تماسك السلطة وانسجامها يهتز:

هكذا تدير الصين الأزمة الصحية لفيروس كورونا...!

هكذا تدير الصين الأزمة الصحية لفيروس كورونا...!

-- أكثر ما يثير قلق السلطات، اعتقاد الكثيرين أن الحكومة لم تتفاعل بالسرعة الضرورية في بداية الوباء
-- هذه هي المرة الثانية التي تواجه فيها الصين وباءً في بداية القرن الحادي والعشرين
-- حداثة ووهان ترجع إلى حد كبير إلى صناعتها
-- أولوية القيادة الصينية هي إظهار أنها تعرف كيف تدير أزمة صحية هائلة
-- تم اختيار ووهان من قِبل ماو تسي تونغ عام 1966 لإطلاق الثورة الثقافية


ستحدد التحليلات المستقبلية كيف انتشر فيروس كورونا؟ الفرضية الأكثر ترجيحًا هي أن الوباء بدأ من سوق هوانان في ووهان حيث توجد جميع أنواع الثعابين الحية والميتة التي يتم شراؤها من قبل المستهلكين المولعين بلحومها، ويشربون دماءها مختلطة بالكحول. السمندل العملاق، أو الفئران، موجودة في هذا السوق حيث نعثر أيضًا على أنواع من البانجولينات، المحظور بيعها من حيث المبدأ لأنها مهددة بالانقراض. وفي كل الاحوال، يتم الآن إغلاق أكشاك هوانان.    لقد تم عزل ووهان بكاملها: يجب على السكان البالغ عددهم 11 مليون نسمة البقاء في منازلهم والخروج بأقل قدر ممكن، ومعظم المتاجر مغلقة، والشوارع مهجورة. وتم فرض نفس الحبس على ما يقارب 45 مليون شخص يعيشون في عشرات المدن المجاورة، وكلها في مقاطعة هوبي.

ووهان، العاصمة الحديثة
   في وسط الصين، تقع ووهان في منتصف الطريق تقريباً بين بكين وهونغ كونغ. كثافة سكانية عالية ونشيطة، تشكلت ووهان قبل حوالي ستين عامًا باتحاد ثلاث مدن: هانكو ووشانغ وهانيانغ، وتظهر واحدة منهن، هانكو، في اللوتس الأزرق:

هنا هرب بطل الكرتون تنتان، من الدوبون المتنكرين في زي الماندرين والمكلفين باعتقاله.   في الواقع، تم اختيار ووهان، التي أصبحت مركزًا صناعيًا كبيرًا في بدايات الشيوعية الصينية، من قِبل ماو تسي تونغ عام 1966 لإطلاق الثورة الثقافية. وقد سبح الزعيم ضد التيار في مياه نهر اليانغتسى جيانغ لإظهار تصميمه على معارضة التطورات السياسية الصينية التي أبقته خارج السلطة. وحتى اليوم، على ضفة النهر، ليس بعيدا عن وسط مدينة ووهان، توجد لوحة مهملة تخلد المكان الذي غاص فيه ماو في النهر.   تعود حداثة ووهان في جزء كبير منها إلى صناعتها. هناك عدة مئات من الكيلومترات المربعة تشغلها مصانع الصلب التي تصنع بشكل خاص السكك الحديدية لــ” تي جي في” الصيني.

   كما تسجل التقنيات الحديثة وجودها أيضًا من خلال شركات تصنيع المعالجات الدقيقة وغيرها المكرسة للطب الحيوي. وأخيراً، أقامت العديد من شركات السيارات الصينية واليابانية والغربية مصانع في ووهان.   من الجانب الفرنسي، وفي شراكة مع المصنّع الصيني دونغ فنغ، انتصبت بيجو-سيتروان هناك عام 1992 ولها حاليًا مصنعان في ضواحي المدينة. واستقرت رينو، المرتبطة أيضًا بـ دونغ فنغ، هناك عام 2016. ثم جاء كارلوس غصن لافتتاح مصنع ينتج سيارات من نوع كدجار وسيارة كهربائية.
   في قطاع السيارات هذا، تعمل فروع عديد المؤسسات وشركات المناولة الفرنسية في ووهان بالقرب من المصانع التي أنشأتها الستوم أو ساب. بالإضافة إلى ذلك، منذ عام 1999، تم توأمة مدينة بوردو الفرنسية مع ووهان. وعندما كان عمدة المدينة الفرنسية، اقام آلان جوبيه في عدة مناسبات بالمدينة الصينية، حيث كانت تقام معارض لنبيذ بوردو كل عام.

رد فعل متأخر من السلطات
  قررت السلطات الصينية إغلاق مطار المدينة -الذي سمح مع ذلك ببعض الرحلات الجوية للأجانب الذين يطلبون العودة إلى اوطانهم. وهذه هي المرة الثانية التي تواجه فيها الصين وباءً في بداية القرن الحادي والعشرين. فبين 2002 و2003، قتل فيروس السارس 774 شخصًا في جميع أنحاء العالم. ويبدو الشكل الجديد من فيروس كورونا اليوم بنفس القدر من الخطورة إن لم يكن أكثر. في أواخر يناير، تسبب هذا المرض بالفعل في أكثر من 130 حالة وفاة في الصين، وأصاب أكثر من 6 الاف شخص.
   في الحالتين، لم يكن رد فعل السلطات الصينية فوريًا. عام 2002، تمثّل أول ردّ فعل في حجب جميع المعلومات عن تطور الوباء طيلة ثلاثة أشهر. بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية في مارس 2003، كان رد فعل هو جين تاو قويا ضد موقف الإدارة التي كان يهيمن عليها موالون لسلفه، جيانغ زيمين. في غضون أيام قليلة، قررت فرق هو جين تاو سلسلة من الاحتياطات: قياس درجة حرارة كل السكان في مداخل كل العمارات، وكان على أي شخص يخرج الى الشارع أن يرتدي قناعًا، كما أوصوا بارتداء القفازات البلاستيكية لفتح الابواب.
   بعد أربعة أشهر، اختفى وباء السارس. وتم طرد رئيس بلدية بكين ووزير الصحة. وقد اتُهما بالتأخّر في رفع درجة الإنذار. بعد ست سنوات، أثبت علماء الطب الشرعي، الذين قاموا بتحليل بقايا أحد أول مرضى السارس، أن الزباد كان وراء الوباء.

التعبئة القصوى
   في ديسمبر الماضي، في ووهان، تمثّل أول رد فعل للسلطات في إخفاء ظهور الحالات الأولى من هذا المرض، والذي لم يكن يسمى فيروس كورونا. وطيلة ثلاثة أسابيع، فحص معهد البحوث التابع للأكاديمية الطبية العسكرية، المرضى المصابين بهذا الفيروس الجديد عن طريق فرض السرية العسكرية. الا ان الشائعات بدأت تنتشر أن مرضا مجهولًا قد ظهر. في أواخر شهر ديسمبر، أكد تشونغ نانشن، عالم الأوبئة في كانتون، الذي اشتهر في الصين نتيجة عمله على أصول السارس، الخبر.
   في 31 ديسمبر، أعلنت لجنة الصحة ببلدية ووهان، أن “مرضًا غامضًا” قد لوحظ على 27 شخصًا كانوا على اتصال بسوق المأكولات البحرية في هوانان. بعد ثلاثة أسابيع، في بكين، قررت السلطات السياسية دخول المشهد رسميًا. عقد اجتماع للأعضاء السبعة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 25 يناير.

   بعد ذلك، قال شي جين بينغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، الرجل الاول في النظام، إن الصين قادرة على “كسب المعركة ضد الفيروس”، لكن لا تخفي أن الوباء “خطير”، وأنه “يتسارع”. وللتأكيد على التزام السلطات الصينية، أضاف قائلاً: “في مواجهة هذا الوضع، من الضروري تقوية القيادة المركزية والموحدة للجنة المركزية للحزب”. وهذا يعني، في اللغة الشيوعية الصينية، أن السلطة في حالة استنفار قصوى، وتريد أن يعرف الجميع ذلك.
   لم تعد وكالات الاسفار الصينية مخولة ببيع رحلات إلى هذه المدن أو لحجز فنادق هناك. بالإضافة إلى ذلك، تم إرسال كوادر طبية، منهم 450 طبيبًا عسكريًا، إلى الموقع.
وفي قلب مدينة ووهان تقرر بناء مستشفى جديد بسرعة قياسية: سيكون قادرًا على علاج ألف حالة. يوجد في المدينة 4 الاف سرير في المستشفيات يمكنها استيعاب مرضى الفيروس. ومن المخطط بناء مراكز رعاية أخرى، كما تشير الوكالة الصينية الجديدة، وفي نهاية شهر فبراير سيكون هناك 6 الاف سرير إضافي في ووهان.

مكافحة القلق الفيروسي
   وللإشراف على مكافحة الوباء، تم إنشاء مجموعة عمل في بكين، برئاسة لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء. في 27 يناير، زار هذا الاخير ووهان. الهدف هو “التحقيق في الجهود المبذولة لاحتواء الفيروس”، و”مقابلة المرضى والعاملين الطبيين في الخطوط الأمامية للوباء”. الصور في الصحافة الصينية تظهر رئيس الوزراء في معطف من البلاستيك وقناع أزرق يشاهد مريضا على الشاشة.
    بالتوازي، في العديد من المدن الصينية الكبرى، منها بكين، توصي مكبرات الصوت بأن “يتجنب سكان كل منطقة التجمعات في الأماكن العامة”، وخصوصا، “لا تنسوا ارتداء قناع”، إذا كان لا بد من الخروج الى الشارع.

   ومن المحتمل أن تسعى الحكومة الصينية، من خلال الإعلانات والقرارات التي تتضاعف، إلى مواجهة الأس ئلة المختلطة بالقلق التي تنتشر بين السكان. على شبكة الإنترنت، يمكننا أن نقرأ على سبيل المثال “من الأفضل تجنب المستشفى في حالة حدوث أعراض تنفسية غير عادية لأنه أضمن وسيلة للإصابة بفيروس كورونا”، أو أنه من الأفضل “شرب الماء الساخن وتسخين شقتك قدر الإمكان».
    من ناحية أخرى، وهذا هو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للسلطات، يعتقد الكثيرون أن الحكومة لم تتفاعل بالسرعة الكافية في بداية الوباء. ويشاع أن أول أفراد الطواقم الطبية الذين أرادوا أن يدقوا ناقوس الخطر في نهاية ديسمبر في ووهان، سجنوا على الفور.

    إلى ذلك، ينضاف قلق من السلطات المحلية في ووهان، المتهمة بالتأخّر الإعلان عن الوباء. ففي 27 يناير الماضي، في مقابلة تلفزيونية، لم يخف العمدة تشو شيان وانغ قلقه..
 وقال إنه يتوقع حدوث ألف حالة إصابة أخرى في المدينة، واعترف أيضًا بأنه لم يكن قادرًا على الإعلان فورًا عن ظهور المرض: “كمسؤول محلي، بمجرد حصولي على هذا النوع من المعلومات، انا بحاجة إلى انتظار إذن حتى أتمكن من بثها”. مثل هذا التصريح من زعيم محلي غير عادي تماما في الصين.
    يبدو أن تماسك السلطة الصينية وانسجامها يهتز جراء حجم الخطر وضخامته الذي يمثله فيروس كورونا الجديد. وقد يكون هناك استعداد من جانب كبار قادة الحزب الشيوعي في بكين لتبرئة أنفسهم من أي مسؤولية عن التأخير في تطبيق التدابير الاحترازية، لكن الآن الوقت ليس مناسبا لإطلاق العنان لما قد يبدو شجارا داخل السلطة...
 إن أولوية القادة الصينيين هي إظهار أنهم يعرفون كيف يديرون أزمة صحية هائلة.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot