممارسات السياسية نفسها. وحسب الخبيرة في القانون والمتخصصة في الشؤون الأمريكية، آن ديسين، فإن أخطر تهديد للديمقراطيات المعاصرة لا يكمن في احتمال انقلاب أو فتنة.
وتوضح الباحثة لصحيفة ليبراسيون، أن الأنظمة تنهار قبل كل شيء “بشكل غير محسوس تقريبًا، يقوضها القادة الذين يستخدمون مواقعهم لتوظيف القواعد لصالح المصالح الحزبية”. حقيقة مفهومة جيدًا من قبل دونالد ترامب، واستغلها بشكل مفرط منذ سنوات... فرنسا وغيرها ليست في مأمن من هذا.
ومع ذلك، لا يزال هناك مُعْطىً رئيسيا وترامبيا بالكامل، ومن ثمة لن يستطيع أحد تقليده: الدعوة للزحف على مبنى الكابيتول الأمريكي انطلقت من الداخل، من قبل الرئيس الجمهوري نفسه، الذي هُزِم في الانتخابات لكنه لا يزال في منصبه. ومن البديهي القول، ان هذا لم تعرفه الديمقراطية الغربية المعاصرة. انه التحدي الاخير لجميع شرائع التحليل الاجتماعي والسياسي والذي لم تتوقعه جميع المفاهيم الكلاسيكية... وفي هذا ما يكفي لجعل مهمة الرد الديمقراطي أكثر صعوبة.