باسم العرق الأبيض «الحلقة 4»

هكذا أصبح الصراع الأوكراني مختبر الإرهاب اليميني المتطرف

هكذا أصبح الصراع الأوكراني مختبر الإرهاب اليميني المتطرف

-- سمحت الحرب الأوكرانية لمجموعة كاملة من أقصى اليمين بإرواء أوهامهم بالحرب في صراع شديد الحدة
-- لم تمنع الأيديولوجية النازية التي روجت لها ميليشيا ازوف من اندماج هذه الأخيرة في الحرس الوطني الأوكراني
-- الحركــة الإمبراطوريـــة الروســـية متورطـــة في تدريب متفوقين بيض على المشاركة في العنف داخل روسيا وخارجها
-- الصراع الأوكراني والأعمال الإرهابية لليمين المتطرف هما معركتــان في حرب عالميـة باســم الدفــاع عن العــرق الأبيض
-- يشارك الصراع الأوكراني في تطرف وتدريب الأفراد الذين سيعودون بعد ذلك إلى بلادهم


ارتفعت سحابة بنية جديدة فوق أوروبا. منذ أبريل 2014، يدور نزاع عنيف بين الانفصاليين الموالين لروسيا في المنطقة المنجمية دونباس في شرق أوكرانيــــا، ضد الموالين للحكومة المركزية في كييف.  فبراير 2014، أطاحت الحركة الأوروبية المؤيدة لأوروبا بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش من السلطة.

 وأدى هذا إلى تفاقم الميول الانفصالية للأوكرانيين المتحدثين بالروســـية -كثيرون منهم يعتبرون أنفسهم روسا أكثر منهـــــم أوكرانيين -في شبه جزيرة القرم وفي منطقة دونبــاس حيث يشكلون الأغلبية. مارس 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بعد استفتاء مثير للجدل.  وفي أبريل 2014، أدى تمرد مسلح في دونباس، بدعم من موسكو، إلى إعلان جمهوريتين انفصاليتين، دونيتسك ولوغانسك... إنها بداية حرب دونباس. ومنذ الحروب اليوغوسلافية (1991-2001)، لم يهز أوروبا أي صراع مسلح بهذه الشدة.

  بعد الحرب العالمية الثانية، سعى النشطاء اليمينيون المتطرفون إلى صراعات حيث يمكنهم الانخراط عسكريًا من أجل قضية تبدو صحيحة من وجهة نظرهم. ذهب متطوعون، ومعظمهم من فرنسا، للقتال في لبنان في السبعينات إلى جانب الكتائب المسيحية بزعامة بشير الجميل، في قتال شرس في الشوارع دمر بيروت. ونجد نفس هؤلاء المتطوعين في بورما، مع تمرد أقلية كارين ضد الحكومة، أو في أنغولا في صفوف يونيتا، التي حاربت النظام الماركسي المدعوم من كوبا في العقد التالي.

وستوفر حروب يوغوسلافيا أيضًا فرصة لدعاة الحرب من اليمين المتطرف الراديكالي لإطلاق النار، خاصة في صفوف القوات الكرواتية.
وفي غياب صراع واسع النطاق للقتال فيه منذ نهاية نزاعات البلقان، اختار العديد من الأشخاص الذين مروا إلى مرحلة التشدد الراديكالي، التطوع في جيوشهم الوطنية ولكن أيضًا في اوساط المرتزقة، حيث يشكلون الاغلبية.

البوتقة الأوكرانية
سمح اندلاع الصراع الأوكراني لمجموعة كاملة من أقصى اليمين المتطرف بإرواء أوهامهم بالحرب في صراع شديد الحدة، أودى بحياة عدة آلاف من الأشخاص وما زال دون حل. ويأتي الجميع للقتال باسم أيديولوجيتهم المعادية للأجانب والعنصرية، حتى لو وجدنا هؤلاء الراديكاليين من أقصى اليمين في المعسكر الموالي للحكومة، والى جانب الانفصاليين أيضا. ويسعى كل جانب من أطراف الصراع إلى لفت انتباه وسائل الإعلام إلى هذه الحرب التي تجري على حافة أوروبا. فبالنسبة للموالين، إنها مسألة جعل معركتهم تعيش مع القوى الغربية، بينما تسعى روسيا، التي تدعم الانفصاليين، إلى استعادة موقعها القيادي على الساحة الدولية، والتذكير بقوتها المزعجة.

وبالنسبة للاعبي تفوق العرق الابيض في الصراع الأوكراني، بغض النظر عن ولاءاتهم، فإن الهدف هو جذب أكبر عدد ممكن من الناس للقتال في هذه الحرب التي تقدّم على انها تمهيد لصراع عنصري عالمي. إنه موضوع موحد، مثل نزاعات أخرى سابقة، يمكن أن يكون بمثابة أرض خصبة، أو حتى أسطورة تأسيسية لجيل كامل من النشطاء من اليمين المتطرف، ويؤدي إلى ظهور حركة جديدة عنيفة وعنصرية وعابرة للأوطان.
في صفوف الموالين، تم تشكيل العديد من وحدات الميليشيات من خلال تجنيد أعضاء منظمات بشكل كبير الى جانب الهوليغانز اليمينيين الذين استعرضوا عضلاتهم في مظاهرات أورو-ميدان، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. وفوج أزوف هو أشهر هذه الميليشيات السابقة.

عندما كانت الوحدة لا تزال مجرد كتيبة من المتطوعين، برزت خلال القتال من اجل استعادة ميناء ماريوبول الاستراتيجي من الانفصاليين في أبريل 2014. ولم تخفي المجموعة قناعاتها النازية الجديدة، بإبراز شاهد الشمس السوداء و”خطاف الذئب”، وهي شارة ألمانية قديمة تبناها النازيون، ورمز حزب سفوبودا اليميني المتطرف قبل عام 2003 -والتي كان يضعها في شعاره القديم.
وكشف تقرير تلفزيوني نرويجي عن مقاتلي أزوف، أن بعضهم يعرضون على خوذاتهم رمز اس اس أو الصليب المعقوف.

 لم تمنع الأيديولوجية النازية التي روجت لها هذه الميليشيا الوحدة شبه العسكرية السابقة، من الاندماج في الحرس الوطني الأوكراني في نهاية عام 2014، وبالتالي ربطها مباشرة بوزارة الداخلية، لتعويض نقاط الضعف في الجيش النظامي... في تراجع كامل.
حاول فوج آزوف منذئذ تحسين صورته في أوكرانيا وخارجها. وتمت إزالة الشمس السوداء من شعار الوحدة الجديد الأكثر حيادية. وحاول قادتها أيضًا الانضمام إلى اللعبة السياسية الأوكرانية من خلال إنشاء حزب الفيلق الوطني عام 2016، وأعضاؤه هم فقط من قدامى المحاربين في الوحدة. ويقود الحزب أندري بيليتسكي، وهو أيضا قائد فوج أزوف.

مركز جذب نازي جديد
في مواجهة كل من الإمبريالية الروسية وتأثير الاتحاد الأوروبي، فإن الفيلق الوطني يبني مشروعه الدولي حول “انترماريوم”، وهو مفهوم جيو-سياسي طرحه فترة ما بين الحربين رئيس الدولة البولندي الاستبدادي (1918-1922) جوزيف بيوسودسكي، لوحدة من بحر البلطيق إلى البحر الأسود على غرار جمهورية الأمّتين، ولدت من اتحاد بولندا وليتوانيا في القرن السادس عشر.
إنها الصورة الرمزية السياسية لفوج آزوف، يرى فيها اتحادًا سياسيًا لـ “أوروبا الحقيقية”، الذي سيشكل كتلة في مواجهة توسعيّة وعدوانيّة روسيا بوتين في الشرق -توصف بأنها “يولشوفية جديدة”، ولكن أيضًا حصنًا ضد القيم المكروهة للغرب: الليبرالية والتعددية الثقافية والعلمانية والنسوية والدفاع عن حقوق الأقليات. إنها بشكل ما الطريق الثالث التي يسعى إليها الثوار القوميون، على سبيل المثال مجموعة وحدة الدفاع وورثائه في فرنسا، الذين يتم الاحتفاظ بروابط معهم.

  استقبل فوج آزوف عددًا كبيرًا من المتطوعين من الخارج، وبشكل رئيسي من أوروبا (فرنسا وألمانيا واليونان وكرواتيا والسويد ...) ولكن أيضًا من أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا وحتى روسيا. وإذا لم يلتزم الجميع في الأيام الأولى من الصراع بأيديولوجية موحدة، فقد شكلوا بعد ذلك قطبًا جاذبا للعديد من المسلحين الغربيين المعتنقين لنظرية تفوق العرق الابيض، والنازيين علانية. وقد قامت ميليشيا من اليمين المتطرف الراديكالي، وهي فرقة ميزانثروبيك (أدين أعضاؤها بارتكاب أعمال ترتبط بالإرهاب)، بتطوير شبكات في الدول الغربية لتشجيع وصول هؤلاء المتشددين المتطرفين بشكل خاص إلى أوكرانيا.
على عين المكان، اكتسبوا خبرة قتالية يعتبرونها حاسمة للمستقبل. ويرى العديد من الذين انضموا إلى صفوف أزوف الحرب الأهلية الأوكرانية، كساحة تدريب للحرب العنصرية التي ستأتي للدفاع عن أوروبا البيضاء.

«لدينا أفراد هنا أصبحوا مقاتلين اشداء، وربما أكثر راديكالية مما كانوا عليه عندما وصلوا. كما أننا نتعامل الآن مع شبكة دولية من المتفوقين البيض العنيفين الذين يمكنهم التحدث بسهولة مع بعضهم البعض عبر منصات مختلفة ثم العودة إلى ديارهم ونشر دعايتهم، أو تنظيم حصص تدريبية أو الانتقال إلى المعركة التالية، يوضح لموقع فايس، في يونيو 2019، مولي سالتسكوغ، محلل استخبارات ضمن شركة الاستشارات الاستراتيجية صوفان غروب.
بشهادة المقابلة التي كشف عنها موقع التحقيقات بيلينكات لمخضرم نرويجي، يواكيم فورهولم، اجراها مع محطة إذاعية تبشر بتفوق البيض، راديو ويرولف. يصف الرجل نفسه بأنه “ثوري قومي اشتراكي”، و”معجب بـ أندرس بهرنغ بريفيك”. ويشتبه في أنه حاول تشجيع رحيل المتطوعين الأمريكيين المنتمين لتيار تفوق العرق الابيض إلى أوكرانيا للانضمام إلى صفوف أزوف، من خلال جناحه السياسي، الفيلق الوطني.

«وجدت نفسي أقود مجموعة صغيرة من المتطوعين من جميع أنحاء الغرب لاكتساب بعض الخبرة العسكرية، وآمل أن أتمكن من إرسال بعض هؤلاء الرجال إلى ديارهم لينقلوا “مهاراتهم ومعرفتهم”، شرح فورهولم لمستمعي الراديو المتعصب للبيض عن مشاركته في أوكرانيا، “إنه يشبه إلى حد ما مختبر للفاشية، الظروف هناك مثالية”. ويخلص الى القول: “إنهم فوج أزوف لديهم فعلا نية حازمة في مساعدة بقية أوروبا على استعادة الأراضي التي تنتمي إليها بحق».
ويتم نشر الرسائل الدعائية من هذا النوع بكثرة على الشبكات الاجتماعية: تلك الخاصة بـ “استعادة أوروبا” التي ستنطلق من أوكرانيا، لاستعارة المصطلحات التي تستخدمها أولينا سيمينياكا، شخصية بارزة من الفيلق الوطني والمسؤولة عن تطويره دوليا.

وهكذا، نجد بالعديد من اللغات الأوروبية، ولا سيما باللغة الفرنسية، قنوات تلغرام التي تمجد أعمال فوج أزوف، وحتى جرائم الحرب مثل قطع رؤوس المقاتلين الانفصاليين. ولا يتردد البعض منهم، أكثر راديكالية من الآخرين، في الترويج لهجمات برينتون تارانت، أو أندرس بريفيك. وبالنسبة لمديري هذه القنوات، فإن الصراع الأوكراني والأعمال الإرهابية لليمين المتطرف، هما معركتان في حرب عالمية أكثر باسم “الدفاع عن العرق الأبيض».

على جانبي الجبهة
من خصوصية النزاع الأوكراني، نجد هناك أيضا مقاتلون يمينيون متطرفون على الجانب الآخر من خط الجبهة. افتتانا بروسيا فلاديمير بوتين -التي تحظى شخصيته بشعبية كبيرة في هذه الأوساط -وانتماء للقومية بانسلافية، ومعارضة للاتحاد الأوروبي أو الناتو، أو حتى في بعض الأحيان بدافع بسيط الذهاب لإطلاق النار، انضم عدة آلاف من المتطوعين الأجانب إلى صفوف المقاتلين من الجمهوريتين الانفصاليتين لوغانسك ودونيتسك.

توزّع هؤلاء المقاتلون في عدد كبير من الوحدات في بداية النزاع، وكانوا يتجمعون عمومًا حسب الجنسية، مثل المجموعة القارية الفرنسية الصربية كونتيننتال يونيت، قبل أن تتم السيطرة عليها تدريجيًا من قبل السلطات المحلية في 2015 تحت ضغط من موسكو. ومن بين هذه المجموعات المتعددة، سمح الفيلق الإمبراطوري بقيادة دينيس غارييف لمئات الروس بالانتشار في المنطقة المنجمية في شرق أوكرانيا لمحاربة الموالين. وهو فرع عسكري لمنظمة روسية قومية متطرفة، ترى أن أوكرانيا هي أرض روسية تاريخيا يجب استعادتها، وأن الأوكرانيين هم “منشقون” يجب محاربتهم باسم الأرثوذكسية.

خريج جامعة ولاية سانت بطرسبرغ المرموقة، فان دينيس غارييف هو اذن زعيم الميليشيا، وزعيم منظمة يمينية متطرفة راديكالية روسية، الحركة الإمبراطورية الروسية.
وتتميز هذه الأخيرة بأنها أول تشكيل يتبنى نظرية تفوق البيض، تضعه الولايات المتحدة على قائمتها السوداء للمنظمات الإرهابية العالمية في أبريل الماضي. ببضع مئات من المقاتلين، فإن الحركة الإمبراطورية الروسية هي حزب ملكي يمجد ذكرى النظام القيصري، مع إضافة شعور عميق بالاسلاموفوبيا، وإرادة للدفاع عن حضارة “البيض”. برمجية كارهة للأجانب تتناسب تمامًا مع الحركة العنصرية العالمية الناشئة.

وبالنسبة لهذا التنظيم، فإن الحملة الصليبية الجديدة ستكون “الرد الوحيد الكافي والممكن على التوسع الإسلامي العدواني”. ويزعم الحزب أنه أرسل مقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد، ولكن أيضًا في ليبيا (حيث قُتل مقاتلين اثنين على الأقل) وفي جمهورية إفريقيا الوسطى. “يجب على المسيحيين الدفاع عن أنفسهم بمهاجمة العدو على أراضيه، وفي مخبئه”، يبرر بيان الحركة الإمبراطورية الروسية المنشور على الشبكات الاجتماعية.

مدعومًا بدعاية فعالة على وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات داخل الأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا الغربية -كان ستانيسلاف فوروبيوف، قائد المجموعة، على سبيل المثال في باريس في مايو 2018 للتحدث في المنتدى الرابع لأوروبا الذي نظمته الحركة الفاشية الجديدة الفرنسية حول إيفان بينيديتي -نجحت المنظمة الروسية في جذب متطوعين من جميع أنحاء الغرب وحتى المتطرفين الأمريكيين من جماعة أتوموافين. ومع ذلك، يقاتل أعضاء هذه المنظمة على الجانب الاخر، في صفوف فوج أزوف أو في ميليشيات للنازيين الجدد أوكرانية موالية.

دورات تدريبية شبه عسكرية
في الواقع، وفقًا لمركز الإرهاب والتطرف ومكافحة الإرهاب، ومقره في مونتيري، كاليفورنيا، “ الحركة الإمبراطورية الروسية هي منظمة متطرفة خطيرة متورطة في تدريب معتنقين لنظرية تفوق البيض على المشاركة في العنف داخل وخارج روسيا «.
وتقترح المجموعة على مواطنين غير روس الحضور في معسكرات تدريب على القتال في “كامب بارتيزان”، الذي يقع مقره الرئيسي في سانت بطرسبرغ، بالقرب من حديقة سوسنوفكا. ويتعلم المتطوعون، منهم العديد من أعضاء الشباب الأوروبي المنتسبين إلى أحزاب اليمين المتطرف، كيفية استخدام الأسلحة وأساسيات طب الحرب والتنقل التكتيكي وحتى الطوبوغرافيا. في أوائل شهر يونيو، كشفت مجلة فوكوس، استنادًا إلى معلومات من أجهزة المخابرات الألمانية، أن شبابا من الحركة النازية الجديدة، حزب الطريق الثالث، وفرع الشباب في الحزب الديمقراطي الجديد (“القوميون الشباب”) ذهبوا هناك وشاركوا في هذه الدورات.

ومن بين “المتدربين” من أوروبا في الحركة الإمبراطورية الروسية، انتقل بعضهم إلى الفعل الإرهابي في بلادهم. فيكتور ميلين وجيمي جوناسون وأنطون تولين، ثلاثة سويديين، حكمت عليهم محكمة غوتنبرغ بالسجن مدة ثماني سنوات ونصف، عام 2017 بتهمة ارتكاب هجمات بالقنابل في نوفمبر 2016 على مباني منظمة نقابية ومخيم للاجئين.
تم تدريب جميع الأعضاء الثلاثة في حركة المقاومة النوردية، وهي منظمة سويدية للنازيين الجدد في السويد، تأسست عام 1997، على التعامل مع المتفجرات في “معسكر بارتيزان”، في أغسطس 2016، طيلة أحد عشر يومًا. دليل على أن الصراع الأوكراني يشارك في تطرف وتدريب الأفراد الذين سيعودون بعد ذلك إلى بلادهم، مثل الجهاديين الذين غادروا للتدريب في أفغانستان مع القاعدة... مع البقية التي نعرفها.