نيجيريا.. استقالة وزير الدفاع تفجر جدل هشاشة الوضع الأمني

نيجيريا.. استقالة وزير الدفاع تفجر جدل هشاشة الوضع الأمني


في لحظة تُسلّط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في نيجيريا، أعلن وزير الدفاع محمد بدارو أبو بكر استقالته من منصبه، في وقت تتصاعد فيه موجات العنف والاختطاف والعمليات المسلحة عبر الولايات الشمالية.
وبينما أرجعت الرئاسة الخطوة إلى «أسباب صحية»، يرى مراقبون أن التوقيت وطبيعة الأزمة المتفاقمة يفتحان الباب أمام تساؤلات أعمق حول قدرة الحكومة الفيدرالية على ضبط الأمن وإدارة التهديدات المتعددة التي تواجهها البلاد، بحسب صحيفة « vanguardngr».
وأكد بيان صادر عن مستشار الرئيس بولا تينوبو للإعلام قبول الاستقالة، مع الإشادة بما قدمه الوزير خلال فترة توليه المنصب منذ أغسطس 2023؛ إلا أن السياق الأمني الذي جاءت فيه الخطوة يجعل قراءتها محصورة داخل معادلة سياسية ـ أمنية تتعقد يومًا بعد يوم.

تصاعد الانهيار الأمني في الشمال
شهدت الأسابيع الأخيرة تفاقمًا دراماتيكيًا في مستويات العنف، بدءًا من اختطاف 25 طالبًا في ولاية كيبي، مرورًا باختطاف نحو 300 طالب في ولاية النيجر، ووصولًا إلى موجة من الهجمات التي نفذتها مجموعات قطاع الطرق في ولايات سوكوتو وكوجي وكوارا.
وأثارت هذه الحوادث غضبًا شعبيًّا واسعًا، وأعادت إلى الواجهة أسئلة حول فعالية السياسات الأمنية التي تنتهجها إدارة تينوبو. 
ورغم محاولة بدارو في حديث مع «بي بي سي» التأكيد على أن القوات الأمنية تعمل «ليلًا ونهارًا»، فإن الوقائع على الأرض تُظهر اتساع رقعة الهجمات بشكل لم يسبق له مثيل منذ سنوات.
وخلال أسبوع واحد فقط، سجلت نيجيريا سلسلة من الأحداث التي زادت من مستوى القلق الشعبي؛ حيث تم اختطاف ما لا يقل عن 10 أشخاص في سوكوتو، بينهم عروس ومرافقتها، وخطف قس وزوجته في هجوم مسلح بولاية كوجي، ومقتل 3 ضباط من هيئة الهجرة في ولاية كاتسينا.
هــــذا التتابع المتسارع للهجمات يُظهر أن شــــــبكات الإجرام المســـــــلح لم تعـــد تعمل بصورة متقطعـــــة، بل باتت تُنشئ نمطًا مستمرًّا من العمليات المنســـــــقة، مع استفادة واضحة من ضعف انتشـــار القـــــوات الحكومية وغياب الاستجابة السريعة.
أزمة أمنية تتحول إلى توتر دبلوماسي
وتزامن تصاعد الهجمات مع تبعات تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهم فيها الحكومة النيجيرية بـ»استهداف المسيحيين»، ما أثار خلافًا دبلوماسيًّا حادًّا.
وأطلقت واشنطن تحذيرًا غير مسبوق بأنها قد «تتخذ خطوات مباشرة» إذا لم تعالج أبوجا الوضع بفعالية.
وسارعت الحكومة النيجيرية إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن بقيادة مستشار الأمن القومي نوهو ريبادو، سعياً لاحتواء الموقف، مؤكدة أن أعمال العنف تطال النيجيريين من جميع الأديان، وأن الأزمة تتعلق بانفلات الجماعات المسلحة وليس بسياسات حكومية.
ويُعد بدارو أحد أبرز الشخصيات السياسية في شمال نيجيريا، بعدما شغل منصب حاكم ولاية جيجاوا لولايتين، ويمتلك خلفية أكاديمية في المحاسبة بالإضافة إلى تدرجه في مؤسسات سياسية رفيعة مثل المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية.
ورغم أن بيان الرئاسة أشار إلى أسباب صحية، يرى محللون أن الاستقالة تُعبر عن ضغط متصاعد داخل المؤسسة الأمنية، خاصة مع فشل محاولات احتواء نشاط الجماعات المسلحة في شمالي شرق وغرب البلاد، بما فيها بوكو حرام وتنظيمات اللصوصية المتطورة التي تتوسع في المناطق الريفية دون مقاومة فعالة. وتمثل مغادرة بدارو مفترق طرق مهمًّا لمنظومة الأمن النيجيرية. فبينما يُنظر إليها في ظاهرها كاستقالة فردية، فإنها تعكس على الأرجح حاجة الحكومة إلى إعادة هيكلة شاملة لقطاع الأمن، وربما تقديم تضحيات سياسية لتهدئة الرأي العام وإظهار جدية في معالجة الأزمة.
وفي ظل تصاعد تهديدات الجماعات المسلحة وتداخلها مع أزمات دبلوماسية وضغوط أمريكية مباشرة، يبدو أن نيجيريا باتت أمام اختبار صعب؛ إما إعادة بناء منظومتها الأمنية بشكل جذري، أو مواجهة انزلاق أوسع نحو مستويات غير مسبوقة من الفوضى والعنف.