عقّدت مستقبل الحزب:

هكذا أدت هزيمة ترامب إلى تقسيم الجمهوريين...!

هكذا أدت هزيمة ترامب إلى تقسيم الجمهوريين...!

-- منذ أن غادر دونالد ترامب البيت الأبيض، انقسم الحزب الجمهوري في الكونجرس بين ثلاث فصائل مختلفة الأحجام
-- المعركة من أجل ناخبي ترامب وأموال المانحين بدأت الآن
-- أدرك الجمهوريون أن التركيبة السكانية تعمل ضدهم
-- عدة طرق مفتوحة للحزب الجمهوري بعد ترامب: الابتعاد عن الرئيس السابق أو التحالف معه، وبالتالي مع اليمين المتطرف
-- استغلوا الحرب الثقافية من أجل إقناع العمال ذوي الياقات الزرقاء والطبقة الوسطى بالتصويت ضد مصالحهم الاقتصادية


   منذ أن غادر دونالد ترامب البيت الأبيض، انقسم الحزب الجمهوري في الكونجرس بين ثلاث فصائل غير متساوية الأحجام. من ناحية، نجد قلة من “الشجعان” الذين صوتوا، وخاطروا ببقائهم السياسي، على اتهام الرئيس السابق في مجلس النواب (هؤلاء النواب عددهم عشرة، وأكثرهم رمزية ليز تشيني وآدم كينزينغر. ومن ناحية أخرى، الجناح المتمسك “بالشرعية” الذي يتسم موقفه بالالتباس ويجسده زعيم الحزب في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: صوّت بالبراءة ثم ندد على الفور بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية (إن لم تكن قانونية، صعبة الإثبات) لدونالد ترامب في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير. ويدرك ماكونيل أنه من الملحّ إخراج الحزب من قبضة الرئيس السابق الخطيرة، لكنه يحتاج إلى ناخبي هذا الأخير.   ويتكون الفصيل الثالث من ناخبي ترامب، مثل السناتور ليندسي جراهام (ساوث كارولينا) وزعيم مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، الذين يعتقدون أنّ عليهم أداء قسم الولاء للرئيس السابق للإبقاء على ناخبيه، الذين كانوا، وما زالوا، تغمرهم الأكاذيب، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية التي “سُرقت” من بطلهم. في الواقع، يذهب كل من غراهام ومكارثي بانتظام لتقبيل يد الزعيم العظيم في مار ا لاغو، فلوريدا، حيث يقيم الآن.

 139 نائبا و7 أعضاء
 في مجلس الشيوخ
   مقتنعون بأن الخلاص يمر عبر ترامب، يجمع هذا الجناح كل أولئك الذين صوتوا ضد الاعتراف بشهادة انتصار جو بايدن في 6 يناير، بعد الهجوم على مبنى الكابيتول، أي 139 نائباً و7 سيناتورات، وكذلك على المستوى المحلي، اي الفروع الحزبية التي فرضت رقابة على الجمهوريين القلائل الذين صوتوا لصالح لائحة الاتهام.
  بالإضافة إلى ذلك، نجد في هذه المجموعة بعض الوسائط مثل فوكس نيوز، والتي تجاوزتها الآن على يمينها شبكة أخبار أمريكا ونيوز ماكس. أما بالنسبة لمنظمي المؤتمر المحافظ السنوي، فقد اختاروا بشكل خاص تنظيمه عام 2021 في فلوريدا في نهاية شهر فبراير. وفي حساب هذه السياسات، يلعب الخوف من الانتقام وخطر مواجهة متطرف مؤيد لترامب عام 2024 دورًا مركزيًا. ولا شك ان الاصطفاف الناتج عن ذلك، حمّال مخاطر على الحزب والبلاد.

   والواقع، أن القيادة التي سيختارها الحزب (أو ستفرض من خارجه) لا تهمّ الحزب الجمهوري فحسب، بل تهم أيضًا، كما يعلمنا التاريخ، المستقبل الديمقراطي للولايات المتحدة.
  إن معضلة الحزب الجمهوري واضحة: إنه يمثل الأثرياء والميسورين وفئة من الناخبين في طريقهم إلى أن يصبحوا أقلية ديمغرافية، بيض الطبقة الوسطى. وقد فهم الجمهوريون أن التركيبة السكانية تعمل ضدهم. ونتيجة لذلك، استغلوا الحرب الثقافية (الإجهاض، والهجرة، وحمل السلاح) من أجل إقناع العمال ذوي الياقات الزرقاء والطبقة الوسطى، بالتصويت ضد مصالحهم الاقتصادية.

هيمنة الجمهوريين
 في الولايات
  لهذا الغرض، يعبئون الأسلحة الدستورية بالكامل، بدءًا من قاعدة عضوين في مجلس الشيوخ لكل ولاية، والذي يسمح لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بعرقلة كل شيء عن طريق التعطيل في حين أنهم يمثلون 44 بالمائة من الناخبين. وهكذا عرقلوا كل مبادرات باراك أوباما، إلا قانون الصحة الذي تم تبنيه بموجب إجراءات المصالحة التي لا تتطلب أغلبية عظمى وبالتالي نجا من فخ التعطيل.

  بالإضافة إلى ذلك، لم يترددوا طيلة سنوات في تغيير قواعد المنافسة الانتخابية بحيث يواجه الناخبون الذين يميلون إلى التصويت للديمقراطيين صعوبة في ممارسة حقهم. والأمر سهل بالنسبة لهم إذ أن الدستور يعهد إلى المجالس التشريعية للولايات الاتحادية برعاية تحديد قواعد اللعبة الانتخابية. فبينما فاز الديمقراطيون بالتصويت الشعبي في ستة من آخر سبعة انتخابات رئاسية، هيمن الجمهوريون على المجالس التشريعية في 30 ولاية من أصل 50 ولاية.

  وخلال 40 عامًا، أطاح الجمهوريون بهيمنة الديمقراطيين الذين عام 1980، احتفظوا بالأغلبية في المجالس التشريعية في 29 ولاية مقابل 15 للجمهوريين). وعام 2020، شكّل الجمهوريون الأغلبية في 30 ولاية، والديمقراطيون في 16 ولاية فقط. وهنا، يتم تحديد قواعد القانون الانتخابي التي يعهد بها الدستور للولايات الفيدرالية، اي إمكانية التصويت بالبريد أو عدمه، أو عدد أيام التصويت المبكر، أو شرط بطاقة هوية محددة جدًا، للتمكن من التصويت.

   وهي أيضًا هيئات تشريعية، ما لم يكن هناك لجنة مستقلة في الولاية، والتي ستقوم بإجراء التقسيم الانتخابي بعد التعداد العشري لعام 2020.
   ومنذ هزيمة ترامب، شددت عدة ولايات في أيدي الجمهوريين، شروط ممارسة حق التصويت: 406 إجراء في 35 ولاية وفقًا لمركز برينان. إنهم متفائلون بأن هذه التغييرات لن تخضع للرقابة لأنهم يعتمدون على محكمة عليا بأغلبية ستة من المحافظين للمصادقة على تغييراتهم في قانون الانتخابات. ويتم تقديم هذه دائمًا كوسيلة لمحاربة التزوير الانتخابي -في الواقع غير موجود -في حين أنها تهدف إلى جعل التصويت أكثر صعوبة -ما يسمى “قمع التصويت».

أي اتجاه للحزب الجمهوري؟
   دون الخوض في التفاصيل التي طورها دانيال زيبلات في كتابه، “الأحزاب المحافظة وولادة الديمقراطية”، حيث يقارن بين الحالتين البريطانية والألمانية خلال الثلاثينات، يبدو أن يمين الوسط يلعب دورًا مركزيًا في بقاء الديمقراطيات الليبرالية: إما أنه يدرك الحاجة إلى نبذ اليمين المتطرف وحرمانه من الأكسجين، أو أنه يوقّع اتفاقية فاوستية مع المتطرفين على أمل السيطرة عليهم مع الاستفادة من جاذبيتهم الشعبوية. غير ان التاريخ يظهر أنه عندما يتم التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، فإن الحزب هو الذي يجد نفسه “مخطوفًا” من قبل اليمين المتطرف. وداخل الأحزاب المحافظة، تؤثر العلاقة بين القاعدة والقيادة على النظام السياسي ككل؛ وعلى تنظيم الأحزاب يتوقف بقاء الديمقراطية.

   وإذا اتبعنا هذه الشبكة التحليلية، فهناك عدة طرق مفتوحة للحزب الجمهوري بعد ترامب: الابتعاد عن الرئيس السابق أو التحالف معه، وبالتالي مع اليمين المتطرف. وهناك طريق ثالث أكثر صعوبة يتمثل في اقتراح سياسات وحجج يرجّح أن تقنع ناخبين جدد.     لقد سبق أن أدرك الجمهوريون، عام 2012، أنهم يمثلون أقلية، وأنهم إذا أرادوا الوصول إلى مجموعات جديدة -خاصة الشباب وغير البيض -عليهم التواصل معهم وتغيير مواقفهم؛ لكن هذا مستحيل عمليًا لأن رسالتهم الأساسية، المعادية لـ “المساعدة” والمنتصرة لأرثوذكسية الميزانية (خاصة عندما يكون الديمقراطيون في السلطة)، هي عكس ما يريده معظم هؤلاء الناخبين.

   رسم توضيحي: تحظى خطة مكافحة كوفيد لإدارة بايدن، والتي تم تبنيها في 10 مارس، بتأييد 70 بالمائة من السكان، وبالتالي بعض الذين صوتوا للجمهوريين. وكان لدى الرئيس الشجاعة لفرض مرورها، رغم عرقلة الجمهوريين، متنكرة في زيّ جهد تعاوني بين الحزبين.
   وهذا لسببين على الأقل: الأول هو أن تكلفتها، ما يقارب 2000 مليار دولار، أعلى قليلاً (من حيث زيادة عجز الميزانية) من كلفة التخفيض الضريبي الذي أراده وحصل عليه دونالد ترامب عام 2017، والذي كلف ما بين 1000 و1400 مليار دولار حسب المصادر. والثاني أن هذه الخطة تساعد الولايات، ولكن أيضًا العائلات، المهددة بالإخلاء، والأطفال. بعبارة أخرى، يتعين على الديمقراطيين شن “حرب حقيقية على الفقر”، والتي نمت بشكل كبير بسبب الوباء، وبالتالي للتمايز عن الجمهوريين، الذين يتهمهم التقدميون بشن حرب ليس ضد الفقر ولكن ضد الفقراء.

   وفي هذا السياق، فإن الحزب الجمهوري محكوم عليه بالانغلاق في رسالة تستند إلى الاستياء الذي يشعر به “الصناع” (أولئك الذين يعتقدون أنهم يعملون وينتجون ثروة البلاد) تجاه “الآخذين” (كل أولئك الذين، من وجهة النظر هذه، يستفيدون بشكل غير مستحق من شبكة الأمان الاجتماعي التي يمولها الطرف الأول). وبما أنه ينتمي إلى الأقلية عدديًا، فإن الحزب الجمهوري مجبر، من أجل الفوز، على منع المعسكر المقابل قدر الإمكان من التصويت و / أو الخضوع لإغواء المتطرفين لتعبئة المزيد من معسكره.

غواية التطرف وضعف الحزب الجمهوري
   إن مغازلة المتطرفين تقوم على قاعدة نشطاء تميل إلى أن تكون أكثر تطرفاً من قيادة الحزب. وحينها يطرح السؤال حول من يسيطر على الحزب. بمعنى آخر، هل هناك جدران حماية تنظيمية يمكنها حشد الناخبين والناشطين مع السماح للقادة بالحفاظ على سيطرتهم على الحزب؟ إذا وجدت هذه، فإن الديمقراطية محمية. اما إذا كان الحزب ضعيفًا ومكونًا من مجموعات متنوعة مثل الحزب الجمهوري الحالي، فانه يصعب على القادة الحفاظ على سيطرتهم. ومع ذلك، هناك فصائل مختلفة تمامًا داخل حزب الفيل: فئة المانحين (التي تتوافق مع الجناح الاقتصادي والمالي المرتبط بإلغاء القيود وخفض الضرائب)، واليمين الديني، وأيضًا جميع الناخبين الذين يحركهم الاستياء الذي زرعه ترامب.

   إضافة إلى ذلك، فإن الحزب تحت تأثير الإعلام اليميني الذي يفرض الرسائل ويفقده وظيفته في مراقبة دخول الطبقة السياسية. لقد أصبح مرتهنا لـ “مجمّع الإعلام الصناعي” الذي يهمس له بالأفكار والمحظورات، وعلى قوى خارجية تصوغ رسالة الحزب وتضغط عليه.
    ونظرًا لإلغاء تنظيم تمويل الانتخابات من قبل المحكمة العليا الامريكية (قرار مواطنون متحدون لعام 2010)، يمكن لمجموعات ومنظمات المصالح القوية والأثرياء، مثل الأخوين كوك، على مستوى الولاية إنفاق ملايين الدولارات وإغراق المرشحين ورسالة الحزب في ظل وابل من الإعلانات السياسية. منذئذ، لم يعد الحزب الجمهوري أكثر من بيت فارغ (من الأفكار) وإذا كانت الآلة لا تزال تفوز في الانتخابات، فهي ليست على برنامج وأفكار، ولكن فقط على العاطفة وكاريزما زعيم شعبوي.

مشكلة الاموال المبهمة
   ان الأموال السوداء هي التي أدت إلى تطرف الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية الرئاسية. وبمرور السنوات، شهدنا ظهور سلسلة من الأفراد الذين، بدون هذه الأموال الخارجية، لا فرصة لديهم للفوز بالترشّح أو حتى البقاء في المنافسة لعدة أسابيع أو عدة أشهر. ومع تحرير تمويل الانتخابات من قبل المحكمة العليا، فقدت الأحزاب احتكارها لتمويل الحملات الانتخابية، وبالتالي تقوم مجموعات من خارجها بصياغة الاجندة.
  ويتم الآن ضخ الأموال من قبل مجموعات “غير شفافة”، وهي مزيج من مجموعات سوبر باك ومجموعات 501 (c) ، والتي يمكنها جمع الأموال وإنفاقها دون حدود منذ قرار “مواطنون متحدون” الصادر عن المحكمة العليا عام 2010.

   وتستفيد هذه من وضع ضريبي مناسب، بالإضافة إلى أنها لا تخضع لالتزام بالإفصاح عن اسم مانحيها (الأغنياء). إنهم يغذّون بطريقة غير شفافة مجموعات سوبر باك التي تنفق لاحقا مبالغ غير محدودة على الدعاية السياسية (80 بالمائة سلبية) لصالح المرشحين الذين اختاروهم، وضد المعارضين الذين اختيروا من طرفهم وليس من قبل الحزب، بينما لا يتمتعون بالشرعية. وهكذا تُغرق الأموال الخاضعة لسيطرة الأحزاب السياسية والمرشحين فيما يسمى بالإنفاق المستقل (الذي يكاد يكون من المستحيل تتبع مصدره) من قبل مجموعات وأفراد غير مسؤولين أمام الناخبين.

  بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يواجه الحزب الجمهوري المزيد من الصعوبات في جمع الأموال لأن الرئيس السابق حظر على اللجان الجمهورية على المستوى الوطني، واحدة لانتخابات مجلس الشيوخ والأخرى لانتخابات مجلس النواب، استخدام اسمه في جمع التبرعات. وكما هو الحال دائمًا، فإن دونالد ترامب أكثر ارتباطًا بسلطته ورغبته في الانتقام من أولئك الذين تجرأوا على التصويت ضده (يرغب في نسفهم في الانتخابات التمهيدية لعام 2022) من خلال مبايعة مرشحين متطرفين “موالين له بنسبة 100 بالمائة” ضدهم، غير مبال بعافية الحزب وسلامته. وقد ردت اللجنتان بتأكيد حقهما (بموجب التعديل الأول الذي يضمن حرية التعبير) في استخدام اسم ترامب وصورته لأنه شخصية عامة. ان المعركة من أجل ناخبي ترامب ومن أجل أموال المانحين، قد بدأت الآن.

أستاذة مميزة متخصصة في القانون والشؤون الأمريكية