السياسيات في الشرق الأوروبي:
من السلطة الأخلاقية إلى السلطة السياسية...؟
-- يجب الأخذ في الاعتبار وزن الفترة الشيوعية في التمثيلات ومكانة المرأة في المجتمعات المعنية
-- يشكل انتخاب رئيسة في مولدوفا، بأكثر من 57 بالمائة من الأصوات، استثناءً
-- «ثانوية» النساء في السياسة تحط من مكانتهن مع التظاهر بمنحهن دورًا حاسمًا
-- النساء والنسوية تحجبهن بسرعة المعارك السياسية التي تؤكد أنها أكثر أهمية
-- تأنيث السلطة لا يعني بالضرورة تأنيث الأجندة السياسية
رغم الوباء، الذي أجبر الكثير من البشر على الانكفاء في بيوتهم، كان عام 2020 عام الاحتجاجات والنضال من أجل الحريات. واحتلت النساء مكانهن بالكامل، لا سيما في المجتمعات التي اتسمت بحركة نسوية الدولة في القرن العشرين. لم يقتصر الأمر على أن البلدان التي تقودها النساء قد تعاملت بشكل أفضل مع كوفيد-19 -ربما ينبغي أن يُنظر إلى هذا على أنه أحد أعراض المجتمعات الحديثة أكثر من كونه سببًا مباشرًا -ولكن عندما لا يكنّ في السلطة، فإنهن مارسن سلطة قوية هذا العام. «سلطة؟” دعونا نحدد... عندما تكون السلطة على مستوى الفرد المدرج في هيكل أو جهاز، فإن السلطة هي مسألة كاريزما شخصية، أو تعتمد على عوامل أخرى مثل التهديد والفساد.
هيبة قارية لمقاومة السلطوية
تم تكريم العديد من الشخصيات النسائية الكاريزماتية من شرق القارة الاوروبية عام 2020 من خلال ثلاث جوائز مهمة: جائزة ساخاروف لحرية الفكر، وجائزة العام للمرأة الأوروبية من مجلة لينكيستا الإيطالية، وجائزة بطلة العام من الصحيفة الروسية نوفايا غازيتا. وفي كل مرة، تم الاحتفاء بشجاعة الشخصية والكاريزما الفردية والالتزام الأخلاقي بدلاً من البرنامج السياسي.
مُنحت جائزة ساخاروف للبرلمان الأوروبي، جائزة تسند منذ عام 1988 اعترافا بدور للفاعلين في تحرير أوروبا، منحت إلى المعارضة البيلاروسية، التي تتظاهر منذ 9 أغسطس ضد تحويل ألكسندر لوكاشينكو لوجهة الانتخابات الرئاسية. وكانت سفيتلانا تسيخانوفسكا، مرشحة المعارضة في هذه الانتخابات، هي التي حصلت على هذه الجائزة تحت قبة البرلمان.
عرفت كيف تجسد آمال جزء كبير من السكان، الذين سئموا من وجود رئيس في السلطة منذ عام 1994، تمثل المعارضة البيلاروسية أيضًا سفيتلانا أليكسيفتش، الكاتبة الحائزة على جائزة نوبل للآداب، وكذلك العديد من النساء اللائي كان لهن مكانة حاسمة في الحملة الانتخابية (ماريا كوليسنيكوفا وفيرونيكا تسيبكالو) كما في المظاهرات. وهكذا دافعت نينا باهينسكايا، البالغة من العمر 73 عامًا، عن العلم الأبيض والأحمر والأبيض في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع.
ليس البرلمان الأوروبي وحده الذي يحّيي شجاعة المرأة البيلاروسية والتزامها: “لا يوجد حدث في السنوات الأخيرة كان له وجه أكثر جمالا وشجاعة من التظاهرة الدائمة منذ 9 أغسطس”، قال الموقع الاخباري على الإنترنت “لينكيستا”. مستقل ولكنه قريب إلى حد ما من اليسار، منح جائزة امرأة العام الأوروبية لنساء بيلاروسيا وبولندا.
في الواقع، شهدت بولندا، جارة بيلاروسيا، حركة اجتماعية واسعة النطاق هدفها الدفاع عن الحق في الإجهاض الذي هدده حزب القانون والعدالة المحافظ المدعوم من المحكمة الدستورية. فبعد مرور أربعين عامًا على ظهور نقابة تضامن، أظهر المجتمع المدني البولندي، من خلال “إضراب النساء”، تصميمًا قويًا، وهز حكومة حزب القانون والعدالة المحافظة والمتشككة في الاتحاد الأوروبي، وحتى الكنيسة الكاثوليكية، في أسسها.
إلى الشرق أكثر، منحت صحيفة نوفايا غازيتا الروسية الليبرالية، لقب “بطل العام” الى يوليا نافالنايا. هي ليست سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن عندما تسمم زوجها أليكسي نافالني في نوفيتشوك في أغسطس 2020، كانت بجانبه. وكان هذا هو الحال، عندما تم القبض عليه لدى عودته من ألمانيا. وكما في المسيرات، وفي المستشفيات، أو مراكز الاحتجاز المختلفة، كانت مع زوجها، في خط الدعم الأول.
حضور متكتم، بقدر ما كان ضروريًا طيلة عشرين عامًا لخصم فلاديمير بوتين الأكثر نفوذاً. اعتقلت خلال مظاهرات 23 يناير، وأطلق سراحها في اليوم التالي من قبل السلطات.
في النقاشات العامة في أوروبا الشرقية، تحتلّ النساء مكانًا مهمًا ولكنه لا يزال “ثانويا”، وفقًا لتصنيفات سيمون دي بوفوار في مقدمة الجنس الثاني. إنهن الضمير الأخلاقي ضد الفساد، والمعارضات الشجاعات للسلطوية، ومتظاهرات لا يكلن ضد الرجعيين، لكنهم لم يتولوا القيادة السياسية للبلاد بعد... مقاومات، وليسوا زعيمات بعد... معارضات، لم يصلن بعد إلى السلطة... مؤثرات، لا يملكن القدرة على اتخاذ القرار.
من قوة الى سلطة؟
في هذه البانوراما، يشكل انتخاب رئيسة في مولدوفا، مايا ساندو في نوفمبر 2020، بأكثر من 57 بالمائة من الأصوات في الجولة الثانية، استثناءً. لكن تأنيث السلطة لا يعني بالضرورة تأنيث الأجندة السياسية. إنها توضح إمكانية الانتقال من الاكتفاء الذاتي في السلطة، دون مخاطر.
من وجهة النظر هذه، تعتبر الجوائز الثلاث جزءً من ديناميكيات مختلفة. على سبيل المثال، ربما كان لدى بولندا مؤخرًا رئيسة وزراء حزب القانون والعدالة (المحافظون المتشككون في الاتحاد الأوروبي ذو الميول غير الليبرالية)، بياتا سزيدلو (2015-2017)، لكن وضع المرأة لم يتحسن تحت مسؤوليتها. ثم تدهور الوضع أكثر، مما أدى إلى نشوء حركة اجتماعية غير مسبوقة منذ عدة عقود. من جانبها، تشهد بيلاروسيا تأنيثًا للمعارضة، وهو ما يجسد البديل للذكورية المجمّلة لألكسندر لوكاشينكو. ومع ذلك، فإن المطالب النسوية هي أقلية داخل الحراك، والأهم من ذلك كله هو دولة القانون (وفي الصدارة إجراء انتخابات حرة ونزيهة) في صميم مطالب المتظاهرين.
في كتابها من أجل نسوية عالمية، الذي نُشر عام 2020 في سلسلة “جمهورية الأفكار” (دار نشر لو سوي)، تؤكد مارتين ستورتي كيف أن النساء والنسوية تحجبهن بسرعة المعارك السياسية التي تؤكد أنها أكثر أهمية.
يوليا نافالناشا، تجسد الشخصية الأكثر تقليدية لـ “زوجات الديسمبريست” -زوجات نشطاء الحركات الأرستقراطية الإصلاحية الروسية عام 1825 اللاتي اتبعن أزواجهن إلى سيبيريا، رغم الضغوط الاجتماعية وفقدان ألقابهم النبيلة.
تذكّر نوفايا غازيتا أنه وراء كل رجل عظيم -تباهى أليكسي نافالني بذلك في اليومية الليبرالية الروسية -هناك امرأة، وهذا رغم أنه يذكّر بقدراتها الخاصة، لا يبدو أنه يسلط الضوء على الدور القيادي للمرأة في التاريخ. وكما أكدت سيمون دي بوفوار وإليزابيث بادينتر بإسهاب، فإن “ثانوية” النساء هذه في السياسة تحط من مكانتهن من خلال التظاهر بمنحهن دورًا حاسمًا. وهكذا نرى، ان حلم مجتمع قائم على المساواة، الذي تحمله فيرا بافلوفنا، بطلة كتاب ما العمل؟ (1862-1863) بقلم نيكولاي تشيرنيشفسكي، هو صراع طويل المدى، وخاصة الأخذ في الاعتبار وزن الفترة الشيوعية في التمثيلات ومكانة المرأة في المجتمعات المعنية.
لقد أراد النظام السوفياتي، في أيامه الأولى، تغيير مكانة المرأة في المجتمع بشكل جذري، والاعتراف بالمساواة بين المرأة والرجل. وكان هدف جينوتديل (القسم المسؤول عن عمل الحزب مع النساء) رسميا هو “تثقيف النساء بروح الاشتراكية، وإشراكهن في إدارة الاقتصاد والدولة؛ وتنسيق عملية تغيير مؤسسات الزواج والأمومة؛ وتغيير الظروف المعيشية “. وكدليل على هذه الارادة السياسية، كان الاتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تقنن الإجهاض عام 1920.
ومن بين بطلات تلك الازمنة، احتلت ألكسندرا كولونتاي (1872-1952)، ابنة الجنرال القيصري والأرستقراطي، مكانًا بارزا، كونها أول امرأة معاصرة تصبح عضوًا في الحكومة -مفوض الشعب للمساعدة العامة، وكذلك واحدة من أوائل الدبلوماسيات. ولئن تمكنت أوائل النساء اللاتي صوتن في القارة العجوز من القيام بذلك بعد الحرب العالمية الأولى (المجر، المملكة المتحدة، تشيكوسلوفاكيا، بولندا، رومانيا، ألمانيا ...)، فإنهن لم ينلن بالضرورة مناصب المسؤولية بسرعة.
ومع ذلك، على عكس غرب القارة حيث يبدو أن اتجاه التاريخ هو غزو تدريجي للمساواة، فإن نضالات النساء في الشرق الاوروبي تذكرنا بأن الحقوق لا تُكتسب بشكل كامل نهائيًا. فمع انهيار الاتحاد السوفياتي، ازداد التفاوت بين النساء والرجال بشكل كبير، وأصبحت وموضوعا مجتمعيا.
وهكذا برزت بولندا من وجهة النظر هذه: كان الإجهاض مرخصًا ومجانًا من عام 1956 إلى 1993، ولم يُقبل إلا في ثلاث حالات بعد ذلك التاريخ، قبل أن يتم طرحه بشكل مباشر أكثر عام 2020. ومع ذلك، في القرن الحادي والعشرين، إلى جانب رد الفعل التقليدي، كان على نضال النساء أن يواجه عداء الجهات الفاعلة في السلطة (على سبيل المثال العنف المنزلي) والمجتمع المدني، مقتنعين بأن هذه القضية قد تم حلها. وكسلطة أخلاقية، نرى كم ان السلطة السياسية والمسيرة نحو المساواة تبقى مسألة غزو.
*أستاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية (سيونس بو) .
**استاذ في معهد الدراسات السياسية (سيونس بو) وباحث مشارك في معهد الدراسات التجارية العليا
-- يشكل انتخاب رئيسة في مولدوفا، بأكثر من 57 بالمائة من الأصوات، استثناءً
-- «ثانوية» النساء في السياسة تحط من مكانتهن مع التظاهر بمنحهن دورًا حاسمًا
-- النساء والنسوية تحجبهن بسرعة المعارك السياسية التي تؤكد أنها أكثر أهمية
-- تأنيث السلطة لا يعني بالضرورة تأنيث الأجندة السياسية
رغم الوباء، الذي أجبر الكثير من البشر على الانكفاء في بيوتهم، كان عام 2020 عام الاحتجاجات والنضال من أجل الحريات. واحتلت النساء مكانهن بالكامل، لا سيما في المجتمعات التي اتسمت بحركة نسوية الدولة في القرن العشرين. لم يقتصر الأمر على أن البلدان التي تقودها النساء قد تعاملت بشكل أفضل مع كوفيد-19 -ربما ينبغي أن يُنظر إلى هذا على أنه أحد أعراض المجتمعات الحديثة أكثر من كونه سببًا مباشرًا -ولكن عندما لا يكنّ في السلطة، فإنهن مارسن سلطة قوية هذا العام. «سلطة؟” دعونا نحدد... عندما تكون السلطة على مستوى الفرد المدرج في هيكل أو جهاز، فإن السلطة هي مسألة كاريزما شخصية، أو تعتمد على عوامل أخرى مثل التهديد والفساد.
هيبة قارية لمقاومة السلطوية
تم تكريم العديد من الشخصيات النسائية الكاريزماتية من شرق القارة الاوروبية عام 2020 من خلال ثلاث جوائز مهمة: جائزة ساخاروف لحرية الفكر، وجائزة العام للمرأة الأوروبية من مجلة لينكيستا الإيطالية، وجائزة بطلة العام من الصحيفة الروسية نوفايا غازيتا. وفي كل مرة، تم الاحتفاء بشجاعة الشخصية والكاريزما الفردية والالتزام الأخلاقي بدلاً من البرنامج السياسي.
مُنحت جائزة ساخاروف للبرلمان الأوروبي، جائزة تسند منذ عام 1988 اعترافا بدور للفاعلين في تحرير أوروبا، منحت إلى المعارضة البيلاروسية، التي تتظاهر منذ 9 أغسطس ضد تحويل ألكسندر لوكاشينكو لوجهة الانتخابات الرئاسية. وكانت سفيتلانا تسيخانوفسكا، مرشحة المعارضة في هذه الانتخابات، هي التي حصلت على هذه الجائزة تحت قبة البرلمان.
عرفت كيف تجسد آمال جزء كبير من السكان، الذين سئموا من وجود رئيس في السلطة منذ عام 1994، تمثل المعارضة البيلاروسية أيضًا سفيتلانا أليكسيفتش، الكاتبة الحائزة على جائزة نوبل للآداب، وكذلك العديد من النساء اللائي كان لهن مكانة حاسمة في الحملة الانتخابية (ماريا كوليسنيكوفا وفيرونيكا تسيبكالو) كما في المظاهرات. وهكذا دافعت نينا باهينسكايا، البالغة من العمر 73 عامًا، عن العلم الأبيض والأحمر والأبيض في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع.
ليس البرلمان الأوروبي وحده الذي يحّيي شجاعة المرأة البيلاروسية والتزامها: “لا يوجد حدث في السنوات الأخيرة كان له وجه أكثر جمالا وشجاعة من التظاهرة الدائمة منذ 9 أغسطس”، قال الموقع الاخباري على الإنترنت “لينكيستا”. مستقل ولكنه قريب إلى حد ما من اليسار، منح جائزة امرأة العام الأوروبية لنساء بيلاروسيا وبولندا.
في الواقع، شهدت بولندا، جارة بيلاروسيا، حركة اجتماعية واسعة النطاق هدفها الدفاع عن الحق في الإجهاض الذي هدده حزب القانون والعدالة المحافظ المدعوم من المحكمة الدستورية. فبعد مرور أربعين عامًا على ظهور نقابة تضامن، أظهر المجتمع المدني البولندي، من خلال “إضراب النساء”، تصميمًا قويًا، وهز حكومة حزب القانون والعدالة المحافظة والمتشككة في الاتحاد الأوروبي، وحتى الكنيسة الكاثوليكية، في أسسها.
إلى الشرق أكثر، منحت صحيفة نوفايا غازيتا الروسية الليبرالية، لقب “بطل العام” الى يوليا نافالنايا. هي ليست سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن عندما تسمم زوجها أليكسي نافالني في نوفيتشوك في أغسطس 2020، كانت بجانبه. وكان هذا هو الحال، عندما تم القبض عليه لدى عودته من ألمانيا. وكما في المسيرات، وفي المستشفيات، أو مراكز الاحتجاز المختلفة، كانت مع زوجها، في خط الدعم الأول.
حضور متكتم، بقدر ما كان ضروريًا طيلة عشرين عامًا لخصم فلاديمير بوتين الأكثر نفوذاً. اعتقلت خلال مظاهرات 23 يناير، وأطلق سراحها في اليوم التالي من قبل السلطات.
في النقاشات العامة في أوروبا الشرقية، تحتلّ النساء مكانًا مهمًا ولكنه لا يزال “ثانويا”، وفقًا لتصنيفات سيمون دي بوفوار في مقدمة الجنس الثاني. إنهن الضمير الأخلاقي ضد الفساد، والمعارضات الشجاعات للسلطوية، ومتظاهرات لا يكلن ضد الرجعيين، لكنهم لم يتولوا القيادة السياسية للبلاد بعد... مقاومات، وليسوا زعيمات بعد... معارضات، لم يصلن بعد إلى السلطة... مؤثرات، لا يملكن القدرة على اتخاذ القرار.
من قوة الى سلطة؟
في هذه البانوراما، يشكل انتخاب رئيسة في مولدوفا، مايا ساندو في نوفمبر 2020، بأكثر من 57 بالمائة من الأصوات في الجولة الثانية، استثناءً. لكن تأنيث السلطة لا يعني بالضرورة تأنيث الأجندة السياسية. إنها توضح إمكانية الانتقال من الاكتفاء الذاتي في السلطة، دون مخاطر.
من وجهة النظر هذه، تعتبر الجوائز الثلاث جزءً من ديناميكيات مختلفة. على سبيل المثال، ربما كان لدى بولندا مؤخرًا رئيسة وزراء حزب القانون والعدالة (المحافظون المتشككون في الاتحاد الأوروبي ذو الميول غير الليبرالية)، بياتا سزيدلو (2015-2017)، لكن وضع المرأة لم يتحسن تحت مسؤوليتها. ثم تدهور الوضع أكثر، مما أدى إلى نشوء حركة اجتماعية غير مسبوقة منذ عدة عقود. من جانبها، تشهد بيلاروسيا تأنيثًا للمعارضة، وهو ما يجسد البديل للذكورية المجمّلة لألكسندر لوكاشينكو. ومع ذلك، فإن المطالب النسوية هي أقلية داخل الحراك، والأهم من ذلك كله هو دولة القانون (وفي الصدارة إجراء انتخابات حرة ونزيهة) في صميم مطالب المتظاهرين.
في كتابها من أجل نسوية عالمية، الذي نُشر عام 2020 في سلسلة “جمهورية الأفكار” (دار نشر لو سوي)، تؤكد مارتين ستورتي كيف أن النساء والنسوية تحجبهن بسرعة المعارك السياسية التي تؤكد أنها أكثر أهمية.
يوليا نافالناشا، تجسد الشخصية الأكثر تقليدية لـ “زوجات الديسمبريست” -زوجات نشطاء الحركات الأرستقراطية الإصلاحية الروسية عام 1825 اللاتي اتبعن أزواجهن إلى سيبيريا، رغم الضغوط الاجتماعية وفقدان ألقابهم النبيلة.
تذكّر نوفايا غازيتا أنه وراء كل رجل عظيم -تباهى أليكسي نافالني بذلك في اليومية الليبرالية الروسية -هناك امرأة، وهذا رغم أنه يذكّر بقدراتها الخاصة، لا يبدو أنه يسلط الضوء على الدور القيادي للمرأة في التاريخ. وكما أكدت سيمون دي بوفوار وإليزابيث بادينتر بإسهاب، فإن “ثانوية” النساء هذه في السياسة تحط من مكانتهن من خلال التظاهر بمنحهن دورًا حاسمًا. وهكذا نرى، ان حلم مجتمع قائم على المساواة، الذي تحمله فيرا بافلوفنا، بطلة كتاب ما العمل؟ (1862-1863) بقلم نيكولاي تشيرنيشفسكي، هو صراع طويل المدى، وخاصة الأخذ في الاعتبار وزن الفترة الشيوعية في التمثيلات ومكانة المرأة في المجتمعات المعنية.
لقد أراد النظام السوفياتي، في أيامه الأولى، تغيير مكانة المرأة في المجتمع بشكل جذري، والاعتراف بالمساواة بين المرأة والرجل. وكان هدف جينوتديل (القسم المسؤول عن عمل الحزب مع النساء) رسميا هو “تثقيف النساء بروح الاشتراكية، وإشراكهن في إدارة الاقتصاد والدولة؛ وتنسيق عملية تغيير مؤسسات الزواج والأمومة؛ وتغيير الظروف المعيشية “. وكدليل على هذه الارادة السياسية، كان الاتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تقنن الإجهاض عام 1920.
ومن بين بطلات تلك الازمنة، احتلت ألكسندرا كولونتاي (1872-1952)، ابنة الجنرال القيصري والأرستقراطي، مكانًا بارزا، كونها أول امرأة معاصرة تصبح عضوًا في الحكومة -مفوض الشعب للمساعدة العامة، وكذلك واحدة من أوائل الدبلوماسيات. ولئن تمكنت أوائل النساء اللاتي صوتن في القارة العجوز من القيام بذلك بعد الحرب العالمية الأولى (المجر، المملكة المتحدة، تشيكوسلوفاكيا، بولندا، رومانيا، ألمانيا ...)، فإنهن لم ينلن بالضرورة مناصب المسؤولية بسرعة.
ومع ذلك، على عكس غرب القارة حيث يبدو أن اتجاه التاريخ هو غزو تدريجي للمساواة، فإن نضالات النساء في الشرق الاوروبي تذكرنا بأن الحقوق لا تُكتسب بشكل كامل نهائيًا. فمع انهيار الاتحاد السوفياتي، ازداد التفاوت بين النساء والرجال بشكل كبير، وأصبحت وموضوعا مجتمعيا.
وهكذا برزت بولندا من وجهة النظر هذه: كان الإجهاض مرخصًا ومجانًا من عام 1956 إلى 1993، ولم يُقبل إلا في ثلاث حالات بعد ذلك التاريخ، قبل أن يتم طرحه بشكل مباشر أكثر عام 2020. ومع ذلك، في القرن الحادي والعشرين، إلى جانب رد الفعل التقليدي، كان على نضال النساء أن يواجه عداء الجهات الفاعلة في السلطة (على سبيل المثال العنف المنزلي) والمجتمع المدني، مقتنعين بأن هذه القضية قد تم حلها. وكسلطة أخلاقية، نرى كم ان السلطة السياسية والمسيرة نحو المساواة تبقى مسألة غزو.
*أستاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية (سيونس بو) .
**استاذ في معهد الدراسات السياسية (سيونس بو) وباحث مشارك في معهد الدراسات التجارية العليا