كيف ساعد في هدم جدار برلين؟
مجلة أتلانتيك: غورباتشيف كان عظيماً... لأنه فشل
على عكس مراقبين غربيين كثر، رأى الكاتب السياسي في مجلة “أتلانتيك” الأمريكية توم نيكولز إن الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشيف بلغ العظمة، بالفشل. فلطالما أحب الغربيون غورباتشيف أكثر من شعبه على الإطلاق، وثمة ميل خارج روسيا لنسبة إنجازات عظيمة إليه، لكنها لم تكن له.
في ليلة رحيله، شاهد الكاتب مراسلاً لشبكة “سي إن إن “ يناقش كيف ساعد غورباتشيف في هدم جدار برلين. لكن ذلك ليس صحيحاً وفق الكاتب، فرفض غورباتشيف نشر قوات سوفياتية لمنع الألمان من هدم الجدار، أمر مختلف جداً عما اقترحه المراسل.
أوضح الكاتب أن غورباتشيف كان يحاول انقاذ لا تدمير الاتحاد السوفياتي، ونظامه الشيوعي. ويجب أن يكون الكل ممتناً لأنه فشل في مهمته.
كان طيباً جداً في وظيفة تطلبت غياباً جوهرياً للطيبة.
في النهاية، أظهر الشجاعة والإنسانية برفض استخدام السلاح لمحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهو درس فات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. رغم أن غورباتشيف مإصلاحي، إلا أنه كان إصلاحياً سوفياتياً.
ذهب إلى موسكو برعاية الأمين العام الأسبق يوري أندروبوف، الذي كان أيضاً الرئيس الأسبق للكاي جي بي. كان أندروبوف أيضاً إصلاحياً سوفياتياً، عندما أراد دولة سوفياتية أكثر فاعلية وقوة عاملة سوفياتية أكثر اجتهاداً ورصانة.
لقد حاول رعاية سياسيين مثل غورباتشيف على قاعدة أنه سيكون أهلاً لتطوير مهمته وإنقاذ الاتحاد مما سماه السوفيات “عصر الركود” إبان حكم ليونيد بريجنيف.
لفت الكاتب النظر إلى أن كلامه لا يعني أن غورباتشيف كان مجرد مسؤول سوفياتي آخر بلا قلب. لقد كان ذكياً وعلى عكس العديد من زملائه الأكبر سناً، لم يخدع نفسه بالوضع الاقتصادي والاجتماعي السوفياتي المحفوف بالمخاطر.
الغربيون الآن بسياسات “الغلاسنوت” و”البيريسترويكا” التي اعتمدها غورباتشيف، لكن مجدداً، لم تكن هذه السياسات من أجل تشكيل إصلاحات ديموقراطية. كان هدفها الأساسي تطوير تواصل أفضل في الاقتصاد السوفياتي. هدفت البيريسترويكا إلى التخلص من المحسوبية، وأوجه القصور في عهد بريجنيف، وإعادة إطلاق المؤسسات السوفياتية المتجمدة.
توهم غورباتشيف أنه قادر على السيطرة على الإصلاح بشكل متفرق، مسرعاً ومبطئاً له في أماكن مختلفة، وأن بإمكانه منع أي جزء منه بالتحول إلى تحد لسلطة الحزب الشيوعي.
لم يفهم غورباتشيف وزملاؤه التناقض الأساسي في خططهم، وهو أن الحرية تعني المزيد من غياب النظام. لقد دهش، أو ربما بشكل أسوأ، فوجئ، بالفوضى التي أطلقها إلى درجة أنه تخلى عن بعض سياساته.
كانت البيريسترويكا في مشكلة عميقة أثناء اجتماع بارز للحزب في 1987 حين أصبح واضحاً أن المتشددين دفعوا الإصلاحيين وخططهم إلى الوراء، بشكل فعال.
أدت هذه الإخفاقات إلى اقتتال وتغير التحالفات داخل الكرملين. وحاول غورباتشيف بعدها التشجيع على إصلاحات مشابهة في أوروبا الشرقية سعياً إلى النفوذ في مواجهة خصومه في الداخل. ومجدداً أطلق قوى لم يفهمها ولم يتمكن من السيطرة عليها، هذه المرة في الإمبراطورية السوفياتية.
أضاف نيكولز أن غورباتشيف قبل بهذه المخاطر لأنه اعتقد أنه سيعيد إحياء الاشتراكية وبالتالي سيعيد إضفاء الشرعية على كامل النظام السوفياتي.
لقد آمن بذلك حقاً ما دفعه إلى فخ قاتل، إذا كانت هناك طريقة لإنقاذ الاشتراكية فيجب عندها أن تكون خياراً تُقدم عليه شعوب الاتحاد السوفياتي، وأوروبا الشرقية. لكن هذه الفرضية تعني أنه لن يعود بإمكان غورباتشيف التراجع عن فكرته وفرض الاشتراكية بالأسلحة السوفياتية لو رفضتها تلك الشعوب.
عندما بدأ كل شيء ينهار في 1988، كان غورباتشيف بلا خيارات. راهن على مرونة النظام السوفياتي والاشتراكية، لكنه خسر. لا يعني استخدام القوة الاعتراف بالفشل النهائي وحسب لكن أيضاً إطلاقاً محتملاً لحرب أهلية في دولة نووية تضم 290 مليوناً، من عشرات الخلفيات الإثنية والدينية.
بحلول 1990، كان غورباتشيف إما متأرجحاً أو مشلولاً في السياسة، لا بسبب شخصيته التي تشبه شخصية هامليت وحسب، بل وأيضاً لأنه لم يعد قادراً على التحكم في رفاقه الأكثر رجعية داخل القيادة.
سيحاول مرة أخرى الإبقاء على وظيفته وإبقاء تماسك الاتحاد السوفياتي بتأسيس هيئة تشريعية وطنية وبالتالي تخطي مؤسسات الحقبة السوفياتية المحتضرة، والفوز بانتخابات نحو رئاسة وطنية جديدة.كان كل ذلك بلا جدوى لكن غورباتشيف لم يستسلم، حتى بعد محاولة القيادة التي اختارها بنفسه، الإطاحة به، حاول إنقاذ الحزب الشيوعي من الاتحاد السوفياتي، وهو جهد يبدو الآن مثيراً للشفقة تقريباً لسذاجته.
في عيد الميلاد في 1991، أعلن غورباتشيف حل الاتحاد السوفياتي، وسلم الرموز النووية لبوريس يلتسين، وغادر الكرملين. في 1996، ترشح غورباتشيف لرئاسة روسيا، وصوت أكثر من 74 مليون روسي، لكنه حصل على تأييد 386 ألفاً منهم. تحجب نجاحات غورباتشيف التي لا يمكن إنكارها في السياسة الخارجية الكثير من هذه القصة المأسوية في الغرب.يذكر الأمريكيون أن غورباتشيف رجل سلام، وعليهم ذلك. ومثل إيمانه بالاشتراكية، كان إيمانه بالسلام صادقاً أيضاً. ساعده في ذلك أن التعامل مع شخصيات مثل الرئيس رونالد ريغان، ورئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر، كان أسهل من التعامل مع أوتوقراطيي الكرملين المصابين بالرهاب كما تبين.
كان غورباتشيف وريغان جديين تماماً في التخلص من الأسلحة النووية.وفق الكاتب، لم تكن شجاعة وطيبة غورباتشيف تكمن في محاولاته إنقاذ الاتحاد السوفياتي، بل في قراره القبول بما هو حتمي، عوض بدء موجة قمع أخيرة طالب بها مخططو الانقلاب السوفياتي.
حين وقعت الخسارة الشاملة، قبل مصيره وهو قرار لا يزال ملايين الروس يكرهونه، بسببه. ظن غورباتشيف أنه كانت هناك فرصة لمستقبل جديد للاتحاد السوفياتي وتحمل مخاطر عظيمة لإنقاذ بلاده وعقيدته. وختم نيكولز: “لقد فشل. ولذلك، يجب أن نكون ممتنين. فليرقد بسلام».