رئيس الدولة والرئيس المصري يبحثان العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
مع تصاعد الصراعات الدولية..هل بدأت الحرب العالمية الثالثة بالفعل؟
يتراجع النظام العالمي القائم على القواعد، ويتصاعد العنف، مما يُجبر الدول على إعادة النظر في علاقاتها، وفقاً لتقرير باتريك وينتور، محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة «غارديان» البريطانية.
في أسبوعٍ احتفل فيه الحلفاء السابقون، كلٌّ على حدة، بالذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، يزداد الشعور بالانحدار الجامح نحو حربٍ عالمية ثالثة.
ووفقاً للتقرير، شهد هذا الأسبوع انهيار مفهوم «السلام الأمريكي»، وترابط الصراعات، والرغبة الجديدة في اللجوء إلى العنف الجامح الذي ترعاه الدول، وعدم جدوى مؤسسات النظام القائم على القواعد.
من كشمير إلى خان يونس، والحديدة، وكورسك، لا يُسمَع سوى دوي الانفجارات، والدرس الوحيد هو أن القواعد القديمة لم تعد سارية.
في الواقع، تُجادل فيونا هيل، محللة السياسات ومستشارة الحكومة البريطانية في مراجعتها الاستراتيجية الدفاعية الوشيكة، بأن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، لو أدركنا ذلك.
لقد عبّر وزير الخارجية السابق عن حزب العمال، ديفيد ميليباند، عن الأمر ببراعة هذا الأسبوع في تشاتام هاوس، قائلاً: «أعلم أن الناس يقولون دائماً إن العالم يتغير، لكن هذه اللحظة تبدو وكأنها لحظة تحوُّل جيوسياسي حقيقي، لا تقل أهمية عن فترة 1989-1990 عندما انتقل العالم من الحرب الباردة إلى لحظة أحادية القطب، وبالنسبة لي، تُعد إدارة ترامب عرضاً وسبباً للتغييرات الجارية».
ويضيف: «المشكلة هي أنه من الواضح جداً ما ننطلق منه - عالم كانت فيه الولايات المتحدة ركيزة النظام العالمي - ولكن ليس من الواضح ما ننطلق إليه. أعلم أن هناك الكثير من الحديث عن فكرة عالم متعدد الأقطاب يعكس إعادة توزيع ميزان القوى، لكنني أجد أن هذا المفهوم يوحي بالكثير من الاستقرار والأمن».
قال توني بلير، في محاضرة في كاليفورنيا: «لقد خرج الجميع من منطقة راحتهم. الضجيج الذي تسمعه من الطبقة السياسية هو البحث المحموم عن الخيارات. الناس يعيدون التفكير في موقعهم في العالم وعلاقاتهم. لا شك أن هذه صدمة كبيرة. هذا هو أهم حدث جيوسياسي أتذكره فيما يتعلق بأمريكا والعالم».
ماذا يحدث؟
وبالنسبة لوزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، فإن لامبالاة دونالد ترامب تجاه تنفير الحلفاء تُعد عملاً تخريبياً. وقال إن الدبلوماسيين حول العالم يتساءلون: «ما الذي يحدث بحق الجحيم»؟.
وأوضح بلينكن أن أمريكا أمضت 80 عاماً في بناء الثقة، والشراكات الاقتصادية القوية، والتحالفات العسكرية والسياسية، وإذا تم القضاء على ذلك في غضون 100 يوم، فسيكون من الصعب للغاية إعادة بنائه. وتابع: «هذا يعني أن الدول تبحث عن طرق للعمل من حولنا، والعمل معاً ولكن بدون الولايات المتحدة».
وأكمل: «كان جو بايدن يقول إنه ليس من الحكمة أبداً المراهنة ضد أمريكا. مشكلتنا الآن هي أن الناس لم يعودوا يراهنون على أمريكا».
وبحسب التقرير، ما نشهده في العالم قد يكون حرباً عالمية أو لا يكون، لكنه في الواقع عالم في حالة حرب.
في غزة، شاهد العالم الحصار المفروض على الغذاء والمساعدات والإمدادات الطبية، في تحدٍّ للأوامر الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وقد دخل شهره الثالث.
في الشهر الماضي، قصفت إسرائيل، بحثاً عن الأمن، اليمن ولبنان وسوريا وغزة، وهي تحث الولايات المتحدة يومياً على منحها الإذن بقصف إيران، وفق ما ذكر الكاتب.
ولا يسع ترامب إلا أن يشكو عندما شارك بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، رؤيته لقطاع غزة، متوقعاً أنه في غضون نصف عام، سيقتصر سكان القطاع على مساحة ضيقة من الأرض، بينما سيُدمَّر ما تبقى «تدميراً كاملاً».
كان سموتريتش يُكرر نسخة من خطة ترامب لإفراغ غزة من الفلسطينيين، وهي خطة تتعارض تماماً مع شروط وقف إطلاق النار التي يفاوض عليها مبعوثه.
وفي تصريحات له خلال «مؤتمر المستوطنات»، أعلن سموتريتش أيضاً أن إسرائيل «ستطبق السيادة» على الضفة الغربية خلال فترة الحكومة الحالية، التي من المقرر أن تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) 2026 ما لم تُعقد انتخابات مبكرة.
وقال سموتريتش: «في غضون بضعة أشهر، سنتمكن من إعلان انتصارنا. ستُدمَّر غزة تدميراً كاملاً. في غضون ستة أشهر أخرى، لن تبقى حماس كياناً فاعلاً».
ومع صمت ترامب، تُرك الرد لأوروبا؛ فقال وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو: «حان الوقت ليستيقظ الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بأسره».
وندد بالحصار ووصفه بأنه «عارٌ مُطلق... إنه غير مقبول؛ إن قطع جميع المساعدات الإنسانية عمداً، وجميع سبل الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والكهرباء والماء، كاستراتيجية حرب، أمرٌ غير مقبول بتاتاً».
وتحدث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون قائلاً: «إذا كنا ندين روسيا لانتهاكها السيادة الأوكرانية، فلا يمكننا الصمت على ما يحدث في غزة. يجب محاربة حماس، نعم، ولكن ليس على حساب انتهاك جميع القواعد».
ودعا إلى ردٍّ موحّد من أوروبا، ومع ذلك، في اجتماعٍ للشؤون الخارجية في بولندا، لم يتمكن الوزراء السبعة والعشرون حتى من الاتفاق على بيانٍ مشترك، ناهيك عن اتخاذ إجراء مشترك لتعليق اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وهو اقتراحٌ هولندي.
الوضع في كشمير
في كشمير، ورغم إعلان الرئيس الأمريكي وقف إطلاق النار بين الدولتين النوويتين الهند وباكستان، إلا أن هناك اتهامات متبادلة بخرق هذا الاتفاق. ففي النزاعات السابقة بين الهند وباكستان، تطلّب الأمر تدخلاً أمريكياً حاسماً لتهدئة الجانبين.
في يوليو (تموز) 1999 في واشنطن، ضغط بيل كلينتون شخصياً على زعيم باكستان آنذاك، نواز شريف، ودفعه إلى التراجع، فيما وصفه أحد المسؤولين بأنه أهمّ اجتماع مع زعيم أجنبي في عهد كلينتون. وكشف وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في مذكراته عن مدى اقتراب الجانبين في فبراير (شباط) 2019 من حربٍ نووية، وهو أمر ساعد على منعه بجهد كبير من غرفةٍ فندقيةٍ آمنة خلال زيارة إلى هانوي.
ومن المثير للقلق أن الهند لم تعد تُصوّر القضية على أنها إرهاب، بل نزاع بين دولتين، مدّعيةً أن القضية الأساسية هي أن باكستان تعمل كدرع للإرهاب.
خيانة مُبرّرة
قد تكون هذه الصراعات مُنفصلة، باستثناء القاسم المشترك المتمثل في غياب القيادة الأمريكية والاضطرابات الدائمة. لكن في أوكرانيا، تجتمع العناصر الهيكلية للحرب العالمية.
قد يختلف حجم الخسائر البشرية عن الحرب العالمية الثانية، لكن وفقاً للجيش البريطاني، تكبدت روسيا 900 ألف ضحية، وهو عدد يفوق بكثير خسائرها خلال الحروب السابقة في الشيشان وأفغانستان.
علاوة على ذلك، تُعد هذه الحروب الآن، على حدّ تعبير الكاتب، «صراعاتٍ تُغيّر النظام، بمشاركة العديد من الدول». فسفن الصيد التي ترفع العلم الصيني، وعلى متنها روس، والتي يزعم انها تُمزّق الكابلات البحرية في بحر البلطيق ليست سوى جزء واحد من حرب فلاديمير بوتين العالمية. وتدعم الصين وكوريا الشمالية وإيران روسيا، بعضها بطرق مادية، مثل بناء مصانع الطائرات المسيّرة أو إمداد الجنود. وحرصت دول عديدة على إبقاء روسيا عائمة اقتصادياً بطرق تجعل حيادها محلّ طعن.
فالهند، التي أبرمت معها المملكة المتحدة اتفاقية تجارة حرة هذا الأسبوع، اشترت نفطاً من روسيا بقيمة 112 مليار يورو منذ بدء الحرب، واشترت أيضاً أسلحة روسية.
خطة ترامب
وصوّرت روسيا وحلفاؤها الصراع على أنه حرب على الهيمنة الأمريكية، بحسب التقرير. ومن الواضح أن لدى ترامب خطة لإخراج الولايات المتحدة من خط النار ووضع العلاقات مع روسيا على أساس مختلف، وهي رغبة راودته منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويرى ترامب العالم من منظور مشابه لبوتين: حفنة من القوى السيادية تُقسّم الأرض إلى مناطق نفوذ.
وحلمه هو إعادة تمثيل يالطا 1945 إلى جانب بوتين، وربما شي جين بينغ، مع أوروبا كمراقب وأوكرانيا مُقسَّمة.
في البيت الأبيض، قال ترامب لفولوديمير زيلينسكي في تصريح شهير: «عليك أن تكون شاكراً. أنت لا تملك الأوراق». لكن ترامب بالغ في استخدام أوراقه، مُلقياً بالكثير منها في حربه الجمركية المدمرة للذات.
وتبيّن أن زيلينسكي كان يمتلك في الواقع بعض الأوراق المتبقية، إذ استخدمها بمهارة من خلال عرض وقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً، واتفاقية معادن مع الولايات المتحدة، والتركيز على القيمة العسكرية لأوكرانيا للأمن الغربي.
المزاج الأمريكي
كانت الصورة الحميمة لترامب وزيلينسكي في اجتماع سري في جنازة البابا (صورة التقطها رئيس أركان زيلينسكي، أندريه يرماك) تفوح منها رائحة المصالحة، لكنها في الوقت نفسه تُرضي غرور ترامب. أصبح تغيير المزاج في واشنطن واضحاً الآن.
حتى جيه دي فانس، نائب الرئيس، الذي كان سابقاً المُحرّض الرئيسي ضد زيلينسكي، أقر هذا الأسبوع بأن روسيا «تطلب الكثير»، وقال إن أوروبا والولايات المتحدة «في الفريق نفسه».
سيرحب قادة أوروبا بذلك ترحيباً حاراً، ولكن هناك الآن وضوح في جميع أنحاء أوروبا، وليس فقط في باريس، بأنه بغض النظر عن تطمينات فانس، يجب أن تمتلك أوروبا القدرة على العمل باستقلالية عن الولايات المتحدة.
من الواضح أن ترامب غير موثوق، وتقييمه الإيجابي لنوايا بوتين غير متفق عليه، وفق التقرير.