مقاربة جديدة لإدارة بايدن مع النظام الإيراني

مقاربة جديدة لإدارة بايدن مع النظام الإيراني


قدّم المُحلّل الإيراني علي أفشاري تصورات للإدارة الأميركية المُقبلة للتعامل مع النظام الإيراني، مشيراً إلى أنه يمكن الرئيس جو بايدن أن يقدّم معروفاً للشعب الإيراني إذا تجنّب مقاربات الإدارات السابقة، واتخاذ موقف حازم مع توسيع العقوبات ضد منتهكي حقوق الإنسان والمؤسسات ما يُبقي إيران خاضعة للمساءلة أمام المجتمع الدولي.
وكتب أفشاري في موقع “راديو فاردا” الإيراني المُعارض، أن الفجوة بين الشعب الايراني والسلطة الحاكمة تتسع مع تزايد الإنتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان يوماً بعد يوم، ما أدى إلى نقاشات مثيرة للجدل حول تدخل الإدارة الأمريكية، وإذا كان على الولايات المتحدة اتخاذ إجراء لإقناع، أو بالأحرى، إجبار القيادة الإيرانية على معالجة سوء سلوكها ضد نشطاء المجتمع المدني والمعارضين السياسيين.

العقوبات ليست كافية
ورغم العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الأفراد والمنظمات المتورّطة في هذه الفظائع، إلا أن الإيرانيين يعتقدون أن هذه الإجراءات ليست كافية، ويتوقّعون خطوات أكثر جذرية من الإدارة الجديدة، خاصةً أن العقوبات التي فرضها ترامب، كانت رمزية.
فترامب اتخذ موقفاً حازماً ضد النظام الإيراني خلال احتجاجات 2017 و 2019، معرباً عن دعمه للمتظاهرين، إلا أنه من الناحية العملية، لم يكن هناك فرق كبير مقارنةً مع توجّه الرئيس الأسبق باراك أوباما بعد احتجاجات 2009، وفي الموقفين، لم يتخذ الرئيسان إجراءات جذرية من شأنها أن تردع السلوك الوحشي للنظام الإيراني وقتل المتظاهرين السلميين، وإن كانت تعقيدات الموقف جعلت من اتخاذ القرار في الولايات المتحدة أمراً صعباً.
على مدى السنوات الـ13 الماضية، أثبتت العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية على إيران أنها أدوات غير فعالة لتعزيز حقوق الإنسان. تُذكّرنا السياسة الواقعية بأنه لا توجد دولة قوية تتخذ إجراءات جادّة ضد انتهاك حقوق الإنسان في بلد آخر ما لم تحدث إبادة جماعية أو حرب أهلية، فاعتبارات الأمن القومي، والجغرافيا السياسية، والمصالح الإقتصادية هي القوى الدافعة الرئيسية لبلد ما، لوضع سياسات بشأن العلاقات الخارجية.

تغيير النظام
كما أن قمع حقوق الإنسان هو عامل أساسي في إضفاء الشرعية على النظام الإيراني. ميزان القوى الحالي في إيران والأطر القانونية لا تتوافق مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان، ولذلك فإن أي تحسّن في وضع حقوق المرأة، وحقوق العمل، وحرية الصحافة، أو إجراء انتخابات حرة ونزيهة، يتطلب تغييراً سياسياً جوهرياً في إيران، أو حتى تغيير النظام.

انفصال واضح
إن نمط سلوك الحكومة الإيرانية يُظهر انفصالاً واضحاً بين سلوكها داخل حدودها وخارجها. على مدى التاريخ، أظهرت إيران مرونة في القضايا الخارجية، وقاومت تغيير السلوك المحلي عند مواجهة الضغوط الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، من وجهة نظر قانونية وأخلاقية، يُمكن للحكومات الأجنبية فقط دعم مطالب الناس، ولا يوجد سبب للتدخل بشكل مباشر في السياسة الإيرانية. كما أن أي تحول كبير في وضع حقوق الإنسان في إيران يتطلّب تغيير ميزان القوى بين الحكومة والذين يسعون للتغيير.
يُمكن تحقيق مثل هذا التغيير من خلال العدد المتزايد من الإحتجاجات المنظمة. وللتغلّب على العقبات، تحتاج إيران إلى حركة معارضة قوية بقيادة فاعلة ملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان. وأي ارتباك في هذا الأمر قد تكون له آثار سلبية على نشطاء حقوق الإنسان داخل إيران.

حركة ديموقراطية عالمية
يتولى جو بايدن السلطة في وقت مختلف كثيراً عن إدارة أوباما. ترث إدارته سياستين فاشلتين لباراك أوباما ودونالد ترامب تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الإيراني.
خلال الحملة الانتخابية، تماماً مثل منافسه دونالد ترامب، غرد بايدن عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران مندداً بإعدام المصارع الشاب نافيد أفكاري. وأكد بايدن في المقابلات أن حقوق الإنسان ستكون أحد أهدافه، قائلاً: “سنُواصل استخدام العقوبات ضد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، ودعمها للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية».
على عكس ترامب، أظهر بايدن التزامه واحترامه لحقوق الإنسان وتعزيز القيم الديموقراطية في جميع أنحاء العالم. إنه ينتمي إلى مجموعة من السياسيين الأمريكيين الذين يعتبرون الديموقراطية وحقوق الإنسان أساساً للسياسة الخارجية الأمريكية، ويعتبرون الجماعات المؤيدة للديموقراطية والمُدافعين عن حقوق الإنسان الحلفاء الدوليين الموثوقين لدى الولايات المتحدة. وتتوافق خصائص بايدن وخلفيته مع مهمة إحياء حركة ديموقراطية عالمية، يُمكن أن تفيد الإيرانيين أيضاً.

كسر وهم تغيير النظام
يمكن لرئاسة بايدن أن تُفيد الشعب الإيراني إذا تجنبت مقاربات الإدارات السابقة، واتخاذ موقف حازم مع توسيع العقوبات ضدّ منتهكي حقوق الإنسان، والمؤسسات ما يُبقي إيران خاضعة للمساءلة أمام المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن الميزة الرئيسية لرئاسة بايدن هي كسر وهم تغيير النظام الذي نما خلال رئاسة ترامب. كان ذلك أملاً كاذباً حقّقته بعض الجماعات المعارضة في المجتمع.
أشارت إدارة ترامب مراراً إلى أنها لا تسعى لتغيير النظام في إيران. لكن هذا التغيير في السياسة الأمريكية، سيُساعد في غرس تصور أكثر واقعية لدى الشعب الإيراني، والتركيز أكثر على القدرات المحلية لتنظيم التحركات المُناهضة للنظام.

زيادة الضغط العالمي
وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ستُساهم إدارة بايدن في زيادة الضغط العالمي على النظام الإيراني ااحترام التزاماته الدولية أو على الأقل تقليل خطورة انتهاكاته لحقوق الإنسان داخل إيران.
قد تساعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي أثرت على الحياة اليومية لملايين الإيرانيين، في تحسين وضع نشطاء حقوق الإنسان وتمكينهم من محاربة المتشددين والدعوة إلى الإصلاح في هيكلية النظام، فعندما يُواجه المواطنون الحرمان الإقتصادي، ويُكافحون لتلبية الإحتياجات الأساسية، تُصبح انتهاكات حقوق الإنسان أمراً ثانوياً. ومع ذلك، ومن خلال الحد من هذه الصراعات اليومية، يمكن لنشطاء حقوق الإنسان أن يتحركوا بحرية أكبر.
وختم أفشاري قائلاً، إن “مستقبل حقوق الإنسان في إيران مُعقّد ويصعب التنبؤ به، ويعتمد على العديد من العوامل المُترابطة. لكن السياسة الأمريكية تجاه إيران لا يُمكن أن تكون واحدة من أكثر السياسات تأثيراً في هذه العملية، إذ يعتمد تحسين مستقبل حقوق الإنسان، في المقام الأول، على المُواجهة بين المُدافعين عن حقوق الإنسان والمُتشدّدين مع تطور النظام».