ناشيونال إنترست: أزمة لبنان تحاكي مجاعة الحرب العالمية الأولى

ناشيونال إنترست: أزمة لبنان تحاكي مجاعة الحرب العالمية الأولى


تناول روبرت ج.رابيل في مقال بموقع “ناشيونال إنترست” الأمريكي، تدهور الوضع المعيشي والفقر الحاد الذي أصاب سكان لبنان، قائلاً إن هذا البلد يواجه مآسي متعددة، اجتماعية واقتصادية وسياسية، بسبب مزيج من العوامل، التي تشمل طبقة سياسية فاسدة، ولاعباً لا يحمل صفة دولة، هو حزب الله الذي يعمل باسم إيران، ونظام عقوبات تقوده الولايات المتحدة ضد إيران وحزب الله ووكلائهما.
ولفت إلى أن تداعيات هذا الوضع، إذا لم تعالج بعقلانية وبسرعة، ستؤدي إلى كارثة لا تقل عواقبها عن المجاعة الشاملة التي حدثت في الحرب العالمية الأولى “ 1915-1914”، التي قضت على ربع سكان لبنان. وفي الواقع، إن هذا الكلام المتشائم هو انعكاس إدراكي للظروف التي سادت إبان الحرب، والتي تسود اليوم في ظل ظروف ولاعبين سياسيين مختلفين.

وإذا ما ثابرت الولايات المتحدة على الضغط على ما يسمى المحور الذي تقوده إيران،  دون توفير مخرج لإغاثة اللبنانيين، وبالطريقة نفسها التي حاولت فيها قوات الحلفاء إخضاع الحكومة العثمانية في الشرق، فإن اللبنانيين محكومون بأن يذهبوا ضحية، على مذبح النزاع الأمريكي-الإيراني على النفوذ في الشرق الأوسط.

في المراحل الأولى للحرب العالمية الأولى، عمدت الإمبراطورية العثمانية بالتحالف مع قوى المحور “ألمانيا والإمبراطورية النمسوية-المجرية”، إلى إغلاق مضائق الدردنيل، وهي شريان الاتصال الرئيسي بين روسيا وحلفائها. وقال السفير الأمريكي لدى القسطنطينية هنري مورغينثو وقتذاك إن “هذا العمل سيحرم جيش القيصر من الذخائر الحربية، ويدمر روسيا اقتصادياً من خلال وقف صادراتها من الحبوب، التي تعتبر المصدر الأكبر لثروتها، وهكذا يمكن إبعاد روسيا عن شركائها في الحرب العالمية».

وردت قوات الحلفاء بقصف التحصينات التركية على طول مضائق الدردنيل وبضرب حصار على كامل الشرق الأوسط لقطع الإمدادات عن العثمانيين. كما جهزوا لإنزالات محتملة في غاليبولي وعلى طول الساحل السوري-اللبناني-الفلسطيني. وخوفاً من إنزال محتمل للحلفاء في بيروت دعماً للمسيحيين المؤيدين لفرنسا، عمد الحاكم العسكري العثماني جمال باشا إلى ضرب حصار على جبل لبنان وبيروت.

وأدى حصار الحلفاء إلى قطع كل خطوط الإمداد إلى المنطقة الساحلية لسوريا الكبرى. وتوقفت حركة الانتقال من بيروت وإليها، وتوقفت العائدات المالية من الخارج، وباتت المواد الغذائية أمراً نادراً، لأن لبنان لا يستثمر في المحاصيل ما يؤمن كفايته. وعلى وجه التحديد، فإنه بوجود اقتصاد هش يعتمد على الرأسمال العالمي، انهار الوضع الاقتصادي في جبل لبنان وبيروت فوراً ولم يعد في إمكان الناس تأمين قوتهم اليومي. وأغلق جمال باشا وادي البقاع، سلة الخبز للبنان، عن جبل لبنان وفلسطين وسوريا، مانعاً نقل الماشية والمنتجات المتعلقة بالثروة الحيوانية، النادرة في جبل لبنان، وفرض حظراً على المحاصيل الزراعية، وخصوصاً القمح.

ونجمت عن الحصار مجاعة شاملة، استخدمها جمال باشا كاستراتيجية حربية لإرغام المسيحيين على الخضوع، وقطع العلاقات مع القوات الحليفة، في حال نزلت في بيروت. ولم يكن أقل أهمية، إنتهاج الحكومة العثمانية سياسة إقتصادية علقت بموجبها عمل المصارف وصكّت عملة ورقية سرعان ما تدهورت قيمتها.

واليوم، يواجه اللبنانيون وضعاً مشابهاً. وهم عالقون بين نظام العقوبات الأمريكية على إيران ووكلائها والنظام السوري وحزب الله، من جهة، ومحور تقوده إيران ويشمل ميليشيات عراقية موالية لطهران، والنظام السوري وحزب الله من جهة ثانية. وبينما يدعم الغرب الولايات المتحدة، فإن الصين وروسيا تدعمان إيران.

ومع ذلك، فإن ما جعل الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في لبنان لا تطاق ومعرضة للتأثر بالمواجهة الأمريكية-الإيرانية، أن لا شيء تغير في هذا البلد منذ إستقلاله. وتالياً، إنزلق لبنان إلى دولة فاشلة. وأخفقت ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) في تحريره من نير الطبقة السياسية الفاسدة ومن حزب الله. وفي الوقت نفسه حول الحزب نفسه إلى لاعب هجين، لا هو بدولة، ولكنه غير منفصل عنها في آن واحد، وغير مسؤول حيالها، ومستفيد غير مباشر أو مباشر من أموال الدولة، ومدبر لنشاطات غير مشروعة، ومدافع عن الشيعية السياسية أو الزبائنية الشيعية، ووكيل إيراني، ولاعب إقليمي. وبكلام آخر، أعاد حزب الله ابتكار مفهوم الدولة في لبنان.

أما العقوبات الأمريكية على حزب الله فقد أثرت على الجمهور العام أكثر مما أثرت على الحزب. وعزل الحزب نفسه عن العقوبات من خلال إدارته إقتصاداً موازياً منفصلاً. وبصرف النظر، تفيد دراسة للأمم المتحدة، أن 82 في المئة من اللبنانيين يعيشون في الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يأخذ في الإعتبار عوامل لا تقتصر على الدخل فقط، مثل القدرة على الحصول على الخدمات الصحية والتعليم والمرافق العامة. ومنذ بدء الأزمة في 2019، فقدت الليرة 90 في المئة من قيمتها. لقد تحول اللبنانيون اليوم إلى جمهور يتعرض للذل ومعلق بخيط رفيع. وباتت الحياة اليومية عبارة عن كفاح من أجل الخبز والدواء والغاز والكهرباء والعناية الصحية.