معظم القلق انصب على محطة زابوريجيا

مواقع نووية منتشرة في أنحاء أوكرانيا تهدد بكارثة إشعاعية

مواقع نووية منتشرة في أنحاء أوكرانيا تهدد بكارثة إشعاعية


داخل مختبر في مدينة خاركيف الأوكرانية، يوجد جهاز تجريبي يحمل اسماً غريباً، وهو «المصدر النيوتروني»، يحتوي على عدة عشرات من الأرطال من اليورانيوم المخصب وهي كمية تكفي، إذا ما تم نثرها، لتلويث معظم أرجاء المدينة. يقع مبنى المختبر على بُعد 14 ميلاً فقط من خط المواجهة في أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ ثمانية عقود، وتقول السلطات الأوكرانية إن المبنى تعرّض للقصف الروسي 74 مرة. وقال أولكسندر بيخون، نائب كبير المهندسين في معهد خاركيف للفيزياء والتكنولوجيا، وهو أبرز مركز أبحاث نووي في أوكرانيا ويضم «المصدر النيوتروني»:  في حديثه مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «إنه أمر مخيف لكننا اعتدنا عليه.»

مخاوف نووية
وتقول الصحيفة إن معظم القلق النووي الذي أثارته الحرب الروسية في أوكرانيا انصب على محطة زابوريجيا للطاقة النووية، وهي الأكبر في أوروبا، والخاضعة لسيطرة القوات الروسية منذ وقت مبكر من الحرب. 
لكن أوكرانيا لديها قائمة طويلة من المنشآت النووية المعرضة للخطر، مثل المفاعلات المخصصة للأبحاث أو لتوليد الطاقة بما في ذلك تشيرنوبل، حيث وقع أسوأ حادث نووي في العالم إلى جانب مواقع تخزين الوقود المستهلك.
وكلما طال أمد الحرب، ازداد خطر وقوع ضربة قد تؤدي إلى انتشار مواد مشعة عبر مساحة واسعة. بعض هذه المواقع يتمتع بإجراءات أمنية مكثفة، لكنها لم تُصمَّم لمواجهة ضربة مباشرة من قنبلة كبيرة. وقال برونو شارييرون، المستشار العلمي لـ «لجنة البحوث المستقلة والمعلومات بشأن الإشعاع»، وهي منظمة فرنسية غير ربحية: «إنها وضعية بالغة الخطورة، ولقد حالفنا الحظ حتى الآن بعدم وقوع أي حادث نووي.» في فبراير -شباط من هذا العام، فجّر طائرة مسيّرة روسية ثقباً في الهيكل الفولاذي العازل الذي يغطي أنقاض المفاعل الرابع في محطة تشيرنوبل النووية. ورغم أن أي إشعاع لم يتسرّب، فإن الضربة حطّمت الإحكام المحكم حول الهيكل. أما محطة زابوريجيا النووية فقد تعرّضت مراراً للقصف، لكن الكارثة كانت تُتجنّب في كل مرة. ففي عام 2023، أدى انفجار عند أحد السدود النهرية إلى استنزاف المصدر الأساسي لمياه التبريد الخاصة بمفاعلات المحطة الستة، مما أجبر المشغّلين على الاعتماد على بركة تبريد احتياطية. ويعتمد الموقع حالياً على خطي نقل كهرباء، أحدهما يُقطع بشكل متكرر بسبب المعارك.
كما أصابت النيران بعض المنشآت الروسية في تبادل الضربات. ففي أواخر الشهر الماضي، تسببت شظايا من طائرة مسيّرة أوكرانية أسقطتها الدفاعات الجوية الروسية في إلحاق أضرار بمحطة محوّلات قرب محطة كورسك النووية، ما أجبر المشغّلين على خفض الإنتاج.

رسالة من موسكو
واتهم المسؤولون الأوكرانيون روسيا بتعمد تعريض المواقع النووية للخطر وإثارة شبح كارثة نووية قد تلوّث مساحة شاسعة من القارة. وجاءت الضربة بالطائرة المسيّرة على تشيرنوبل عشية افتتاح مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، وهو توقيت فسّره بعض المسؤولين الأوكرانيين والغربيين على أنه رسالة من موسكو. معهد خاركيف للفيزياء والتكنولوجيا، الذي ساهم سابقاً في تصميم القنابل الذرية السوفياتية الأولى، وافق عام 2010 على التوقف عن استخدام اليورانيوم عالي التخصيب المخصص للأسلحة، حيث أرسل مخزونه إلى روسيا بطلب من الولايات المتحدة في إطار الحد من الانتشار النووي.
لكنه ما زال يخزّن مواد بالغة الخطورة، مثل اليورانيوم المستخدم في «المصدر النيوتروني»، وهو مخصب بدرجة تجعله أكثر إشعاعاً بكثير من الوقود المستخدم في محطات الطاقة النووية. ولا يكشف المعهد بدقة عن كمية اليورانيوم الموجودة في الموقع، بحسب الصحيفة.
وتوضع الصحيفة أن  الجهاز يتكون من عنصرين: قلب بحجم يقارب حجم حافلة مدرسية محاط بدرع معدني مضاد للإشعاع، ومسرّع جسيمات ملحق بطول نحو 90 قدماً. وقد موّلت الولايات المتحدة جزئياً بناءه مقابل تخلّي أوكرانيا عن اليورانيوم المستخدم في تصنيع القنابل.
 أداة حرب
وتقول السلطات الأوكرانية إن المبنى الذي يحتضنه تعرّض لأضرار متكررة بفعل الطائرات المسيّرة والصواريخ والمدفعية إلى حدّ يستحيل معه أن يكون الأمر محض صدفة. وقد وجّهت اتهامات إلى خمسة ضباط روس باستهدافه، في لائحة اتهام تشير إلى أن إصابة مباشرة قد تلوّث منطقة يقطنها نحو 640 ألف شخص. واتهم المدّعون الأوكرانيون الضباط بارتكاب جريمة «الإبادة البيئية» أي محاولة إلحاق الضرر بالبيئة كأداة حرب.
وبحسب التقرير، فلم يُبنَ الهيكل الخارجي للمبنى ليتحمّل الهجمات. فالانفجارات خارج المبنى تُحدث اهتزازات يومية في غرفة التحكّم. وفي الداخل، أدى الضغط الناتج عن إحدى الانفجارات إلى سقوط الجص من أحد الجدران القريبة من الجهاز. في عام 2022، أصيبت محطة محوّلات كهربائية، ما أغرق المبنى في الظلام لأشهر عدة. واضطر العلماء إلى الاعتماد على أنظمة تدفئة احتياطية لمنع تجمّد مياه التبريد، التي كان من شأن تجمدها أن يتلف الطلاء الألومنيومي لقضبان وقود اليورانيوم.
وقال أندريه ميتسيكوف، كبير المهندسين في المعهد، عن الهجمات: «لا أفهم حقاً ما الذي نتعامل معه. إنهم يفعلون ذلك بلا أي منطق.» وبعد هجوم عام 2022، أوقف العلماء تجاربهم ووضعوا «المصدر النيوتروني» في وضعية إغلاق طويلة الأمد. لكن اليورانيوم بقي في مكانه، ومعه بقي الخطر قائماً.
في أماكن أخرى من المعهد، واصل العلماء تجاربهم على طاقة الاندماج باستخدام الهيدروجين المشع، على الرغم من الهجمات اليومية على خاركيف.
وقال ميكولا أزارينكوف، المدير بالإنابة للمعهد، إنهم جمعوا بيانات كافية لإعداد ورقة بحثية يخططون لعرضها في مؤتمر هذا الخريف.
وأضاف: «إنهم يضربوننا»، ثم تابع: «لكننا ننهض ونعود إلى عملنا.»