القوى الكبرى تملك رفاهية التعثر في البداية

هل تؤدي «الكمّاشة» الروسية إلى سقوط أوكرانيا وإقحام أمريكا في الحرب؟

هل تؤدي «الكمّاشة» الروسية إلى سقوط أوكرانيا وإقحام أمريكا في الحرب؟


تناول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي جورج فريدمان مؤخراً استعدادات روسية لشن هجوم واسع في أوكرانيا، على نهج تكتيك “الكماشة” الذي يطوّق القوات الأوكرانية من الشمال ومن الجنوب. وأفاد فريدمان في تحليل جديد بموقع “جيوبولتيكال فيوتشرز” البحثي الأمريكي بأنه تجري في الوقت الحالي في روسيا مناقشات بشأن تحرك مماثل في الشهور القادمة، وإن اختلف شكل هذا التحرك كثيراً عما رسم  من جوانب عديدة. لكن، تظل المسألة الأهم، برأي فريدمان، هي قدرة أوكرانيا على رد مثل هذا الهجوم أو لا، مشيراً إلى أن كييف أبلت على مدار العام الماضي بلاءً حسناً أكثر مما هو متوقع، في حين كان أداء روسيا أسوأ بكثير من المتوقع.  لكن القوى الكبرى تملك رفاهية التعثر في البداية، حيث يُتيح لها حجمها الموارد اللازمة للتعافي من الهزائم التي تلحق بها في بداية الحرب. كما أن النجاحات التي تحققها القوى الأضعف لا تدوم للأبد. و هكذا عهدنا الحرب، وما تتسم به من انعدام اليقين، وفق التحليل.

 روسيا البيضاء
تدرس دخول الحرب
ومضى فريدمان يقول: تفكر بيلاروسيا حالياً في دخول الحرب، رغم أن الفائدة التي ستعود من ذلك محدودة، إلا أن درايتها بميزان القوى في أوكرانيا يمكن أن يعود بالنفع على موسكو.
ويقول فريدمان، إن عملاء الاستخبارات الروسية قد نشطوا الآن في مولدوفا، في حين تقف جارتها رومانيا على أهبة الاستعداد، حيث حملت في عدة مناسبات عبء الدفاع عن مولدوفا. ومن هنا يصل الشعور بالقلق إلى عنان السماء. حيث طلبت فرنسا والدول الأوروبية من رعاياها مغادرة روسيا البيضاء، في حين حذرت الولايات المتحدة مواطنيها، مطالبة إياهم بمغادرة روسيا.
 فماذا إذا لم تعد أوكرانيا قادرة على المقاومة بصورة فعالة، وماذا لو فُتح الباب على مصرعيه أمام بولندا ورومانيا لدخول الحرب من خلال روسيا البيضاء ومولدوفا، ما الذي ستقدم عليه الولايات المتحدة الأمريكية حينئذٍ؟ ستحذو أوروبا حذو الولايات المتحدة في السراء والضراء.
 وبطبيعة الحال، سيتمثل أسوأ سيناريو في تأجيج نيران الحرب التي تجنبها العالم خلال الحرب الباردة. لم تخرج هذه الحرب إلى الوجود نظراً لأن روسيا لم تكن تملك القدرة على الاشتباك مع حلف الناتو وإلحاق الهزيمة به وبالولايات المتحدة الراعية له. لم يكن لدى الروس وقتئذٍ استعداد لشن الهجوم نظراً للخوف من الفشل، ولوجود خطر أكبر يتمثل في تبادل الضربات النووية، وإن كان ذلك مستبعداً للغاية.
 ولكن ما زال على الولايات المتحدة أن تأخذ احتمال التدخل بعين الاعتبار، فإذا تمكنت روسيا من احتلال أوكرانيا، فإنها ستملك من الناحية العملية حدوداً مشتركة مع كل من بولندا وسلوفينيا والمجر ورومانيا.
ولا يخفى على أحد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى في انهيار الاتحاد السوفيتي كارثة جيوسياسية، حسب فريدمان، ويستتبع ذلك احتمال أن ينظر كذلك لانهيار الهيمنة الروسية على وسط أوروبا بوصفه أمراً يدعو للحسرة.
 
استعادة مكانة روسيا
وأشار الكاتب إلى أن العودة إلى حدود الحرب الباردة بعد هزيمة أوكرانيا ستقطع شوطاً كبيراً في سبيل استعادة المكانة الجيوسياسية لروسيا. كما سيُثير ذلك تساؤلات بشأن احتمال تقدم الروس إلى ما هو أبعد ذلك باتجاه الغرب من عدمه، وتوقيت ذلك إن حدث فعلاً.
وهذا من شأنه أن يضع أوروبا في وضع لم تكن تتخيله يوماً ما: وجود عدو قوي وعدواني على حدودها، كما أن ضمان أمريكا لأمن حدودها ليس بالأمر الذي يمكن توقعه على الدوام.
وكمـــــــا كــــــــان الحــــــال دائما، سيمثل احتـــــلال روسيا لأوروبا تهديداً لسيطرة الولايات المتحدة على المحيط الأطلسي، وهي الهيمنة التي خاضت واشنطن في ســــبيل تحقيقهــا حربين عالميتين.
وفي ظل هذه الظروف، سيسهل بكثير تبرير حدوث تدخل أمريكي مباشر، إذ ستتمتع رغم كل شيء بسهولة المناورة في أوكرانيا بالإضافة إلى وجود شبكة قريبة من الحلفاء ممن هم في أمسّ الحاجة إلي تدخلها.
 
تداعيات انهيار
 الدفاعات الأوكرانية
وفي حالة انهيار الدفاعات الأوكرانية، سيتحتم على الولايات المتحدة اتخاذ قرارات سريعة ( أو بالأحرى تنفيذ القرارات التي اتخذتها سلفاً على وجه السرعة )، فإما سترسل قواتها إلى أوكرانيا في محاولة لدفع الروس نحو التقهقر، أو ستمتنع ببساطة عن خوض المعركة.
إن الاشتباك مع القوات الروسية بشكل مباشر باستخدام قوات محدودة، سيكون بمثابة اشتباك طويل ومؤلم، ولا يمكن التكهن بنتائجه، وفق فريدمان. أما القبول بالنتيجة، فسيفتح الباب على مصرعيه أمام روسيا لإعادة رسم خارطة أوروبا مرة أخرى.
 ورغم إن نشوب حرب باردة ثانية هو أمر حتمي، إلا انه سيكون نتيجة غير مرغوب فيها. ومن ثم، فإن تعزيز قدرات أوكرانيا قبل انهيارها سيمثل بالتبعية الخيار الأرخص والأقل خطورة.
أما إن سقطت أوكرانيا، يقول فريدمان، فسيتحتم على الولايات المتحدة الاشتباك مع روسيا. إن خوض غمار القتال المباشر في أوكرانيا سيكون مؤلماً من الناحية السياسية.
يقول فريدمان إنه لا يتنبأ بسقوط وشيك لأوكرانيا، لكنه وبكل بساطة يطرح جميع الخيارات المتاحة إن حدث ذلك بالفعل. وهو أمر ضروري، تفرضه الحكمة والحرص، ناهيك عن الهجوم الروسي القادم.