بعد 100 يوم من حرب أوكرانيا:

هكذا تعيد أوروبا والولايات المتحدة تعريف الحرب...!

هكذا تعيد أوروبا والولايات المتحدة تعريف الحرب...!

-- العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا قد انتهت، بمعنى أن حربا حقيقية قد بدأت
-- هل نحن في حرب عالمية لا يريد أحد تسـميتها...؟
-- «إنها فترة غريبة نخشى فيها حربا شاملة ونستمر في العيش بسلام»
-- يبدو أن الولايات المتحدة تقترب أكثر من صراع مسلح ضد موسكو


   من خلال تسليم أسلحة قوية بما يكفي لضرب روسيا قبل منح 700 مليون مساعدة عسكرية إضافية لأوكرانيا، يبدو أن الولايات المتحدة تقترب أكثر من صراع مسلح ضد موسكو، والدول الأوروبية تتبعها عن قرب. فهل نحن في حرب عالمية لا يريد أحد تسميتها؟
   مائة يوم من الدم، مائة يوم من الضبابية. بينما لا ترى أوكرانيا، التي غزتها موسكو في 24 فبراير، مخرجا لهذه المواجهة الدموية، فإن السؤال أصبح أكثر جدية: من خلال تسليم المزيد من الأسلحة إلى كييف، هل دخل الأوروبيون والأمريكيون الصراع المباشر مع الكرملين في حرب ليس من مصلحة أحد تسميتها؟

ان اللحظــــة حاســــمة، لأنـــــه للمـــــرة الأولى قـــررت واشــــنطن، الثـــلاثـــاء، إرســــال نظام صاروخي بعيد المدى لأوكرانيا يصل إلى روسيا.
  خطوة يقاس مداها بملاحظات جو بايدن، في نفس اليوم، من خلال مقال في نيويورك تايمز. هو الذي قال عن فلاديمير بوتين قبل شهرين أن “هذا الرجل لا يمكن ان يبقى في السلطة”، يراهن بالكامل على التهدئة.

وأقسم المسؤولون الأمريكيون: كييف لن تستخدم أهدافًا على الأراضي الروسية، وقد تعهّد الرئيس زيلينسكي بذلك. فهل سيفي بوعده؟ سياتي الرد على الأرجح في يوليو، حيث يتطلب الامر حوالي ثلاثة أسابيع حتى يتعلّم الجنود كيفية استخدام هذه الأنظمة، وفق مسؤول كبير في البنتاغون نقلت عنه نيويورك تايمز.

« حرب أم لا حرب؟ «
   تتضاعف مؤشرات التصعيد، مع زيادة ألمانيا لميزانيتها العسكرية يوم الخميس. في الاثناء، تُسمع أصوات من الجانب الروسي تشير إلى تصعيد. “ربما حان الوقت للاعتراف بأن العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا قد انتهت، بمعنى أن حربا حقيقية قد بدأت. “...” إنها الحرب العالمية الثالثة. فنحن مضطرون إلى نزع السلاح ليس فقط من أوكرانيا، ولكن أيضًا من كل حلف الناتو «.
   هل ان مقدمة البرنامج التلفزيوني الروسي 60 دقيقة، أولغا سكابييفا مهووسة بإشعال الحرائق؟ بالتأكيد. تبقى الحقيقة، أن خطابها العدائي يوم الثلاثاء، ألقي على قناة روسيا 1، أكبر قناة في البلاد، ولم يتنصل منه أحد. وقال أندريه كورتونوف، مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية، في إزفستيا، الأربعاء: “على الرغم من كل ما يقال في واشنطن، فإن مخاطر التصعيد تتزايد. “...” يجب أن يوضع في الاعتبار أن لدى روسيا والولايات المتحدة تعريفات مختلفة لحدود الأراضي الروسية».

   مدير المركز الأوروبي للتحليل الاستراتيجي، والخبير الجيد في شؤون روسيا، فيليب ميجولت، لا يعتريه شك: “المساعدة العسكرية للأوكرانيين تجعل البلدان المعنية محاربة، وهذا جليّ منذ بداية الحرب. يقدم الغربيون معلومات حيوية للأوكرانيين، ويستفيدون من نصائحهم في المسائل الاستراتيجية، ويدرّبون قواتهم، ويسلمونهم الأسلحة”، يؤكد الباحث.
   ومن وجهة نظره، فإن الخطاب الذي يقلّل من عملية التسليح بالإشارة الى استخدامه الدفاعي البحت، هو خطاب سخيف. “لنكن واضحين، لا يوجد سلاح بطبيعته هجومي أو دفاعي، باستثناء ربما الألغام التي لها وظيفة رسم حدود المنطقة. كل هذا يتوقف على الاستراتيجية وطبيعة العمل. ويمكن استخدام دبابة للتقدم أو التراجع!”، يقول الرجل الذي عمل في وزارة الدفاع الفرنسية طيلة سنوات.

   حرب أم لا حرب؟ في جنيف، يتناقض تحليل مديرة أكاديمية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان جلوريا جاجيولي، مع تحليل فيليب ميغيلت، وتؤكد: “في هذه المرحلة، ومهما كانت قدرة الأسلحة التي تم تسليمها، فإن دعم الأوروبيين والأمريكيين لا يكفي لوصفهم بأنهم محاربون”. فلكي يكون الأمر كذلك، سيتعين عليهم ممارسة سيطرة شاملة على إحدى الدول المتنازعة، أو تقديم الدعم لعمل عسكري يتجاوز بكثير المشورة أو التدريب أو توفير الأسلحة أو الكشف عن المعلومات.

   تعريف في غاية الصرامة لتفادي رؤية تضاعف عدد النزاعات المسلحة التي يتم خلالها تقليص حماية الحقوق الفردية، بينما يهدف القانون الدولي إلى تعظيمها. “فكروا في عدد الدول التي تدعم عسكريًا دولًا أخرى أو جماعات مسلحة. إذا خفضنا مستوى المعايير، فسنشهد صراعات في كل مكان!”.
وعلى العكس من ذلك، فإن عتبة الدخول في نزاع مسلح دولي “منخفضة جدًا”، وتُعرّف بـ “مجرد استخدام القوة من قبل دولة ضد دولة أخرى”، تشرح غلوريا جاجيولي.

لم تعد هناك حاجة للإعلان مثل ما قبل عام 1949 حيث “العداء القتالي، أي نية شن الحرب، كان مطلوبًا لتطبيق القانون ذي الصلة”. باختصار، لا يحتاج فلاديمير بوتين إلى التخلي عن خطابه حتى يتم تطبيق اتفاقيات جنيف.

العيش في سلام،
والشعور بالحرب
   إذا بدا أن الهاوية تفصل النظرية عن الميدان، فذلك لأن القانون واضح بقدر ما الوضع الحالي ضبابي. وجاء الاعتراف من أحد أفضل المتخصصين في الحرب، هذه المصيبة الخاصة بالبشرية: أندرو كلافام، أمريكي، أستاذ القانون الدولي في المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف، نشر مؤخرًا كتابًا بعنوان بسيط: الحرب. فمن زاوية نظره، الارتباك حول حالة الحرب يكشف “تغييرًا عميقًا في العصر. في السابق، كان هناك وقت للحرب ووقت للسلام. ويجب أن نتخلى عن هذه القناعات التي تعود إلى القرن التاسع عشر، لأن الرؤية ثنائية التفرع التي تحملها لم تعد صالحة: اليوم، يمكن للمرء أن يشعر بالحرب وهو يعيش في سلام».

   العقوبات والهجمات الإلكترونية والاتصال: تزيد الأدوات العديدة التي تسمح بالحاق الاذى عن بعد من الشعور بعدم الراحة والاطمئنان والاستقرار.
 يضاف إلى ذلك “السلاح النووي الذي يستحوذ خطره على الاهتمام الجماعي”... ولا ريب أنها فترة غريبة نخشى فيها حربا شاملة ونستمر في العيش بسلام.