هدية من السماء.. كيف استفاد زعماء العالم من تهديدات ترامب؟

هدية من السماء.. كيف استفاد زعماء العالم من تهديدات ترامب؟


كان الحزب الليبرالي الحاكم في كندا يواجه احتمال هزيمة ثقيلة في الانتخابات المقبلة، إلى أن دخل دونالد ترامب المشهد. بحسب تقرير نشرته فايننشال تايمز، سارع المرشحون لقيادة الحزب إلى استعراض مواقفهم الحازمة ضد الرئيس الأمريكي، الذي فرض رسوماً جمركية باهظة وأبدى رغبة في فرض نفوذه على كندا. ونتيجة لذلك، شهد الليبراليون انتعاشاً في استطلاعات الرأي، تحت قيادة رئيس الوزراء الجديد مارك كارني، وتحت شعار "كندا قوية", بات الحزب الأوفر حظاً للفوز بولاية رابعة تاريخية متتالية. وأصبح كارني، الذي شغل سابقاً منصب محافظ بنك إنجلترا، رمزاً للقادة الذين ارتفعت شعبيتهم بعد مواجهتهم العلنية لترامب. وتشير استطلاعات الرأي في عدة دول، من المكسيك إلى أوكرانيا، إلى أن حتى القادة غير المحبوبين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، استفادوا من هذه الظاهرة.

كندا.. من الهزيمة إلى التفوق
وبحسب التقرير، اتخذ كارني موقفاً حازماً في مواجهة تهديدات ترامب، قائلاً خلال إعلان موعد الانتخابات المقررة في 28 أبريل -نيسان: "ترامب يريد تحطيمنا حتى تخضع كندا لأمريكا.. لن نسمح بذلك". وكارني، البالغ من العمر 60 عاماً، استغل خبرته التكنوقراطية ومكانته كشخصية سياسية قادمة من خارج الأوساط التقليدية، موجّهاً مشاعر الغضب الوطني لصالحه. ونجح في التفوق على زعيم المعارضة المحافظ بيير بواليافير، المقرب من ترامب. وكان بواليافير قد حول الاستياء من ارتفاع تكاليف المعيشة خلال عهد جاستن ترودو إلى تقدم كبير بلغ 24 نقطة في استطلاعات الرأي مطلع يناير -كانون الثاني. لكن مع تصعيد ترامب لهجماته، تقلّص هذا الفارق بشكل حاد. حاول بواليافير تعديل خطابه، مستبدلاً شعاره "كندا منهارة" بـ "كندا أولاً", لكن الاستطلاعات أظهرت أن 43% من الكنديين يرون أن كارني هو الأقدر على التعامل مع ترامب، مقابل 34% فقط لبواليافير، وفق استطلاع لمعهد أنغوس ريد.

المكسيك: ترامب فرصة
كان متوقعاً أن تصطدم الرئيسة المكسيكية اليسارية كلوديا شينباوم بترامب، الذي هدد باتخاذ إجراءات عسكرية ضد عصابات المخدرات وفرض رسوم جمركية على الصادرات المكسيكية. لكن شينباوم، أول رئيسة للبلاد، فضّلت نهجاً هادئاً، حيث تجنبت الرد بالمثل، وعملت على كبح الهجرة والحد من تهريب الفنتانيل.
ورد ترامب بتصريحات إيجابية، واصفاً شينباوم بأنها "امرأة رائعة", ما انعكس على شعبيتها، التي ارتفعت إلى 85% وفق صحيفة إل فينانسييرو، وحتى معارضيها أشادوا بدبلوماسيتها، رغم أن بعضهم يرى أن القطاع الخاص الأمريكي هو من أقنع ترامب بتأجيل الرسوم الجمركية، كما حصل مع كندا.
ويقول المحللون إن شينباوم استخدمت تهديد ترامب لصرف الأنظار عن التحديات الاقتصادية الداخلية.
ووفقاً لكارلوس راميريز، المستشار في إنتغراليا، فإن "ترامب هدية من السماء لتبرير الأداء الاقتصادي الضعيف".

أوكرانيا: التهديد يعزز زيلينسكي
بعدما تعرّض لهجوم قاسٍ من ترامب خلال اجتماع في البيت الأبيض، احتشد الأوكرانيون خلف رئيسهم فولوديمير زيلينسكي.
وارتفعت شعبية زيلينسكي إلى 67%، مع نسبة تأييد صافية بلغت 38%، وهي الأعلى منذ ديسمبر -كانون الأول 2023.
ويأتي ذلك رغم محاولته إصلاح العلاقات عبر قبول صفقة المعادن التي طرحها ترامب، والهدنة الجزئية لمدة 30 يوماً.
وصف أنطون هروشيفسكي، من معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع, تصريحات ترامب بأنها "طعنة في الظهر", مشيراً إلى أن الهجوم لم يكن موجهاً لزيلينسكي فقط، بل لأوكرانيا بأكملها.
هذا الموقف وضع المعارضة الأوكرانية في مأزق، إذ تحاول تجنّب الاصطفاف مع ترامب. حتى الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، الذي فرض زيلينسكي عليه عقوبات الشهر الماضي، لم يكرر ادعاءات ترامب بأن زيلينسكي ديكتاتور.

ماكرون.. مكاسب غير متوقعة
في زيارة لواشنطن الشهر الماضي، أظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون براعة دبلوماسية، حيث جمع بين الثناء على ترامب والرد الهادئ على مزاعمه بشأن دعم أوروبا لأوكرانيا.
ولاقى هذا النهج استحساناً في أنحاء أوروبا، كما منح ماكرون دفعة غير متوقعة في استطلاعات الرأي داخل فرنسا، حيث ارتفعت نسبة الثقة به 6 نقاط مئوية لتصل إلى 27%، وفق إيلابه. رغم استمرار شعبيته المنخفضة، أعادته هذه الزيادة إلى مستوياته التي شهدها بعد أولمبياد باريس الصيف الماضي.
في المقابل، خسرت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان نقطة مئوية في شعبيتها، لتصل إلى 35%.
في دول أوروبية أخرى، كان تأثير ترامب أكثر تعقيداً، خاصة في دول البلطيق. يقول وزير خارجية سابق لإحدى هذه الدول: "هناك تردد متزايد في انتقاد الولايات المتحدة، لأن أمننا يعتمد على تضامن الناتو.. أسمع صمتاً مريباً بينما تعيد أمريكا ترتيب تحالفاتها".

ستارمر.. دروس في التعامل مع ترامب
تراجعت شعبية رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر منذ توليه منصبه في يوليو -تموز الماضي، لكن زيارته إلى واشنطن غيّرت المعادلة، حيث قدّم درساً متقناً في التعامل مع ترامب.
ونقل ستارمر رسالة من الملك تشارلز تدعو ترامب إلى زيارة رسمية ثانية "رائعة", وأظهر مرونة في التواصل، مع تصحيحات لبقة عند الضرورة.
ووافق ترامب، بدوره، على استثناء بريطانيا من أسوأ إجراءاته التجارية، كما وقع اتفاقاً لإقامة قاعدة عسكرية مشتركة في موريشيوس.
بعد هذه الخطوات، دعا ستارمر إلى قمة دولية في لندن لضمان السلام في أوكرانيا، ما أعاد بريطانيا إلى قلب المشهد العالمي.
وارتفعت شعبيته بنحو 10%، وهي أفضل نسبة له منذ توليه السلطة، رغم بقائه في المنطقة السلبية.

مكاسب قد لا تدوم
اختتم التقرير بالإشارة إلى أن هذه المكاسب السياسية قد لا تستمر طويلاً، إذ لا يزال ترامب قادراً على فرض رسوم جمركية جديدة أو الضغط على أوكرانيا لقبول اتفاق مع روسيا. وإذا أثّر ذلك على الاقتصادات والأمن القومي لهذه الدول، فقد تتلاشى المكاسب التي حققها قادتُها في استطلاعات الرأي.