هل تكرّر أمريكا أخطاء الحرب الكورية في أوكرانيا؟

هل تكرّر أمريكا أخطاء الحرب الكورية في أوكرانيا؟


مع استمرار الحرب في أوكرانيا، والاقتراب من مأزق محتمل يوماً بعد يوم، اتجهت أنظار بعض المعلقين إلى الحرب الكورية كنموذج لفهم مستقبل الصراع بين كييف وموسكو والتنبؤ به، لدرجة أن إحدى المقالات أشارت إلى تقسيم كوريا كمثال لما يجب تجنبه بأي ثمن في أوكرانيا.

وفي هذا الإطار، كتب سايروس جين، مرشح للحصول على الدكتوراة في التاريخ من جامعة شيكاغو، المتخصص في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وشرق آسيا، في موقع “1945” الأمريكي يقول: في يوليو “ تموز “ من هذا العام، سنكون قد مررنا بالذكرى السنوية السبعين لتوقيع هدنة الحرب الكورية، التي أنهت الأعمال العدائية في شبه الجزيرة ولكنها لم تصل إلى حد التوصل إلى حل سلمي طويل الأجل. لا تزال الكوريتان في حالة حرب من الناحية الفنية. وكانت الحرب الكورية نفسها حرباً شرسة شهدت الاستيلاء المفاجئ على الأراضي، وانعكاسات عالمية مذهلة، وحالة جمود طاحنة في نهاية المطاف أدت لمقتل ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص.
لكن في هذه الحرب عبرة تجعلنا ننظر في خطر التصعيد من جانب القادة الدوليين الذين دفعوا الحرب الكورية، ولو دون قصد، إلى صراع دولي من شأنه أن يشمل أكثر من خمسة وعشرين دولة، والاستخدام الوشيك للأسلحة النووية، وموت ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص.

كان هذا الجمود والتقسيم نتيجة التصعيد المتزايد من قبل كل من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من جانب، والدول المتحالفة مع الشيوعية من جانب آخر خلال الحرب.
عندما غزت كوريا الشمالية الجنوب في 25 يونيو “ حزيران “ 1950، قررت إدارة ترومان التدخل عسكرياً. وانقسم مستشاروه حول درجة التدخل الأمريكي، حيث صمم البعض على تجنب دروس الاسترضاء في أوروبا التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية وكانوا حريصين على ممارسة استراتيجية عالمية لدحر الشيوعية، ولكن مع ذلك، استشعر آخرون القلق من تجنب توسيع نطاق الصراع مع الاتحاد السوفيتي.

هذا على عكس إدارة بايدن فيما يتعلق بأوكرانيا، التي أكدت باستمرار أن الولايات المتحدة ستتجنب الصراع المباشر مع روسيا.
لكن سرعان ما أدت النجاحات الأولية للهجوم المضاد للأمم المتحدة في سبتمبر “أيلول” 1950 إلى تعظيم طموحات الأمريكيين والكوريين الجنوبيين. ولم يعد الهدف هو مجرد الحفاظ على الوضع الراهن؛ وإنما دعا القادة العسكريون الأمريكيون إلى التدمير الكامل للقوات المسلحة الكورية الشمالية، بينما كان الزعيم الكوري الجنوبي سينغمان ري سعيداً بإمكانية إعادة توحيد شبه الجزيرة تحت حكمه. وكانت هذه الطموحات تعني امتداد الهجوم المضاد لقوات الأمم المتحدة عبر كوريا الشمالية، وصولاً إلى نهر يالو الذي يحد الصين.

عوامل أيديولوجية وقومية
وسرعان ما اتسع الصراع، تماشياً مع طموحات المسؤولين الأمريكيين المتضخمة سابقاً، بتدخل الصين في الحرب. كانت هناك عدة عوامل أيديولوجية وقومية دفعت الرئيس الصيني ماو إلى اتخاذ قراره بإرسال جيش التحرير الشعبي إلى كوريا، وحفز ذلك شعوره بمخاوف أمنية من زيادة قوة الولايات المتحدة على أعتاب الصين.
واضطرت قوات الأمم المتحدة إلى التراجع جنوباً إلى الخط الفاصل قبل الحرب. كان التدخل الصيني يعني أن الصراع أصبح حرب استنزاف شهدت القليل من المكاسب الإقليمية وخسائر فادحة لجميع الأطراف.
في يوليو (تموز) 1953، توقفت الأطراف المتحاربة مؤقتاً عن الأعمال العدائية، وبات خيار تقسيم شبه الجزيرة ملحاً.
لم تضمن التضحيات الأمريكية نيابة عن كوريا الجنوبية أن تظل حليفتها حرة وديمقراطية. على العكس من ذلك، ظلت كوريا الجنوبية تحت سيطرة سينغمان ري القمعي الذي لا يحظى بشعبية والذي سيتبع نظامه في النهاية عقوداً من الديكتاتورية العسكرية التي احتفظت بالدعم الأمريكي. وليست الديمقراطية النابضة بالحياة في كوريا الجنوبية إلا نتيجة سنوات من النشاط السياسي والاضطرابات الشعبية التي لم تتغلب على القمع العسكري إلا في أواخر الثمانينيات.

الطريق إلى الأمام
عكست استجابة التحالف بقيادة الولايات المتحدة للحرب في أوكرانيا إلى حد كبير فهماً حكيماً ودقيقاً لكيفية رد روسيا على التدخل الخارجي.
حتى في الوقت الذي تحافظ فيه المساعدات الدولية على تدفق الإمدادات والأسلحة والأموال لدعم مقاومة أوكرانيا الضعيفة للعدوان الروسي، احتفظت إدارة بايدن بالرأي القائل بأن الهدنة التفاوضية هي بالتأكيد أفضل نتيجة للحرب.
وفي حين أن هدف التوحيد الكامل لأوكرانيا من خلال الانتصار العسكري، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ودونباس، قد يكون له وزناً أخلاقياً، فإن التدخل الأمريكي الذي قد يكون ضرورياً لتحقيق مثل هذا الهدف قد يؤدي إلى تصعيد أوسع في الحرب مع روسيا، وهو ما قد يؤدي إلى العواقب الخطيرة ذاتها التي واجهتها قوات الأمم المتحدة مع تدخل الصين في الحرب الكورية. وبدلاً من ذلك، يؤكد الكاتب ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على مسارها الحالي، وتجنب الوقوع في الفخ العاطفي المتمثل في زخم الاستيلاء على الأراضي بنجاح، وتركيز الأدوات الدبلوماسية باعتبارها الطريقة الوحيدة التي يمكنها حل هذه الأزمة.