أجد في الكتابة متعةً فكريةً وتمريناً لعقلي ومهاراتي قبل أي شيء آخَر

ميشال حوراني: لديّ طاقات وأفكار وخبرة كبيرة

ميشال حوراني: لديّ طاقات وأفكار وخبرة كبيرة

يَعتبر الفنان ميشال حوراني أن أزمة الهوية التي يعانيها لبنان تنسحب على مجالات عدة بينها الدراما اللبنانية التي لم تؤسس حتى الآن هوية خاصة بها.
حوراني صاحب الباع الطويلة في مجال التمثيل والتقديم والتعليم، قرر أن يستفيد من طاقاته ومواهبه الأخرى، وقال إنه يعكف حالياً على كتابة مسلسل درامي والتحضير لإخراج حلقة تلفزيونية كتجربتين جديدتين في مجال تخصصه الفني.

• هل اتجهتَ نحو الكتابة لأنها تؤمّن لك أدواراً تمثيلية أيضاً؟
- لا أفكر بهذه الطريقة، ولكن أثناء كتابة المسلسل خصصتُ دوراً لي مع أن هذا الأمر لم يكن هدفاً. كما أردتُ دخولَ مساحةٍ جديدة من العمل الفني بعدما اختبرتُ التعليم والتمثيل والإخراج المسرحي والإعلام، والإفادةَ من القدرات التي أملكها. وجاءت اللحظة المناسبة في الحرب، فقررتُ الكتابةَ. وعند التنفيذ سيكون لي أحد الأدوار الأساسية مع أن التمثيل لم يكن الهدفَ، بل لأنني أجد في الكتابة متعةً فكريةً وتمريناً لعقلي ومهاراتي قبل أي شيء آخَر.
المسلسل ليس عادياً، بل يطرح إشكالياتِ العلاقات الإنسانية من زاوية علم النفس، لأنّ مها غلبوني، وهي متخصصة في المسرح ومُعالِجَة نفسية، والمسلسل يطرح كيفية تعاطي الثنائيات مع الأحداث وكيف يديرنا العاملُ النفسي في حالات الوعي واللاوعي، فهو الموجِّه الأساسي الذي يحدد تصرفاتنا وردود أفعالنا.

• هل هذا يعني أنك لستَ راضياً عن النصوص التي تقدّمها الدراما؟
- في الأساس هناك ندرةٌ في الأعمال، ولكن ما يُقدّم جيّد ويساهم في التأسيس لمفهوم الإنتاج الدرامي اللبناني. نحن لم نؤسس خلال الأعوام الطويلة الماضية لهويةٍ درامية لبنانية حقيقية ترتبط بمجتمعنا وتاريخنا وأدبنا، وهذا مردُّه إلى عدم وجود تَراكُمٍ في الأعمال وعدم وجود صناعة درامية تستوعب عدداً كبيراً من الكتّاب. وكانت النتيجةُ نصوصاً متشابهة، ولم نتمكن من تشكيل هوية حقيقية للمسلسل اللبناني بالمعنى الفكري والأدبي والتاريخي والاجتماعي والسوسيولوجي.

• وما الذي يحول دون ذلك؟
- نحن لا تَنقصنا القدراتُ، بل عَجَلَةٌ دراميّةٌ كبيرةٌ، وإنتاجٌ أكبرُ يستعينُ بعددٍ أكبرَ من الكتّابِ، وجرأةٌ في مقاربةِ الموضوعاتِ. كما يَنقصنا الصدقُ مع أنفسنا لأن المحاذير كثيرة ومن بينها عدم تسمية الأمور بأسمائها تفادياً لإظهار الأمر وكأنه مع فريق ضد آخَر في المسائل ذات الطابع الطائفي أو السياسي أو الحزبي. فالتركيبة اللبنانية شائكة جداً والتعاطي معها ليس سهلاً على الإطلاق، وهذا ما يجعل المُنْتِجين يبتعدون عن حقل الألغام.
لا أحد يملك الحقيقةَ والنصوصُ لا تعكس الحقيقةَ، لكننا لا نستطيع أن نمنع الكاتب من أن ينقل نظرتَه إلى الأمور. نحن في لبنان نعاني أزمةَ هويةِ وطنٍ، وهي أصعب من قضية دراما تلفزيونية أو سينمائية... ما هي هوية لبنان؟ على أي أساس بُني هذا الوطن وعلى أي أساس هو مستمر؟ وتالياً، فإن مَن يعيش أزمةَ هويةٍ، تَنسحب أزماتُه على كل المجالات الأخرى، سواء في الإعلام أو في التعبير الفني.
الأزمةُ تكمن في تركيبة لبنان. فهذه التركيبة ومنذ قيام دولة لبنان الكبير هي هجينة وليست أصيلة، وبدأتْ مصطَنعة وكانت جيدة في بعض المراحل، ولكنها ليست حقيقيةً، بل بُنيت على أساس الطوائف والزعامات والأحزاب، وليس على المواطَنة والدولة المدنية. ولذلك، فإن ما يفرّق بيننا كلبنانيين أكثر مما يَجمع بيننا، وهذا أمرٌ مُحْزِنٌ جداً. وعندما قدّمتُ أول مَسرحية لي كمشروعِ تَخَرُّجٍ، كتبتُ إلى وطني الذي لم أعرفه بعد، وكنتُ يومها في العشرين من عمري. وحتى الآن، رغم مرور كل هذه الأعوام، أنا لا أعرف وطني.
• كل الممثلين يتحدّثون عن أهمية النهوض بالدراما اللبنانية، فهل تكتب عملاً محلياً أم مشتركاً؟
- بل أكتب عملاً مشتركاً، لأن هذه التجربة تُعَدُّ الأولى لي في الكتابة، ولأن الدراما المحلية تعاني ندرةً في الإنتاج. أنا إنسان واقعي، ولنفترض أنني كتبتُ نصاً محلياً، فلاشك أن مصيره سيكون في الدرج أو في «اللابتوب». 
هي تجربة فكرية فنية أتمنى أن تصل إلى مكان ما.
 وكي يتحقق ذلك يجب أن أعتمد مساراً معيناً.
لم أطرح نفسي كاتباً، وربما أكرر التجربة بعد خمس سنوات إذا كانت النتيجة جيدة، وربما أعتبر الكتابة ملعباً لي تماماً كملعب الإخراج الذي أمارسه حالياً من خلال عمل تلفزيوني لا يمكن أن أتحدث عنه الآن. لديّ طاقات وأفكار وخبرة كبيرة، وعندما أشعر بأنني أحب أن أكون في مجال معيّن فلن أتردد، وحين أشعر بأنني أريد أن أكون في مجال الكتابة سأتواجد، وعندما أشعر بأنني أريد التواجد في مجال الإخراج سأفعل ذلك، ولكنني لا أكرّس نفسي كاتباً ومُخْرِجاً، بل أنا ممثل قبل أي شيء. وما أقوم به سيكون إلى جانب التمثيل لأنني أرغب في استثمار طاقاتي الكثيرة وأعتبر أنه لا يحقّ لي دَفْنَها.
• وما طبيعة مشروعك الإخراجي؟
- هي حلقة تلفزيونية، عبارة عن تجربة محلية جديدة نقوم ببنائها حالياً، ولا أعرف إلى أين يمكن أن أصل من خلالها، وهي ليست مشروعاً حتى الآن وعلى أساسها يمكن أن أبني مشروعاً. أعمل وفق هذه الطريقة. وعندما أقدّم أي تجربة، أدرسها جيداً وأكتشف نواقصها، خصوصاً أنها مبنية على قدراتٍ فرديةٍ وجَماعية مع أشخاص يؤمنون بأنهم يريدون تقديمَ فنٍّ خارج إطار التركيبات الكبيرة. هو مسار صعب، لكنه لذيذ وفيه الكثير من التحدي، وأتحدث عنه في الوقت المناسب.
• وهل أنت مُشارِك في هذه الحلقة إنتاجياً؟
- هذا المشروع ينفذّ بالشراكة والحب والشغف وله خصوصية، وأنا أحاول من خلاله اختبارَ المُخْرِج الموجود في داخلي والإفادة من الخبرات التي راكمتُها طوال الأعوام الكثيرة الماضية لتقديم تجربةٍ فنية صغيرة ولكن يُبنى عليها.
الإنتاج ليس مجرد مال، بل هو جهدٌ وطاقةٌ وشغف. ووجودي كفنان تَعَلَّمَ وعمل واكتسب الخبرات يحتّم عليّ أن أستمرّ في التمرين وتطوير نفسي واكتشاف مساحات جديدة موجودة في داخلي كمُبْدِعٍ، وليس الاكتفاء بعملٍ تمثيلي بين فترة وأخرى.
يفترض بالإنسان أن يبحث دائماً وأن يَدخل مساحاتٍ يُبْدِع فيها. مثلاً، في «عاطل عن الحرية» قدمتُ دوراً فيه مخاطرة فنية كبيرة من خلال شخصية رجل شرير مغتصب ومهووس، وهو شكّل عندي تحدياً وأَدْخَلني مرحلةً جديدةً في تجربتي كممثلٍ، وأتاح لي متعة اختبار مساحة جديدة وفكر جديد. 
وأنا أؤمن بهذا الخط، وبأن على الفنان أن يوسع دائماً دائرة مساحته وأن يخاطر كي لا يراوح مكانه.
ظروفُنا كممثلين لا تؤمّن لنا الكثيرَ من فرصِ العمل، والفائدةُ الوحيدة التي يمكن أن نحققها من قلةِ العمل هي عدم اليأس، والاستمرار في البحث وتقديم إبداعٍ من نوع آخَر. وإذا راجعتُ مسيرتي الفنية يتبيّن أنني حققتُ نقلاتٍ في حياتي المهنية ودخلتُ مساحاتٍ جديدة عندما كنتُ أواجه أزماتٍ شخصيةً أو عامةً تتعلق بالمشكلات التي مرّ ويمرّ فيها لبنان.
 وعندما اتجهتُ إلى الإعلام لأقدم برنامج «ساعة وفا» الذي استمرّ سنتين على الهواء، كنت أمرّ بأسوأ مراحل حياتي... وأنا على اقتناع بأنه يمكن تحويل الأزمات إبداعات.