الأزمة كشفت وجهه الحقيقي:

مستقبل جو بايدن السياسي يُلعب في مطار كابول...!

مستقبل جو بايدن السياسي يُلعب في مطار كابول...!

- صورة الكفاءة والاحتراف التي تمكن الديمقراطيون من إيصالها للجمهور منذ بداية العام، تضررت مؤقتا
- لا يوافق 60 بالمائة من الأمريكيين على طريقة تعامله مع الأزمة الأفغانية
- تراجعت شعبية بايدن إلى 41 بالمائة من 54 بالمائة في بداية ولايته
- لا يهتم الأمريكيون بمستقبل أفغانستان، وإذا بقي الضرر في هذا المستوى ستطوى الصفحة
- عانى العديد من الرؤساء الذين سبقوه من مشاكل في المجال الدولي قبل أن يتعافوا لدى الرأي العام
- تحول مذهل في التاريخ، أصبحت طالبان والأمريكان حلفاء موضوعيين ضد عدو مشترك: داعش خراسان


   في أفغانستان، تحوّل الفشل الذريع إلى كارثة. يُنتقد من جميع الجهات، يأمل الرئيس الأمريكي أن تطوى الصفحة في غضون شهر... رهان محفوف بالمخاطر.    خلال أيام قليلة تغيّر كل شيء: عشية 15 أغسطس، لا يزال بإمكان جو بايدن أن يقول لنفسه: “حتى الآن، كل شيء على ما يرام ...»، فقد كلّلت أشهره السبعة الأولى في البيت الأبيض بالنجاح: تسريع حملة التطعيم، واعتماد خطة تحفيز بمبلغ 1900 مليار دولار، وانخفاض البطالة، وازدهار الشعبية. ثم اجتاحت طالبان كابول... مشهد مؤلم، لأنه يذكّر بسقوط سايغون عام 1975، ولكن كانت الصور الأولى للهروب في المطار مجرد مقبّلات.   يوم الخميس، 26 أغسطس، أدى الهجوم على مطار كابول “أكثر من 100 قتيل منهم ما لا يقل عن 13 أمريكيًا من بينهم العديد من مشاة البحرية”، الذي ارتكبه داعش، إلى زيادة الضغط على جو بايدن، الذي أصبحت رئاسته تُلعب الآن في كابول، وكذلك في واشنطن حيث يقصف الجمهوريون الإدارة الديمقراطية.

«شكل من أشكال الهستيريا الإعلامية»
   سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة في 2017-2018، نيكي هالي، هي الأكثر قسوة: “هل ينبغي أن يستقيل جو بايدن بسبب سوء إدارته في أفغانستان؟ نعم... لكن هذا سيتركنا مع “نائب الرئيس” كامالا هاريس، والتي ستكون أسوأ بعشر مرات... ليكن الله في عوننا!”، قالت تلك التي كانت أيضًا حاكمة ولاية ساوث كارولينا(2011-2017).
   ويدعو جمهوريون من الوزن الثقيل، سيناتورات أو نواب، مباشرة الى إقالة الرئيس، مثل ممثل تكساس روني جاكسون: “إذا كان دونالد ترامب يمكن أن يكون موضوع عزل بسبب مكالمة هاتفية، فإن الوقت قد حان لعزل بايدن لإهماله القذر في أفغانستان... نحن نستحق أفضل من شخص يتجاهل أسوأ أزمة منذ عقود”، كتب على تويتر.

   ويعتقد مستشار جورج دبليو بوش السابق لشؤون العراق، المحافظ توم باسيلي، وهو مؤلف ومتحدث وكاتب عمود في قناة فوكس نيوز، ومقدم برنامج نيوزماكس، أن “بايدن بعيد عن واقع الميدان”، متّهما في مقابلة مع صحيفة لاكسبريس: “هذا هو سبب انهيار شعبية الرئيس... الناس قلقون بشأن ضعفه وسذاجته».
   بالنسبة للجيوبوليتيكي جاكوب هيلبرون، الذي قارن الفشل الأفغاني بفشل خليج الخنازير في كوبا (1961) في عهد الديمقراطي جون إف كينيدي، “إننا نشهد عودة المحافظين الجدد في عهد جورج دبليو بوش إلى واشنطن – ديك تشيني”. ويضيف هيلبرون، الذي يدير مجلة ناشيونال إنترست: “بعد سنوات من العزلة تحت حكم ترامب، ها هم في طريقهم للعودة”. ويتابع: “نحن نشهد شكلاً من أشكال الهستيريا الإعلامية، تغذيها شبكات التواصل الاجتماعي، وأيضاً أولئك الذين، في كلا المعسكرين، وافقوا على احتلال أفغانستان منذ سنوات. هؤلاء” يأملون في تحميل المسؤولية بأكملها الى بايدن».

   في كل الأحوال، فإن صورة الكفاءة والاحتراف التي تمكن الديمقراطيون من إيصالها للجمهور منذ بداية العام، قد تضررت –بشكل مؤقت؟ - خاصة بسبب التردد الأولي لجو بايدن. ويتابع جاكوب هيلبرون: “عندما دخلت حركة طالبان كابول في 15 أغسطس، ارتكب عدة أخطاء. في البداية، أمضى 72 ساعة في منتجعه في كامب ديفيد بدلاً من العودة إلى العاصمة. ثم فريقه، في موقف دفاعي، تسرّع في إلقاء اللوم عن المستنقع الأفغاني على دونالد ترامب والإدارة السابقة التي، صحيحًا، بدأت مفاوضات مع طالبان في مطلع سبتمبر 2020. وأخيرا –لكن جو بايدن ليس مسؤولا -لقد فشلت المخابرات الأمريكية في توقع الأحداث «.

   تراجعت شعبية بايدن إلى 41 بالمائة، من 54 بالمائة في بداية ولايته. بالإضافة إلى ذلك، فإن 60 بالمائة من الأمريكيين لا يوافقون على طريقة تعامل الرئيس مع الأزمة الأفغانية. وشبح وقوع هجمات جديدة، ان لم تكن “أزمة رهائن” مماثلة لتلك التي حدثت في إيران في ظل رئاسة كارتر (1976-1980)، يطارد عقول الناس. ومن هنا، بين الاعتقاد بأن الانتخابات التشريعية في نوفمبر 2022 قد ضاعت مقدمًا، وأن إعادة انتخاب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة عام 2024 معرضة للخطر، هناك خطوة واحدة فقط …

عدة سوابق
   «لا تتسرعوا!”، تعدّل باربرا أ. بيري، المتخصصة في الرئاسيات الأمريكية في جامعة فيرجينيا. يعلمنا التاريخ أنه لا يجب دفن بايدن بعد، فقد عانى العديد من الرؤساء الذين سبقوه من مشاكل في المجال الدولي قبل أن يتعافوا لدى الرأي العام. وهكذا أعيد انتخاب فرانكلين دي روزفلت عام 1944 رغم بيرل هاربور عام 1941، والتجديد لريتشارد نيكسون، عام 1972 في عزّ المستنقع الفيتنامي (توفي 320 ألف جندي خلال فترة ولايته الأولى) أو رونالد ريغان، الفائز عام 1984 رغم وفاة 241 من مشاة البحرية الأمريكية “و58 جنديًا فرنسيًا” في هجوم في لبنان قبل عام».
   المثال المضاد الوحيد: جيمي كارتر، انهزم عام 1980 بعد احتجاز طويل لرهائن في إيران -52 دبلوماسيًا أمريكيًا طيلة 444 يومًا. “ولكن هناك فرق، تتابع باربرا أ. بيري، في 1979 و1980، احتلت هذه القضية جميع وسائل الإعلام الى يوم الانتخابات الرئاسية، بينما لا يزال حاليًا أكثر من عام قبل الانتخابات النصفية، وثلاثة قبل الانتخابات الرئاسية.»

   الآن، يدرك التمساح العجوز بايدن، أن للرأي العام ذاكرة قصيرة. “الحقيقة هي أن الأمريكيين لا يهتمون بمستقبل أفغانستان، يشرح أستاذ العلوم السياسية في نيويورك أندرو جيه بولسكي، انهم يعتقدون أنه كان علينا مغادرة هذا البلد منذ فترة طويلة. وإذا بقي الضرر في هذا السقف ربما ستطوى الصفحة”. بالطبع، لا ينبغي ان تنضاف أحداث سلبية أخرى إلى ما يجري حاليا. “عندها ستترسخ فكرة أن الإدارة الديمقراطية غير كفؤة حقًا”، يشير بولسكي.
   مثل هذا السيناريو هو الذي قوض رئاسة كارتر، وفي وقت لاحق، الولاية الثانية لجورج دبليو بوش، الذي كانت إدارته لإعصار كاترينا (1500 قتيل في لويزيانا) كارثية، ناهيك عن المستنقع العراقي. و”بمجرد أن تستقر هذه “الموسيقى الصغيرة” للهواة في الرأي العام، يصبح من المستحيل التخلص منها «.

   ولهذا أرسل بايدن ويليام بيرنز، صاحب الخبرة الكبيرة، إلى كابول: في 23 أغسطس، التقى رئيس وكالة المخابرات المركزية سراً بزعيم طالبان عبد الغني بارادار هناك، للتفاوض بشأن تسهيل عمليات الإجلاء، بعد مغادرة القوات الأمريكية. ومن خلال تحوّل مذهل في التاريخ، أصبحت طالبان والأمريكان الآن حلفاء موضوعيين في قتالهم ضد عدوهم المشترك: تنظيم داعش في خراسان،  الذي تأسس في شرق البلاد، وأعلن مسؤوليته عن هجوم 26 أغسطس على مطار كابول.

رهان جو بايدن
   ربما لم تكن هناك نتيجة سعيدة، ولا بالإمكان القيام بانسحاب منظم، بعد 20 عامًا من الحرب. “لقد صدمت مما يحدث في أفغانستان، كتب جورج فريدمان، الخبير في الاستراتيجية الجيوسياسية في “المستقبل الجيوسياسي”، ليس لأنني لم أكن أتوقع ذلك، ولكن لأن الناس على ما يبدو يعتقدون أن البداية المنظمة كانت ممكنة. لقد خاضت طالبان والولايات المتحدة حربًا طيلة عقدين، وخسرت أمريكا، وانتصرت حركة الطالبان... أنا مصدوم لأن الناس لا يفهمون أن وجه الهزيمة يشبه ما نراه في كابول «.
  خبيرة في الولايات المتحدة، ومؤلفة سيرة رونالد ريغان الذاتية، فرانسواز كوست، تثري: “كان الجميع يعلم أن الحرب ستنتهي بفشل.
 على الأقل، جو بايدن، الذي عارض إرسال جنود إضافيين قرره أوباما عام 2009، وكانت لديه الشجاعة لوضع حد لذلك، مدركا أنه سيتعرض لنيران النقاد. وكان رهانه أنه في غضون شهر، سيتم طي الصفحة، وأن الأمر لن يتعلق سوى بخطة البنية التحتية، التي لا يقارن مبلغها الهائل إلا بصفقة روزفلت الجديدة في الثلاثينات».

  لقد كشفت أزمة كابول، على الأقل، عن الوجه الحقيقي لجو بايدن، انه من أتباع “السياسة الواقعية” والخالية من المشاعر، والذي لا يهمه إلا مصلحة الدولة.
و”إنه لا يغيب عن بالنا حقيقة أن 63 بالمائة من الأمريكيين يؤيدون انسحاب القوات، يذكرنا جاكوب هيلبرون من ناشيونال إنترست، في الواقع، مصير المرأة الأفغانية أو حقوق الإنسان أو الديمقراطية في آسيا الوسطى لا تعنيه ولا تشغله، مشكلته الوحيدة أنه لا يخفي ذلك! «