وسط دعوات مُتجددة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين في غزة

موجة غضب مُتصاعدة تشهدها الصحافة الفرنسية ضدّ نتانياهو

موجة غضب مُتصاعدة تشهدها الصحافة الفرنسية ضدّ نتانياهو


تشهد الصحافة الفرنسية موجة غضب مُتصاعدة تجاه استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في الحرب على غزة، حيث تتزايد الانتقادات وسط دعوات مُتجددة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإدخال المُساعدات للقطاع الفلسطيني المُحاصر، وذلك بينما تخسر إسرائيل أقرب حلفائها بدءاً من فرنسا وبريطانيا وصولاً إلى الولايات المتحدة. وبلهجة حادّة ولاذعة، وتحت عنوان «لا ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تتمتع بأيّ حصانة بعد الآن»، شدّدت صحيفة «اللو موند» في افتتاحيتها، على ضرورة توضيح وتأكيد أنّ ما يحدث في غزة أمر غير مقبول نهائياً، والاعتراف في ذات الوقت بأنّ العديد من حلفاء إسرائيل لم يعد لديهم أيّ شيء مُشترك مع ائتلاف نتانياهو، الذي اختار مساراً يضع بلاده خارج قائمة الدول التي تحترم حقوق الإنسان.
ووجّهت اليومية الفرنسية انتقادات شديدة تجاه تراكم التصريحات التحريضية للحكومة الإسرائيلية، ومنها الوعد بـِ»تدمير» غزة، والتأكيد على أن لا شيء سوف يُنهي الحرب، وأنّ الهدف هو «إخلاء» غزة، وترحيل الفلسطينيين، واستراتيجية جعل الأراضي غير صالحة للسكن.
وعلى أرض الواقع فإنّ استخدام سلاح التجويع، واستئناف القصف باسم القضاء على ميليشيا حماس، كل ذلك لا يُؤدّي إلا إلى تعزيز إمكانية وصف ما يحدث بالإبادة الجماعية من قبل محكمة العدل الدولية.

لا إفلات من العقاب
وأكدت «لو موند» أنّ مشروع التطهير العرقي في غزة، والذي تتبنّاه السلطات الإسرائيلية بشكل فظ باعتباره «خطة للهجرة الطوعية»، من شأنه أن يقود العديد من البلدان إلى هذه الاستنتاجات.
وحذّرت من أنّه مضى وقت التضامن غير المشروط مع بلد تأثّر بشدّة بالهجوم الإرهابي الذي وقع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واصفة مشروع الائتلاف الحكومي في إسرائيل بالأكثر تطرفاً في تاريخها، إذ يدفن بشكل نهائي حق الفلسطينيين في تقرير المصير. كما وتتعرّض الضفة الغربية لعنف المستوطنين الإسرائيليين تحت حماية جيش فقد الكثير من القيم التي يدّعي التمسك بها.
ويقول المحرر السياسي للصحيفة إنّ مسؤولية حماس عن الكارثة المُستمرّة كانت ولا تزال هائلة، لكن من الضروري أن نؤكد بشكل واضح أنّ ما يحدث في غزة أمر غير مقبول، و «عار»، على حدّ تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لذا يجب الاعتراف بأنّ العديد من حلفاء إسرائيل لم يعد لديهم أي شيء مُشترك مع حكومة نتانياهو، التي لم يعد بإمكانها الاستفادة من أيّ إفلات من العقاب.
وأشادت «لو موند» بالتهديد باتخاذ «تدابير ملموسة» الذي أعلنته كندا وفرنسا والمملكة المتحدة، داعية لإثارة قضية العقوبات، وكذلك تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، والتي تنص المادة الثانية منها على أنها تقوم على «احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية».

إبادة جماعية، وليست حرباً
من جهتها يومية «ليبراسيون، وتحت عنوان «إنّها ليست حرباً، بل إبادة جماعية»، أشارت إلى تجمّع عدّة آلاف من الفرنسيين بحضور العديد من الشخصيات السياسية يوم أمس الأول الأحد في ساحة الجمهورية بباريس للقول إنّه ينبغي وضع حدّ «لللامبالاة الفرنسية» في مواجهة «الوضع الحرج في غزة». وللمُطالبة بـِ «ممارسة المزيد من الضغط على السلطات التي تتباطأ في التحرّك» وقالت إنّه «في حين أنّ الوضع المُلح يتطلب اتخاذ إجراءات فورية لوقف إسرائيل عن مشروعها الإبادي»، رفع المتظاهرون لافتات ورددوا شعارات مثل «عقوبات اقتصادية، مُقاطعة أكاديمية»، و»هذه ليست حرباً، إنّها إبادة». كما وجّهوا رسالة «لا تسمحوا بحدوث إبادة جماعية في غزة! أوقفوها، أنتم قادرون على ذلك». وتحدّث المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو في تصريحات له عن إقامته مؤخراً في غزة لما يزيد عن شهر، بالقول إنّه لا يبدو تعبير التطهير العرقي مُبالغاً فيه لوصف الطرد المنهجي للسكان، والتدمير المُتعمّد للمباني، واستهداف آخر أماكن المعيشة: المستشفيات. وأوضح «لقد عدت للتو من قطاع غزة، والمأساة التي تعيشها هذه المنطقة المُحاصرة تُسيطر علي بالفعل».

خسارة أقرب الحلفاء
صحيفة «لو فيغارو» من جهتها، وتحت عنوان «كيف تخلّى دونالد ترامب عن نتانياهو ؟ «، رأت في زيارة ترامب الأخيرة إلىمن طقة الشرق الأوسط نهجاً أمريكياً جديداً، أكثر براغماتية، ويقلل من نفوذ رئيس الوزراء الإسرائيلي. وتحدّث الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي، أدريان جولمز، عن دلائل تُشير إلى أنّ الولايات المتحدة غير راضية عن استئناف الحرب على غزة، حيث يسعى المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، إلى التفاوض على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المُتبقّين. كما وألغى نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس زيارة إلى إسرائيل رسمياً «لأسباب لوجستية»، فيما الهدف الحقيقي هو تجنّب الإيحاء بأنّ إدارة ترامب تُوافق على الهجوم الجديد. وتُشير أمور أخرى إلى انفصال الدبلوماسية الأمريكية عن إسرائيل، سواء عبر التفاوض بين واشنطن وحماس بشكل مباشر، وكذلك مع الحوثيين. والأهم من ذلك كله هو أنّ نتانياهو، الذي كان يعتقد أنّه قد يستفيد من المُشاركة الأمرسكية في هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، قيل له بدلاً من ذلك إنّ المفاوضات مع طهران أعيد استئنافها. كما تصاعد نفوذ الرئيس التركي أردوغان لدى ترامب، وتسعى أنقرة إلى الانضمام مُجدداً إلى برنامج مُقاتلات إف-35، ما يُهدّد التفوق الجوي لإسرائيل في المنطقة. كما أنّ رفع العقوبات الأمريكية عن النظام السوري الجديد، أضاف إلى المخاوف الاستراتيجية الإسرائيلية.