رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس بنين ورئيسة الاتحاد السويسري بذكرى اليوم الوطني لبلديهما
مناقشة رواية «حدائق الرئيس» في ندوة الثقافة والعلوم
عقد صالون القراءة في ندوة الثقافة والعلوم جلسة مناقشة لرواية “حدائق الرئيس” للكاتب العراقي محسن الرملي، والذي بدأ النشر سنة 1983، وحاز على جوائز محلية للشباب في القصة. عمل في الصحافة ( كاتباً ومراسلاً ومحرراً ثقافياً) في العراق والأردن وإسبانيا. وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة الثقافية في مختلف الصحف العربية داخل الوطن العربي وخارجه، وفي بعض الصحف الإسبانية. يقيم في إسبانيا منذ عام 1995.
وكان ضيف شرف الأمسية الناقد المصري د. صلاح فضل وبحضور علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة وصالحة عبيد عضو مجلس الإدارة، ود. مريم الهاشمي، وفتحية النمر، وزينة الشامي وهالة عادل ونادر مكانسي وكريمة السعدي وأحمد علي وإسماعيل السويدي وعائشة الزعابي وجمع من المهتمين.
أدارت النقاش الكاتب وعضو مجلس إدارة الندوة ورئيس اللجنة الثقافية عائشة سلطان مستعرضة الرواية وممازجتها بين الواقع والتاريخ والتخيل الأدبي، والتي تشكل جزء من تاريخ العراق فمنذ المقدمة يهدي الكاتب الرواية لأرواح أبطال الرواية، وأكدت عائشة سلطان أن الرواية بقدر انغماسها في التاريخ إلا أنها توسعت في سرد وتشريح الشخصيات فبقدر ما لامس العمل جزء من الواقع إلا أن جوهر الفن والأدب التخيل الذي يضفي مزيدا من التشويق والجاذبية للعمل الأدبي، وأضافت عائشة أن الكاتب أحكم إغلاق دائرة الرواية بسوداوية منهكة فيما المفترض من العمل الأدبي أن يمنح القارئ بصيص من الأمل.
وأكد الناقد د. صلاح فضل أن الرواية الواقعية كانت سيدة المشهد العربي، ومع المحن الكثيرة التي مر بها العراق ازداد حضور الرواية والسرد في الأدب العراقي، ورواية “حدائق الرئيس، تمس 4 عناصر جوهرية، العنصر الأول تصوير حياة الأطفال الأصدقاء الثلاثة في القرية وهم يتعايشون معاً، والعنصر الثاني عندما تقدم بهم العمر ورغم الحب بينهم إلا أنه يظهر في علاقتهم بعض من الغيرة والتأمر عندما يرفض أحدهم أن يزوج صديقه لشقيقته، والعنصر الثالث عندما يأسر أحد الأصدقاء ويستعرض المصاعب التي تعرض لها العراقيون في الأسر أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وتصوير الصراع الطائفي والإيديولوجي. وكان العنصر الأخير هو ذلك البستاني الذي كان يذهب إليه أحد الأصدقاء الثلاثة ليكون حفاراً للقبور وبدلاً من أن يزرع الورد كان يدفن الجماجم في حدائق الرئيس.
وأضاف فضل أن الرواية تظهر الوجه البشع للديكتاتورية عندما تبلغ ذروة عنفها ودمويتها، وذلك ما تجلى في مشهد افتتاح الرواية عندما أتت الصناديق التسعة المحملة بالموز وفي كل صندوق يوجد رأس مشوهة لأحد أبناء البلدة، وأوضح أن الكاتب استخدم بعض المفردات السردية في وظف تلك الروح الدموية، من خلال الميراث الثقيل الذي ورثه العراق من محن امتدت لعقود متواصلة. وأكد فضل أن الرواية من أكثر روايات الكاتب تكثيف وشعرية مما أضفى عليها مسحة جمالية وذائقة أدبية يشهد لها.
وأضافت الكاتبة والناقدة زينة الشامي أن الشكل الدائري في الرواية حيث تفتتح بمشهد دموي وتختم بنفس المشهد فيه إقرار باستمرارية الواقع والمأساة، لأن الدائرة توحي الغرق في المأساة والظلم وهذا جزء مما شهده الواقع العراقي، إلا أن الرواية راوحت بين الواقعية والرمزية في كثير من المشاهد، حتى أن العنوان نفسه في كلمة حدائق يأخذنا إلى ما تشتهر به العراق من حدائق بابل إلا أننا نجد أنفسنا في حدائق دموية.
وأكد علي عبيد الهاملي أن أسلوب الكاتب فيه كثير من السوداوية التي تكون وجهة نظر الكاتب، ولكن الملاحظة أن الرواية تؤرخ لمرحلة زمنية محددة منذ عام 1959 تاريخ مولد أبطال الرواية حتى عام 2003 والذي انتهى أيضاً بغزو العراق، وطوال هذه العقود الأربعة تدور الأحداث التي شكلت نسيج الرواية،
وأضاف عبيد أن الكاتب بدأ الرواية باستيقاظ سكان القرية على تلك الصناديق الأربعة ومن خلال ذلك المشهد بدأ بسرد الأحداث (فلاش باك) ويرى عبيد أن زبدة الرواية يلخصها عبدالله كافكا في معرفة الجثث وأصحابهم، وكيفية التخلص من الطغاة سارقي الأوطان والذين وإن رحلوا سيأتي غيرهم من الطغاة لتدور الدائرة نفسها.
وذكرت صالحة عبيد أن العمل يؤرخ لمرحلة من التاريخ العراقي بدأً من الفترة التي تسبق الحرب العراقية الإيرانية مرورا بغزو الكويت والثورة العراقية على النظام البعثي بعد الغزو وكيفية إخمادها.. انتهاء بما يعقب الاجتياح الأمريكي للعراق بقليل.. فترة تمتد حتى الربع قرن بكل حروبه وقسوته ومآسيه الإنسانية بطريقة شخوصه البسيطة ذاتها.. ودون أن يحاول مجرد محاولة أن يقحم الأفكار في رأسك بفظاظة.. إنه لمن المدهش أن يحمل أحدهم وطنه كل هذا الوقت بكل تناقضاته في قلبه بصورة لا تحمل ذلك التنكر أو السخط أو محاولات التبرير أو إظهار أي ازدواجية أو تخبط.
وأضافت صالحة أن الحوارات سلسة ورشيقة وتؤدي الغرض الذي وجدت لأجله بإتقان دون حشو أو ثرثرة فارغة.. العامية وظفت بشكل جيد وفي حدود ضيقة جداً أيضا (على الرغم من أن اللهجة العراقية البيضاء لها وقع دافء على القلب والعين.. لطالما شعرت بها هكذا بحيث لا تزعجني ولا تربكني).
وأشارت فتحية النمر إلى أن العبارة المفتاحية (في بلد لا موز فيه استيقظت القرية على تسعة صناديق موز في كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها) تحيلنا على صوت الكولومبي ماركيز تحديدا مئة عام من العزلة وكنت وددت لو فسر لي لماذا لا يوجد في القرية موز؟ وأن استرسال الكاتب في الحديث عن الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت ومنهما إلى المآسي والتداعيات المترتبة على ذلك والآثار الكارثية على القرية تحديدا (باعتبارها فضاء المكان في الرواية السوداء وددت لو أنه ألقى الضوء على أسباب هذه الحروب.
وأكدت فتحية النمر أن الرواية بشكل عام ذات لغة جميلة فيها الأدبية والشعرية الواضحة والمحببة والمضيفة للنص قوة وهي رواية موجعة وفظيعة وتغير القناعات لدى القراء الحقيقيون العقلاء.
وعلقت د. مريم الهاشمي بأن أجمل ثناء يمكن أن نخص به روائيا يتمثل في القول: إنه يتمتع بمخيِّلة، ولكن في حدائق الرئيس نجد أن المزية الرئيسة هي والسمة الواضحة هي الحس الواقعي، الحس الواقعي المتسلل في ثنايا الأشخاص ومشاكلهم وظروفهم الاجتماعية كي تكون الصورة الأمثل للتعبير عن للواقع بلا رتوش.والوعي الواقعي هو الأجدر بمطالبة موقف من قضية تشاكس الحاجة الإنسانية بالحرية، والانطلاق إلى عوالم التحرر الذاتي. وأضافت الهاشمي نجد الرمزية حاضرة وبجدارة، وذلك بحضور “العلامة” أو الرمز أو القناع أو الإشارة، وذلك في عدم ذكر اسم الرئيس صراحة وهو المفتاح السحري الذي يقود إلى عالم الفن الحقيقي في الرواية، ونجد اسم “الرئيس” يحمل معنى الارتطام بعنف وشدة ليمتلك الرئيس –حساب الرواية- صفات اسمه. ولاشك بأن الروائي تعمد ذلك باعتباره وسيلة لإدراك ما لا يستطاع التعبير عنه بأي معادل لفظي لتدل على شيء آخر لا بالتشابه بل بالإيحاء والإشارة. وقام الرملي بتقديم وصف لشخصية الرئيس خلال سياق أحداث كثيرة وردت في العمل: في القصر ( عند البحيرة _ وظيفة حفار القبور – الإبادات – النرجسية – وصف القصور الملكية... الخ من الوصف ) فكأنه يجعل القارئ يستعيد كل ذلك الوصف بكلمة واحدة، إن الرمز أو العلامة ليس وسيلة لنقل الأفكار بل هو وسيلة لنقل المشاعر، وتحولت من وظيفة تقريرية إلى وظيفة نفسية تسعى إلى القبض على حركة واقع يتشظى باستمرار، وحقائق تتشكل بناء على التوازنات التي يفرضها الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. ليحول تلك اللفظة إلى إحالة أو إشارة لكل الأحداث التاريخية والانسحاق الاجتماعي والسياسي، فيكفي أن نذكر لفظة............ “ الرئيس” حتى تحضر أمام أعيننا مشاهد تلك السنوات العجاف التي لم تسترد يوما صحتها.
وذكرت هالة عادل أن رسالة الكاتب تدعو للسلام والخروج من دائرة العنف، وأن استعراضه للصراع والوحشية ما هو إلا رغبة في السلام ونبذ هذا العنف المستشري. وأكد نادر مكانسي أن الكاتب تفوق في وصف المشاهد اليومية لحالة الناس خلال الحروب في العراق وبدأ روايته بالجماجم وانتهى ايضا بالجماجم وبيت البداية والنهاية كلها قتل الإنسان للإنسان بأشكال مختلفة. وأشار الى ما قاله عبد الله في الرواية: صرت على اقتناع أن البشر والجانب الحيواني في داخل البشر هو أضعاف ما فيهم من إنسانية ويمر الآدمي في أعماقه حيوانا بدائيا متوحشا. وبالفعل هذا مارصدته الرواية ورغم كل مسارح القتل والتعذيب للشعب العراقي يقول الكاتب محسن الرملي في الإهداء بمقدمة الرواية: أيها الاحباء افعلوا كل ما بوسعكم من أجل التسامح والسلام. والسؤال الآن هل عم السلام أرض العراق؟
وأضاف أحمد علي أن الرواية مأساوية إلا أن هناك شخصيات جاذبة، منها شخصية إبراهيم الخاضع للمنظومة الاجتماعية والذي يفرض عليه كل ما يمارسه في الحياة ولكن في النهاية يخرج من دائرة الفرض وحتى وإن كان اختياره يسوقه للموت عبر مهنته كدلال للقبور إلا أنه يقرر في النهاية الاختيار، واشار إلى كثير من الشخصيات التي ظلمت والتي تمثل جزء من الواقع في كثير من مواطن العالم.
وأكد إسماعيل السويدي أن هذا العمل وخاصة لمن يعيش حياة آمنة ومستقرة تكسب القارئ تلك الخبرة لبعض الأوضاع المأساوية وكيفية التعاطي معها ومع الأحداث الجسيمة والحالات النفسية المختلفة.
وأكدت كريمة السعدي أن رواية فيها الكثير من المغالطات وتزوير الحقائق التي حدثت في الفترة التي كتب فيها الكاتب من أن العراق لم يعش حياة مستقرة وكل حياتهم في بؤس وشقاء والأحداث التي حدثت عام 1991 من حرق للنساء في الشوارع وقصة الاغتصاب والقصور التي كانت عبارة عن مدافن للجثث، فعندما يقول الكاتب عن لسانه أن على الأديب عندما يكتب يكتب حقائق وهو نفسه غالط التاريخ ولم يعش الأحداث وقد كان مقيما خارج العراق، الحقيقة التي ذكرها هو الأسر الإيراني للجنود العراقيين والتعذيب لهم والسجون التي كانت تحت الأرض.