تم تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة:

هكذا انتشرت نظريات «كيو أنون» في أوروبا...!

هكذا انتشرت نظريات «كيو أنون» في أوروبا...!

    يتمتع مطعم” بيتزا جيرل” بموقع متميّز في الدائرة السادسة بباريس، ويقدم البيتزا التي تحمل أسماء مثل “جيرل مكسيكية” مع اللحم المفروم الحار، أو “جيرل نرويجية” مع السلمون المدخن.  ويتميز شعار المطعم بشكل حلزوني، يهدف إلى تمثيل بيتزا تعلوها صلصة الطماطم.    وإذا كنت تتابعون قصص نظرية المؤامرة في السنوات القليلة الماضية، فقد تتخيّلون بقية القصة. قبل بضعة أسابيع، وفقًا لما أوردته صحيفة لو باريسيان، تم إبلاغ صاحب “بيتزا جيرل” من قبل زبائن قلقين، بأن مطعمه للبيتزا كان هدفًا لتعليقات عبر الإنترنت تتهمه بالعمل كواجهة لشبكة تستغل الأطفال جنسيا.
  بالنسبة للمتآمرين، كان يجب أخذ أسماء البيتزا في ظاهرها -حدثت مغامرة مماثلة في مطعم بيتزا في واشنطن، وهو “كوميت بينغ بونغ”، والذي أصبح في قلب “بيتزا غيت”، وهي نظرية مؤامرة غريبة تشمل هيلاري كلينتون وطقوس شيطانية واستغلال جنسي للأطفال “في عالم بيتزا غيت، اللوالب هي رموز مخفية يستخدمها المستغلون جنسيا الأطفال».

   «لا أعرف ما إذا كانوا مرضى أو غيورين أو مازحين، قال المالك للصحيفة، لكن هل سيتوقف الأمر قريبًا؟ هل يجب أن نأخذ هذه القصة على محمل الجد؟”، مع العلم أن كوميت بينغ بونغ تلقى زيارة من “محقق” مدجج بالسلاح عام 2016، وقد يكون من الصواب، في كل الأحوال، عدم الاستخفاف بها.

مؤامرة جاهزة للتصدير
   ربما من غير المستغرب أن تصبح بيزا غيت امتيازًا دوليًا. ففي الأسابيع الأخيرة، أصبح جليّا أن “كيو أنون”، وهي تيار لنظرية المؤامرة “ وهم جماعي “ طائفة “ ظاهرة تآمرية في عهد ترامب، قد تم تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة.  “كيو أنون”، التي نشأت في منتدى “فورتشان” برسائل نشرها واحد أو أكثر من مستعملي الإنترنت باستخدام الاسم المستعار “كيو”، تطرح أن مجموعة غامضة من النخب العالمية “منها بيل وهيلاري كلينتون، باراك أوباما، جورج سوروس، بيل جيتس وغيرهم” متورطون في الاتجار بالأطفال.
    ظهر الحجم الدولي للحركة خاصة في 29 أغسطس في برلين، عندما حاول نشطاء اليمين المتطرف “المناهضون للكمّامة”، ومن بينهم العديد ممن يرتدون أعلام وشعارات “كيو أنون”، اقتحام الرايخستاغ. و”كيو لوبال تشانج” هي أشهر قناة على يوتيوب باللغة الألمانية مخصصة لـ “كيو أنون”، لديها أكثر من 105 الاف مشترك. وتوجد قناة مماثلة باللغة الفرنسية لديها أكثر من 66 ألف، وهو الرقم الذي تضاعف ثلاث مرات في أقل من شهر. ولكن، إذا كانت ألمانيا وفرنسا هما الدولتان اللتان تجمعان أكبر عدد من المتابعين في أوروبا، فهناك أيضًا الكثير في إيطاليا والمملكة المتحدة.
    قد يبدو هذا الانتشار لـ “كيو أنون” غير متوقع نظرًا لأنها في الأصل نظرية مؤامرة أمريكية تحديدًا، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأحداث السياسية التي حدثت مؤخرًا في البلاد.
   في الواقع، زعمت المنشورات المبكرة من النظرية، أن دونالد ترامب يعمل جنبًا إلى جنب مع روبرت مولر لفضح مؤامرة تشمل كلينتون وأوباما. ومع ذلك، فقد ثبت أن هذه النظرية قابلة للتكيف بشكل مدهش مع انساق أخرى.
   «ما نراه هو أنها تتكيف مع الظروف المحلية، وتحوّل سرديات مؤامرات النخبة المحلية”، توضح تشين لابي، رئيسة تحرير نيوز غوارد، وهي مجموعة مراقبة إعلامية أنتجت مؤخرًا تقريرا عن “كيو أنون” في أوروبا. “لقد استطاعت الاختراق لأنها مؤامرة فوقية، ترتكز على مفاهيم فضفاضة للغاية حول “الدولة العميقة” ومؤامرة النخبة. ونظرًا لوجود جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال في جميع البلدان، فمن السهل جدًا نقل كل هذا إلى السياق المحلي لكل بلد».
جذور في شبكات
 اليمين المتطرف
    في ألمانيا، قطعت النظرية طريقها مع الرايخسبورج، وهي حركة هامشية يمينية متطرفة يعود تاريخها إلى الثمانينات، ترى أن الدولة الألمانية الحديثة هي بناء مصطنع أنشأته قوى أجنبية، وأن حدود الإمبراطورية الألمانية لعام 1937 لا تزال موجودة.
    ومثل ما يسمى بـ “المواطنين ذوي السيادة” في الولايات المتحدة، غالبًا ما يرفضون دفع الضرائب لدولة يعتبرونها غير شرعية، ويطبعون أوراق هويتهم الخاصة، وقد ارتبطوا بأعمال عنف. ومع ذلك، إذا كان المواطنون الأمريكيون ذوو السيادة غير تقليديين أيديولوجيًا بدرجة أكبر إلى حد قبول القوميين السود في صفوفهم، فإن الرايخسبورج هم من البيض على وجه الحصر تقريبًا، واليمين المتطرف، ومعادين للسامية بشراسة. “بالنسبة لهم،”كيو أنون” مجرد إضافة لأفكارهم”، يوضح دانييل كوهلر، مدير المعهد الألماني لدراسات التطرف وإزالة التطرف.
    في فرنسا، انتشرت نظريات كيو أنون لدى بعض الفروع الهامشية جدًا من “السترات الصفراء”، التي ولدت حركتها في معارضة ضرائب الوقود، وتحولت إلى حركة احتجاجية عامة ضد النخب السياسية في البلاد.
 وتحدد تشين لابي أنه في مارس 2019، تم تأسيس مجموعة على فيسبوك باسم “سترات صفراء ضد جريمة التحرش بالأطفال” -وهو موضوع “مركزي في عالم “كيو أنون”، ولكنه بعيد جدًا عما تتحدث عنه السترات الصفراء».
    ويدعم العديد من مؤيدي” كيو أنون” الفرنسيون أيضًا، البروفيسور ديدييه راولت واستخدام الهيدروكسي كلوروكين ضد فيروس كورونا، حتى لو لم يتم إثبات اهميته علميًا وأنه حل يحتمل أن يكون خطرا (وهو ما لم يمنعه من إغواء يمين العالم بأسره، من البرازيل إلى البيت الأبيض). وبالمثل، في إيطاليا، وجدت” كيو أنون” أيضًا دعمًا من الحركة المهمة والمؤثرة المناهضة للقاحات.

أوروبا خارجة
من الحجر وغاضبة
    في أوروبا، استفادت “كيو أنون” أيضًا من نظريات المؤامرة الأخيرة تلك التي تتعلق بالأخطار المفترضة لشبكات الجيل الخامس وبيل جيتس.
    لكن بالنسبة للخبراء، فإن رد الفعل على الحجر الصحي هو الذي جعل أسهم “كيو أنون” ترتفع في أوروبا. “لو كنتم قد اتصلتم بي قبل بضعة أشهر، لكنت أخبرتكم أنه باستثناء الرايخسبورج وحركة المواطنين ذوي السيادة، لم تكن “كيو أنون” تثير اهتمام الكثير من الناس، لقد انتشرت الحركة الآن أكثر”، يؤكد كولر.
    وعلى غرار نظرائهم الأمريكيين، يرى مؤيدو” كيو” الأوروبيون، أن فيروس كورونا وإجراءات الحجر الصحي جزء من مؤامرة من قبل النخب العالمية للسيطرة على الشعوب. وربما الأمر الأكثر إثارة للدهشة، أن “هؤلاء الناس يقدسون دونالد ترامب بقدر ما يقدسه أنصار “كيو أنون” الأمريكيين”، يشير كوهلر. خلال مظاهرة الرايخستاغ، شوهدت صور ترامب (والرئيس الروسي فلاديمير بوتين) بالإضافة إلى لافتات تطلب من الرئيس الأمريكي “جعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى».
   وخلال خطاب، صرح أحد الأشخاص، ممن تناولوا الكلمة، بشكل غير صحيح إن ترامب وصل في نفس اليوم إلى برلين لتحرير البلاد من حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. ويعطي هذا فكرة عن مستوى انفصال الحركة عن عامة الناس: وفقًا لاستطلاع تم إجراؤه في وقت سابق من هذا العام، فإن 13 بالمئة فقط من الألمان لديهم رأي إيجابي بشأن ترامب، بينما وصلت شعبية ميركل رقما قياسيا بسبب الطريقة الناجحة والشاملة التي تعاملت بها ألمانيا مع أزمة فيروس كورونا.

دعم، لكنه هامشي
   تم دفع الحركة أيضًا من قبل بعض المشاهير، ولا سيما المغني الألماني في فرقة أر آند بي (وعضو لجنة تحكيم برنامج ذا فويس) كزافييه نايدو، الذي بث رسائل “كيو أنون” على حسابه الخاص بشبكة تلغرام، أو الطاهي النباتي الشهير أتيلا هيلدمان، الذي دعا إلى تدخل الولايات المتحدة من أجل “المطالبة بتحرير ألمانيا ومحاكمة عسكرية لميركل”. وفي المملكة المتحدة، ألمح مغني البوب روبي ويليامز أيضًا، في مقابلة في يونيو الماضي، إلى أنه لم يتم إلقاء كل الضوء على قضية “بيتزا غيت».
   من ناحية أخرى، في أوروبا، لم ينضم أي سياسي مهم، أو حتى درجة ثانية، إلى “كيو أنون”. وهذا يتناقض مع الولايات المتحدة حيث تحالف العديد من المترشحين للكونغرس، وقلة منهم يملكون فرصة جيدة للفوز، مع الحركة، حيث تظهر الإشارات التي تحمل الحرف كيو بانتظام في اجتماعات ترامب، وحيث رفض الرئيس نفسه في عدة مناسبات إدانة أو النأي بنفسه عن هذه الحركة الزاحفة.
    ويلاحظ كوهلر، أنه رغم الاهتمام الذي لقيته حول العالم، فإن الاحتجاجات ضد الكمامات في ألمانيا ظلت محدودة ومهمشة سياسيًا، رغم أن بعض السياسيين من الحزب اليميني المتطرف، البديل من اجل ألمانيا، أيدها.
   وتشير تشين لبي أيضًا، إلى أن كيو أنون” جديدة تمامًا” في أوروبا. في الولايات المتحدة، ظهرت أولى منشورات كيو المجهولة المصدر على “فورتشان” عام 2017، وظهرت قصة “يبتزا غيت” قبل ذلك. اما في أوروبا، لم يبدأ محتوى “كيو أنون” في الظهور على الإنترنت الا أواخر عام 2019، وفقًا لـ “نيوز غوارد”، وبدأت نظرياتهم في الانتشار هذا الصيف فقط.
    لذلك، لا يزال أمام أحدث تصدير ثقافي من الولايات المتحدة بعض الوقت للعثور على جمهوره حقًا.