خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
تعدّ موسكو شريكًا رئيسيًا وتحديًا:
من ميركل إلى شولتز، أية سياسة روسية لألمانيا...؟
-- ستكون التطورات في الثنائي الفرنسي -الألماني حاسمة أيضًا في السياسة الروسية للاتحاد الأوروبي
-- كانت الميركلية بمثابة لقاء بين دعم الليبرالية السياسية في روســيا والدعـم المســتمر للمصالـح التجارية الألمانية
-- تعتبر العلاقة مع روسيا من رهانات السياسة الداخلية، وهي أيضًــا رهــان يتعلق بالســياسة الخارجية الألمانية
-- تشكل العلاقات بين ألمانيا وروسيا تحديًا رئيسيًا لأمن واستقرار القارة العجوز
بالنسبة لبرلين، تعد موسكو، في نفس الوقت، شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا وتحديًا استراتيجيًا متكررًا وموضوعًا للجدل في السياسة الداخلية.
على مدار فترات ولايتها الأربع في المستشارية منذ عام 2005، طورت أنجيلا ميركل واقعية سياسية روسية موضوعة تحت العلامة المزدوجة للبراغماتية الاقتصادية، ان لم نقل ميركانتيلية ويقظة استراتيجية. لقد جمعت بين تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشركات الروسية، والتي يعد مشروع نورد ستريم 2 أبسط تجسيد لها، والتضامن مع فرنسا لاقتراح سياسة عقوبات تجاه روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. فهل سيكون خليفتها وريثها في الأمر؟ لا شيء مؤكد.
شولتز، وريث براندت وشميت؟
في 26 سبتمبر، أدت نتائج الانتخابات العامة الألمانية إلى تشكيل ائتلاف برلماني جديد مكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والليبراليين. “ائتلاف إشارات المرور هذا”، يقوم على أغلبية برلمانية تبلغ 416 مقعدًا من أصل 725 مقعدًا في البوندستاغ، مقابل اتحاد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي-الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الذي لا يزال قويًا بـ 197 مقعدًا.
منذئذ، عملت قيادات هذه الأحزاب الثلاثة بجد لبناء خط سياسي يتلخص في عقد ائتلافي. ورغم التقاليد العقائدية ووجهات النظر الدولية المختلفة، أدى هذا العقد إلى تشكيل جهاز تنفيذي جديد لقلب صفحة ميركل.
يُعدّ توزيع المناصب أمرًا اساسيًا: سيتم تحديد السياسة الروسية لألمانيا بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي سيقود المستشارية والدفاع، والخضر، الذين سيستعيدون حقيبة الشؤون الخارجية، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من يوشكا فيشر، الذي ترك بصمته على وزارة الخارجية الالمانية وطبعها بشكل دائم حتى عام 2005.
غالبًا ما يكون هذان الحزبان في ائتلاف على المستوى الفيدرالي وكذلك على مستوى الولايات.
لكن لهما تراث وآفاق جيوسياسية غير متجانسة بل وحتى متباينة، ويتنزّل المستشار الجديد أولاف شولتز، في تيّار ويلي براندت وهيلموت شميت. لقد طوّر مستشارا الحرب الباردة سياسة حقيقية من الانفتاح والوفاق (“التغيير من خلال التقارب”، التي أشاعها المستشار السياسي لويلي براندت، إيغون باهر) في شرق البلاد.
نشأت سياسة الشرق هذه، من تحليل واقعي للمواجهة بين الشرق والغرب، وتهدف إلى تهدئة معينة مع الاتحاد السوفياتي باسم سلمية الدولة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فضلاً عن الإرادة السياسية لتحمّل ألمانيا الاتحادية المسؤولية التاريخية عن جرائم الرايخ الثالث (ولا سيما ضد بولندا).
ان المستشار الجديد هو وريثهما حتى لو تغيّر السياق الجيوسياسي بشكل جذري: عمدة هامبورغ من 2011 إلى 2018، قاد توأمة بلديّته الهانزية مع سانت بطرسبرغ تحت حكم فلاديمير بوتين. لكن هذا لم يقده الى التعامل بطريقة مهمة مع الشركاء الاقتصاديين الروس.
الأطلسية غير
المتوقعة للخضر
على عكس سياسة الشرق، هاجمت أنالينا بربوك، زعيمة حزب الخضر منذ عام 2018، بشدة افتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، وهو مشروع دفعه المستشار السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر (1998-2005)، وعضو مجلس إدارة بنك غازبروم، ودعمته أنجيلا ميركل رغم ضغوط الولايات المتحدة وانتقادات بولندا.
أنالينا بربوك، الموعودة بوزارة الخارجية في حكومة شولتز، تدعو اليوم إلى سياسة هجومية أكثر تجاه روسيا: ستفكر بشكل خاص في دعم ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. يا لها من مفارقة بالنسبة للخضر، الذين يتميز تيارهم غالبا بالحذر من تحالف ألمانيا مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمسألة القواعد العسكرية على الأراضي الألمانية!
حصاد ميركل
ونتائجه والتباسه
هل هذا يعني أن السياسة الروسية للمستشارة السابقة ستصبح قريباً من الماضي؟ في تعاملها مع روسيا بوتين، تمتعت أنجيلا ميركل بميزة لا تضاهى، وهي المعرفة المباشرة بروسيا والتراث السوفياتي والجغرافيا السياسية لأوروبا الشرقية. ناطقة بالروسية، ولدت في ألمانيا الشرقية، وتدربت أيضًا في تشيكوسلوفاكيا، كانت على دراية بردود الفعل السياسية الروسية وطموحات موسكو.
وبفضل هذه التجربة، وطول عمرها في المستشارية، نجحت أنجيلا ميركل في ترسيخ نفسها في ميزان القوى مع فلاديمير بوتين. ولئن استمرت في تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية، فقد تبنت، اعتبارًا من عام 2014، موقفًا متشددًا بشأن أوكرانيا.
قوية بالتحالف الصلب مع الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين، نجحت في رصّ صفوف الاتحاد الأوروبي حول سياسة العقوبات ضد ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، والقمع السياسي ضد أنصار أليكسي نافالني. كما نددت بالتدخل السياسي، والتأثير السلبي المزعزع للاستقرار والمتحيز، لوسائل الإعلام الروسية، والاختراق الالكتروني للبوندستاغ، أو اغتيال قائد شيشاني سابق في برلين، بل واستقبلت أليكسي نافالني بعد تسميمه بغاز الأعصاب من قبل عملاء من المخابرات العسكرية الروسية.
في روسيا، تمت الإشادة بممارسة أنجيلا ميركل للسلطة باعتبارها فترة استقرار ووضوح. ويربط أستاذ العلوم السياسية دميتريج ترينين، من كارنيجي موسكو، هذه السنوات الخمس عشرة في السلطة بثلاثة اتجاهات: أولاً، تأكيد التوجه الأطلسي لألمانيا. ثانياً: حصول ألمانيا على مكانة متميزة داخل الاتحاد الأوروبي. وأخيرًا، أشار إلى وجود مسافة مع روســــــيا، ويرجــــــع ذلك إلى حد كبير إلى الصراع في أوكرانيا، مع الحفـاظ على التواصل معها.
لقد كانت الميركلية اذن، هي الالتقاء بين دعم الليبرالية السياسية في روسيا والدعم المستمر للمصالح التجارية الألمانية، باختصار، سياسة خارجيــــة براغماتية إلى حد ما. لقد اعتبرت أنجيلا ميركل روسيا لاعبًا دوليًا مهمًا، املة في علاقة قوية ومستقرة تكون مواتية للقارة بأكملها -وقبل كل شيء لمجتمع الأعمال الألماني، ومؤيدة جدًا لتخفيف العقوبات (على غرار اللجنة الشرقية للاقتصاد الألماني، هيئة اللوبيينغ الثنائية الرئيسية). لكنها لم تفقد الاهتمام بمصير أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وتطلعاتهم الأوروبية.
من السياسة الداخلية
إلى السياسة الخارجية
كيف سيجد الائتلاف الجديد نقطة توازن بين هذه الاتجاهات المختلفة: الاستمرارية مع الميركلية، وتأكيد أوروبا أكثر سيادة في مواجهة روسيا، وتماسك الأغلبية الجديدة، وإرث السياسة الشرقية؟ تعتبر العلاقة مع روسيا من رهانات السياسة الداخلية، وهي أيضًا رهان يتعلق بالسياسة الخارجية الألمانية.
وقد أكدت الأغلبية الجديدة في عقدها الائتلافي، رغبتها في التحرك في اتجاه سياسة أوروبية أكثر سيادية.
يجب أن تكون هذه الأخيرة “أقل عرضة للخطر في المجالات الاستراتيجية الهامة، مثل إمدادات الطاقة والصحة وواردات المـواد الخام والتكنولوجيا الرقمية، دون عزل أوروبا”.
وعلى عكس فرنسا، فإن مسألة القوات المسلحة ومسألة برامج التسلح، لم يتم ذكرها مباشرة في هذه الوثيقة التأسيسية لفترة تولي السلطة.
هل في هذا ضمان للقدرة على إجراء حوار بنّاء مع روسيا في ظل احترام الشركاء الأوروبيين (دول البلطيق على وجه الخصوص)، الذين يختلف تصورهم للتهديد لأسباب جغرافية وتاريخية؟
كان الهدف الرئيسي لسياسة ويلي براندت، هو الاعتراف بحرمة الحدود الناتجة عن نهاية الحرب العالمية الثانية، وتطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وتكثيف العلاقات الاقتصادية مع دول الكوميكون، وإعادة إقامة مناخ الانفراج مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حتى لا يغلق خيار إعادة التوحيد:
أدى ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في أوكرانيا، إلى التشكيك في المبدأ الويستفالي الأول.
وبحسب أولاف شولتز، “مع ذلك، نحتاج إلى سياسة شرق جديــــــدة، أوروبية هذه المرة، تأخذ في الحسبان مصالح روسيا”.
وفي غياب اتفاق بشأن القضايا الأمنية قصيرة المدى، سيتم السعي إلى التعاون في مجالات مثل الهيدروجين أو الصحة. ويهدف عقد الائتلاف إلى خلق إمكانية السفر بدون تأشيرة من روسيا إلى ألمانيا لمجموعات مستهدفة ذات أهمية خاصة، من أجل التقريب بين المجتمعات المدنية.
والثنائي الفرنسي الألماني؟
بينما يؤكـد عقد التحالف على السلام وحقوق الإنسان ومنع النزاعات ومكافحــــــة تغير المنـاخ، تشكل العلاقات بين ألمانيا وروسيا تحديًا رئيسيًا لأمن واســــتقرار القارة العجوز.
ويبقى مجهول في هذه المعادلة الجيوسياسية: مكان فرنسا. ستكون التطورات في الثنائي الفرنسي -الألماني حاسمة أيضًا في السياسة الروسية للاتحاد الأوروبي.
في برلين، سجلت السياسة الفرنسية بعض النتائج، لا سيما معارضة أي إعادة نظر في الحدود. لكن محاولات التعاون الفرنسي الروسي التي أطلقها فرانسوا هولاند ثم إيمانويل ماكرون، تبدو محكوم عليها بالفشل في نظر السياسيين الألمان: عام 2015، لم يسفر التعاون العسكري في بلاد الشام عن نتائج ملموسة؛ ولم يكلل حوار تريانون بالنجاح أيضًا، تمامًا كما بقيت يد الرئيس الفرنسي الممدودة لنظيره الروسي دون متابعة ملموسة.
عام 2022، على الأقل في النصف الأول من العام، سيكون الأمر متروكًا للمستشار الجديد بشكل أساسي لتحديد النغمة في العلاقات مع روسيا.
ستركز فرنسا في الواقع على الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية والتشريعية. ومن بين الزعماء الأوروبيين، سيظهر أولاف شولتز في موسكو على أنه يتمتع بالصلابة وطول العمر السياسي الكافي للتأثير.
وبين سياسة شرقية موروثة ومعتمدة وكأنها الحمض النووي الاشتراكي الديمقراطي في مسائل السياسة الخارجية، والأطلسية المتجددة والطقسية، وثنائي فرنسي-ألماني صهرته العقوبات والوعي بالتهديدات الخارجية، ومراعاة مخاوف دول البلطيق وبولندا، التي تحافظ معها الدبلوماسية الألمانية على “علاقة خاصة”، سيكون أولاف شولتز في مهمّة صعبة لتأكيد، ولا شك لتطوير، سياسته الألمانية الروسية في حقل الاكراهات هذا المعقد.
أما بالنسبة للصين، فستتمثل الصعوبة في التحكيم بين ثقل المصالح الاقتصادية والبصمة التجارية الكبيرة للشركات الألمانية في روسيا، وتأكيد القيم السياسية الواضحة (بشأن حقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون، والتدخل السياسي، إلخ.).
وإلا، فسيعيد شولتز بلاده إلى مكانة العملاق الاقتصادي والقزم الاستراتيجي التي مزقتها المستشارة، مع خطر أن يستخدمه الكرملين كزاوية مزروعة في علاقته مع الاتحاد الأوروبي.
ترجمة خيرة الشيباني
* استاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
**الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، واستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، باحث مشارك في المركز الجغراسياسي للمدرسة العليا للتجارة.
-- كانت الميركلية بمثابة لقاء بين دعم الليبرالية السياسية في روســيا والدعـم المســتمر للمصالـح التجارية الألمانية
-- تعتبر العلاقة مع روسيا من رهانات السياسة الداخلية، وهي أيضًــا رهــان يتعلق بالســياسة الخارجية الألمانية
-- تشكل العلاقات بين ألمانيا وروسيا تحديًا رئيسيًا لأمن واستقرار القارة العجوز
بالنسبة لبرلين، تعد موسكو، في نفس الوقت، شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا وتحديًا استراتيجيًا متكررًا وموضوعًا للجدل في السياسة الداخلية.
على مدار فترات ولايتها الأربع في المستشارية منذ عام 2005، طورت أنجيلا ميركل واقعية سياسية روسية موضوعة تحت العلامة المزدوجة للبراغماتية الاقتصادية، ان لم نقل ميركانتيلية ويقظة استراتيجية. لقد جمعت بين تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشركات الروسية، والتي يعد مشروع نورد ستريم 2 أبسط تجسيد لها، والتضامن مع فرنسا لاقتراح سياسة عقوبات تجاه روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. فهل سيكون خليفتها وريثها في الأمر؟ لا شيء مؤكد.
شولتز، وريث براندت وشميت؟
في 26 سبتمبر، أدت نتائج الانتخابات العامة الألمانية إلى تشكيل ائتلاف برلماني جديد مكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والليبراليين. “ائتلاف إشارات المرور هذا”، يقوم على أغلبية برلمانية تبلغ 416 مقعدًا من أصل 725 مقعدًا في البوندستاغ، مقابل اتحاد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي-الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الذي لا يزال قويًا بـ 197 مقعدًا.
منذئذ، عملت قيادات هذه الأحزاب الثلاثة بجد لبناء خط سياسي يتلخص في عقد ائتلافي. ورغم التقاليد العقائدية ووجهات النظر الدولية المختلفة، أدى هذا العقد إلى تشكيل جهاز تنفيذي جديد لقلب صفحة ميركل.
يُعدّ توزيع المناصب أمرًا اساسيًا: سيتم تحديد السياسة الروسية لألمانيا بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي سيقود المستشارية والدفاع، والخضر، الذين سيستعيدون حقيبة الشؤون الخارجية، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من يوشكا فيشر، الذي ترك بصمته على وزارة الخارجية الالمانية وطبعها بشكل دائم حتى عام 2005.
غالبًا ما يكون هذان الحزبان في ائتلاف على المستوى الفيدرالي وكذلك على مستوى الولايات.
لكن لهما تراث وآفاق جيوسياسية غير متجانسة بل وحتى متباينة، ويتنزّل المستشار الجديد أولاف شولتز، في تيّار ويلي براندت وهيلموت شميت. لقد طوّر مستشارا الحرب الباردة سياسة حقيقية من الانفتاح والوفاق (“التغيير من خلال التقارب”، التي أشاعها المستشار السياسي لويلي براندت، إيغون باهر) في شرق البلاد.
نشأت سياسة الشرق هذه، من تحليل واقعي للمواجهة بين الشرق والغرب، وتهدف إلى تهدئة معينة مع الاتحاد السوفياتي باسم سلمية الدولة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فضلاً عن الإرادة السياسية لتحمّل ألمانيا الاتحادية المسؤولية التاريخية عن جرائم الرايخ الثالث (ولا سيما ضد بولندا).
ان المستشار الجديد هو وريثهما حتى لو تغيّر السياق الجيوسياسي بشكل جذري: عمدة هامبورغ من 2011 إلى 2018، قاد توأمة بلديّته الهانزية مع سانت بطرسبرغ تحت حكم فلاديمير بوتين. لكن هذا لم يقده الى التعامل بطريقة مهمة مع الشركاء الاقتصاديين الروس.
الأطلسية غير
المتوقعة للخضر
على عكس سياسة الشرق، هاجمت أنالينا بربوك، زعيمة حزب الخضر منذ عام 2018، بشدة افتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، وهو مشروع دفعه المستشار السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر (1998-2005)، وعضو مجلس إدارة بنك غازبروم، ودعمته أنجيلا ميركل رغم ضغوط الولايات المتحدة وانتقادات بولندا.
أنالينا بربوك، الموعودة بوزارة الخارجية في حكومة شولتز، تدعو اليوم إلى سياسة هجومية أكثر تجاه روسيا: ستفكر بشكل خاص في دعم ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. يا لها من مفارقة بالنسبة للخضر، الذين يتميز تيارهم غالبا بالحذر من تحالف ألمانيا مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمسألة القواعد العسكرية على الأراضي الألمانية!
حصاد ميركل
ونتائجه والتباسه
هل هذا يعني أن السياسة الروسية للمستشارة السابقة ستصبح قريباً من الماضي؟ في تعاملها مع روسيا بوتين، تمتعت أنجيلا ميركل بميزة لا تضاهى، وهي المعرفة المباشرة بروسيا والتراث السوفياتي والجغرافيا السياسية لأوروبا الشرقية. ناطقة بالروسية، ولدت في ألمانيا الشرقية، وتدربت أيضًا في تشيكوسلوفاكيا، كانت على دراية بردود الفعل السياسية الروسية وطموحات موسكو.
وبفضل هذه التجربة، وطول عمرها في المستشارية، نجحت أنجيلا ميركل في ترسيخ نفسها في ميزان القوى مع فلاديمير بوتين. ولئن استمرت في تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية، فقد تبنت، اعتبارًا من عام 2014، موقفًا متشددًا بشأن أوكرانيا.
قوية بالتحالف الصلب مع الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين، نجحت في رصّ صفوف الاتحاد الأوروبي حول سياسة العقوبات ضد ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، والقمع السياسي ضد أنصار أليكسي نافالني. كما نددت بالتدخل السياسي، والتأثير السلبي المزعزع للاستقرار والمتحيز، لوسائل الإعلام الروسية، والاختراق الالكتروني للبوندستاغ، أو اغتيال قائد شيشاني سابق في برلين، بل واستقبلت أليكسي نافالني بعد تسميمه بغاز الأعصاب من قبل عملاء من المخابرات العسكرية الروسية.
في روسيا، تمت الإشادة بممارسة أنجيلا ميركل للسلطة باعتبارها فترة استقرار ووضوح. ويربط أستاذ العلوم السياسية دميتريج ترينين، من كارنيجي موسكو، هذه السنوات الخمس عشرة في السلطة بثلاثة اتجاهات: أولاً، تأكيد التوجه الأطلسي لألمانيا. ثانياً: حصول ألمانيا على مكانة متميزة داخل الاتحاد الأوروبي. وأخيرًا، أشار إلى وجود مسافة مع روســــــيا، ويرجــــــع ذلك إلى حد كبير إلى الصراع في أوكرانيا، مع الحفـاظ على التواصل معها.
لقد كانت الميركلية اذن، هي الالتقاء بين دعم الليبرالية السياسية في روسيا والدعم المستمر للمصالح التجارية الألمانية، باختصار، سياسة خارجيــــة براغماتية إلى حد ما. لقد اعتبرت أنجيلا ميركل روسيا لاعبًا دوليًا مهمًا، املة في علاقة قوية ومستقرة تكون مواتية للقارة بأكملها -وقبل كل شيء لمجتمع الأعمال الألماني، ومؤيدة جدًا لتخفيف العقوبات (على غرار اللجنة الشرقية للاقتصاد الألماني، هيئة اللوبيينغ الثنائية الرئيسية). لكنها لم تفقد الاهتمام بمصير أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وتطلعاتهم الأوروبية.
من السياسة الداخلية
إلى السياسة الخارجية
كيف سيجد الائتلاف الجديد نقطة توازن بين هذه الاتجاهات المختلفة: الاستمرارية مع الميركلية، وتأكيد أوروبا أكثر سيادة في مواجهة روسيا، وتماسك الأغلبية الجديدة، وإرث السياسة الشرقية؟ تعتبر العلاقة مع روسيا من رهانات السياسة الداخلية، وهي أيضًا رهان يتعلق بالسياسة الخارجية الألمانية.
وقد أكدت الأغلبية الجديدة في عقدها الائتلافي، رغبتها في التحرك في اتجاه سياسة أوروبية أكثر سيادية.
يجب أن تكون هذه الأخيرة “أقل عرضة للخطر في المجالات الاستراتيجية الهامة، مثل إمدادات الطاقة والصحة وواردات المـواد الخام والتكنولوجيا الرقمية، دون عزل أوروبا”.
وعلى عكس فرنسا، فإن مسألة القوات المسلحة ومسألة برامج التسلح، لم يتم ذكرها مباشرة في هذه الوثيقة التأسيسية لفترة تولي السلطة.
هل في هذا ضمان للقدرة على إجراء حوار بنّاء مع روسيا في ظل احترام الشركاء الأوروبيين (دول البلطيق على وجه الخصوص)، الذين يختلف تصورهم للتهديد لأسباب جغرافية وتاريخية؟
كان الهدف الرئيسي لسياسة ويلي براندت، هو الاعتراف بحرمة الحدود الناتجة عن نهاية الحرب العالمية الثانية، وتطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وتكثيف العلاقات الاقتصادية مع دول الكوميكون، وإعادة إقامة مناخ الانفراج مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حتى لا يغلق خيار إعادة التوحيد:
أدى ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في أوكرانيا، إلى التشكيك في المبدأ الويستفالي الأول.
وبحسب أولاف شولتز، “مع ذلك، نحتاج إلى سياسة شرق جديــــــدة، أوروبية هذه المرة، تأخذ في الحسبان مصالح روسيا”.
وفي غياب اتفاق بشأن القضايا الأمنية قصيرة المدى، سيتم السعي إلى التعاون في مجالات مثل الهيدروجين أو الصحة. ويهدف عقد الائتلاف إلى خلق إمكانية السفر بدون تأشيرة من روسيا إلى ألمانيا لمجموعات مستهدفة ذات أهمية خاصة، من أجل التقريب بين المجتمعات المدنية.
والثنائي الفرنسي الألماني؟
بينما يؤكـد عقد التحالف على السلام وحقوق الإنسان ومنع النزاعات ومكافحــــــة تغير المنـاخ، تشكل العلاقات بين ألمانيا وروسيا تحديًا رئيسيًا لأمن واســــتقرار القارة العجوز.
ويبقى مجهول في هذه المعادلة الجيوسياسية: مكان فرنسا. ستكون التطورات في الثنائي الفرنسي -الألماني حاسمة أيضًا في السياسة الروسية للاتحاد الأوروبي.
في برلين، سجلت السياسة الفرنسية بعض النتائج، لا سيما معارضة أي إعادة نظر في الحدود. لكن محاولات التعاون الفرنسي الروسي التي أطلقها فرانسوا هولاند ثم إيمانويل ماكرون، تبدو محكوم عليها بالفشل في نظر السياسيين الألمان: عام 2015، لم يسفر التعاون العسكري في بلاد الشام عن نتائج ملموسة؛ ولم يكلل حوار تريانون بالنجاح أيضًا، تمامًا كما بقيت يد الرئيس الفرنسي الممدودة لنظيره الروسي دون متابعة ملموسة.
عام 2022، على الأقل في النصف الأول من العام، سيكون الأمر متروكًا للمستشار الجديد بشكل أساسي لتحديد النغمة في العلاقات مع روسيا.
ستركز فرنسا في الواقع على الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية والتشريعية. ومن بين الزعماء الأوروبيين، سيظهر أولاف شولتز في موسكو على أنه يتمتع بالصلابة وطول العمر السياسي الكافي للتأثير.
وبين سياسة شرقية موروثة ومعتمدة وكأنها الحمض النووي الاشتراكي الديمقراطي في مسائل السياسة الخارجية، والأطلسية المتجددة والطقسية، وثنائي فرنسي-ألماني صهرته العقوبات والوعي بالتهديدات الخارجية، ومراعاة مخاوف دول البلطيق وبولندا، التي تحافظ معها الدبلوماسية الألمانية على “علاقة خاصة”، سيكون أولاف شولتز في مهمّة صعبة لتأكيد، ولا شك لتطوير، سياسته الألمانية الروسية في حقل الاكراهات هذا المعقد.
أما بالنسبة للصين، فستتمثل الصعوبة في التحكيم بين ثقل المصالح الاقتصادية والبصمة التجارية الكبيرة للشركات الألمانية في روسيا، وتأكيد القيم السياسية الواضحة (بشأن حقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون، والتدخل السياسي، إلخ.).
وإلا، فسيعيد شولتز بلاده إلى مكانة العملاق الاقتصادي والقزم الاستراتيجي التي مزقتها المستشارة، مع خطر أن يستخدمه الكرملين كزاوية مزروعة في علاقته مع الاتحاد الأوروبي.
ترجمة خيرة الشيباني
* استاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
**الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، واستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، باحث مشارك في المركز الجغراسياسي للمدرسة العليا للتجارة.