متى تتولى أوروبا أمن شرقي المتوسط؟

متى تتولى أوروبا أمن شرقي المتوسط؟


يغرق الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في النقاشات الهادفة إلى صياغة تصور لكيفية معالجة السياسات التركية التوسعية في شرق المتوسط، وحسب الباحثة البارزة المقيمة في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة كريستينا كوش، تنصب جهود الطرفين حالياً على خفض التصعيد وفك الاشتباك بين اليونان وتركيا.
وبمجرد تجنب التوترات الفورية مع عودة المحادثات المباشرة إلى مسارها بشكل ثابت، فإن السؤال سيكون عن أفضل السبل لحل مصدر هذه الأزمات الأساسية، ومنع مثل هذه التوترات في المستقبل.

وجهتا نظر
كتبت كوش في موقع “أوبزيرفر الاتحاد الأوروبي” أن هناك وجهتي نظر في أوروبا. يدافع البعض عن فكرة تقسيم عقدة شرقي المتوسط، وليبيا وتركيا إلى مناطق دون إقليمية لتسهيل التطورات السريعة في هذه الملفات دون أن يسمم أي منها الملف الآخر.
وبذلك، يصبح على سبيل المثال النزاع الطويل المدى حول قبرص غير مؤثر في الحرب الأهلية الليبية، والعكس صحيح.
ويجادل آخرون بأن محاولة نزع التسييس بالتجزئة لن تصمد لأن النزاعات الكامنة وذات الأمد الطويل ستتدخل دوماً في الملفات الأخرى. وهذا ما أظهره أخيراً الفيتو القبرصي على العقوبات الأوروبية ضد بيلاروسيا، لدفع بروكسل إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد تركيا.

أبرز الإشكاليات
وبينما يشكل خفض التصعيد بين اليونان وتركيا محور التركيز الديبلوماسي المباشر، تلوح الأسئلة الكبرى حول دور أوروبا المستقبلي في هذه المسائل.
وطرحت كوش بعضها، مثل ما الذي يمكن لأوروبا أن تفعل، إذا كان لها أن تفعل شيئاً، لوقف تركيا عن مغامرتها الحمقاء المتمثلة في إظهار قوتها العدوانية في الجوار؟ وكيف يمكن لأوروبا أن تصبح أكثر فاعلية في حل الأزمات الديبلوماسية دون تدخل أمريكي؟ وكيف يمكن لتخطي إدارة الأزمات الدائمة ووضع استراتيجيات أمنية في البحر المتوسط، أن يكون مجدياً ومستداماً في آن؟

جوهر النظرة الأمريكية
تعتقد الكاتبة أن الانخراط الأمريكي الخارجي سيكون لتأمين المصالح الاستراتيجية الأساسية لواشنطن، ولكن أمن المتوسط ليس واحداً منها. وفي الجوار الأوروبي، يبقى ردع الولايات المتحدة لروسيا شرقاً مصلحة أمريكية جوهرية، في حين أن تأمين المتوسط ليس كذلك.
وعلى امتداد سنوات، كرر المسؤولون الأمريكيون بشكل ديبلوماسي أن تأمين الجناح الجنوبي لأوروبا هو شأن أوروبي. لا تنكر كوش أن الديبلوماسية الأوروبية في شرق المتوسط كانت مبادِرة بشكل كبير، وتولت ألمانيا بشكل من الأشكال الدور القيادي الذي كان على عاتقه واشنطن في الماضي.
لكن في الوقت نفسه، تبدو شعارات الديبلوماسيين الأوروبيين عن علمهم بأن واشنطن ستكون أقل انخراطاً في المسائل الأوروبية، أقرب إلى النقاط الديبلوماسية منها إلى صياغة خطة للمعركة.

حقيقة غير مفرحة
إن السجال اللغوي في الأشهر القليلة الماضية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كامب-كارنباور، حول السيادة الاستراتيجية انحرف أيضاً عن الانتباه إلى أنه في البحر المتوسط، لا توجد حاجة في المستقبل إلى قدرة أوروبية للتحرك بحزم وبشكل مستقل. وأن اليوم هو موعد تلك الحاجة.
وتقدّم كوش ما تسميه حقيقة غير مفرحة، إذ يمثّل الجوار الجنوبي لأوروبا فوضى أمنية، ولكن لا أحداً سيأتي للإنقاذ منها. هذا الجوار هو عقب أخيل أوروبا على المستوى الجيوسياسي، لذلك فإن توليها أمن المتوسط بأيديها هو معنى الاستقلالية الأوروبية الاستراتيجية.

مشروع تخرجها
في عيد تأسيسه الخامس والعشرين، لم يبقَ الكثير من إعلان برشلونة الذي وضع في 1995 نظرة أوروبية متوسطية لسلام وازدهار شاملين في المنطقة.
وعوض ذلك، تأسف مسؤولون أوروبيون بارزون سراً على غياب أفكار جديدة حول ما يجب فعله في المتوسط بخلاف الإدارة الدائمة للأزمات والتي ميزت سياسة الاتحاد الأوروبي في العقد الماضي. لكن إذا ظلت أوروبا تطمح إلى إدارة الأزمات عوض حلها، ناهيكم عن التخطيط لتصاميم كبيرة من أجل نظرة شاملة إلى الأمن الإقليمي، فإن الآلة الأوروبية في حاجة ماسة للصيانة.
ورأت كوش أنه لو كانت أوروبا في حاجة إلى ترقية على المستوى الديبلوماسي، فستكون العقدة الجيوسياسية شرقي المتوسط مشروع تخرجها.