رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
هل تكون أوروبا أكبر الخاسرين في النظام العالمي الجديد؟
شدد وزير خارجية ألمانيا في عهد المستشار الأسبق غيرهارد شرودر يوشكا فيشر على عدم وجود خيار أمام أوروبا سوى أن تصبح قوة حقيقية، في عالم تهيمن عليه دول كبرى، مع موازنات عسكرية متزايدة.
وكتب في موقع “بروجيكت سنديكيت” أن الاستقرار العالمي الذي دام بعد الحرب العالمية الثانية، أولاً في ظل نظام القطبية الثنائية، ولاحقاً في ظل نظام الأحادية القطبية بقيادة أمريكا، قد انتهى.
فمنذ مطلع الألفية الجديدة، أفسح هذا الاستقرار المجال بشكل متزايد أمام تجدد التنافس بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، كان من الواضح منذ فترة طويلة أن النفوذ السياسي والاستراتيجي للهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية وإيران والاقتصادات الناشئة الأخرى سيزداد، وكذلك دورها داخل النظام العالمي، وفي إطار الصراع المتعمق بين الصين والولايات المتحدة، ستتاح لهذه القوى الصاعدة فرص عدة لانتزاع تنازلات من القوتين العظميين في القرن الحادي والعشرين بفعل هذا التنافس. في الواقع، يبدو أن العديد من هذه الفرص أكثر روعة من أن يتم تفويتها.
واستهلكت أوهام استعادة الامتداد الإقليمي والثقل الجيوسياسي للاتحاد السوفيتي وقبله الإمبراطورية الروسية النخب السياسية في موسكو. خلال عهد الرئيس فلاديمير بوتين، كانت السياسة الروسية تهدف بشكل متزايد إلى عكس إرث الحقبة المباشرة لما بعد الحرب الباردة. على النقيض من ذلك، التزم الغرب بالتسوية الأساسية لما بعد الحرب الباردة في أوروبا. لهذه الغاية، ظل ملتزماً بالدفاع عن القيم الأساسية مثل حق البلدان بتقرير المصير وحرمة الحدود المعترف بها دولياً.
جعلت هذه القيم والالتزامات المتباينة الصراع على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة أمراً حتمياً، على ما رآه العالم في جورجيا سنة 2008. في أوكرانيا، جاءت الطلقة الافتتاحية عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم سنة 2014؛ لكن نقطة الانهيار لم تأتِ إلا في فبراير (شباط) 2022، عندما شن الكرملين غزوه الواسع النطاق للبلاد ووضع نهاية حاسمة لحقبة السلام في أوروبا. مرة أخرى، تنقسم القارة إلى معسكرين.
أضاف الكاتب، الذي كان أيضاً نائباً للمستشار ورئيساً لحزب الخضر، أن محاولة بوتين إعادة كتابة التاريخ بالقوة ليست فقط مأساة للشعب الأوكراني وتحدياً للأمن الأوروبي. إنها أيضاً انتقاد لنظام الدولة-الأمة العالمي بأكمله. لقد رفضت قوى عالمية جديدة وناشئة عدة الانحياز بشكل لا لبس فيه إلى أوكرانيا. وانحاز بعضها، في اتباع لنهج الصين، إلى جانب روسيا بصراحة، أو ظل “محايداً” من أجل اكتساب بعض المزايا التكتيكية.
لكن الخطر الأوسع على النظام الدولي لا ينبع من الحرب في أوكرانيا، إذ إن روسيا أضعف من أن تشكل تهديداً عالمياً حقيقياً، وإنما من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. صحيح أن المواجهة حتى الآن هي اقتصادية وتكنولوجية وسياسية أكثر مما هي عسكرية. لكن هذه مواساة ضعيفة، لأنه صراع محتد ذو محصلة صفرية.
أكبر الخاسرين
من المحتمل أن تكون اليابان وأوروبا من أكبر الخاسرين في هذه المواجهة. قامت الشركات الصينية ببناء قدرات إنتاجية هائلة في صناعة السيارات وخصوصاً الكهربائية منها وهي الآن على وشك التغلب في المنافسة على شركات صناعة السيارات الأوروبية واليابانية التي لطالما كانت مهيمنة عالمياً. وما جعل الأمور أسوأ أن ردة فعل أمريكا على المنافسة الصينية كانت في اتباع سياسة صناعية تأتي على حساب الشركات المصنعة الأوروبية واليابانية. يوفر التشريع الأخير مثل قانون خفض التضخم مثلاً إعانات كبيرة للسيارات المنتجة في الولايات المتحدة.
من وجهة نظر أمريكية، تقتل هذه السياسات عصفورين بحجر واحد: هي تحمي الشركات المصنعة المحلية الكبيرة وتزودها بالحوافز لمتابعة تطوير السيارات الكهربائية. ستكون النتيجة النهائية إعادة تنظيم شاملة لصناعة السيارات العالمية، مع خسارة اليابان وأوروبا (ألمانيا بشكل أساسي) القدرة التنافسية وحصتها في السوق. وللتذكير، تابع فيشر، إن هذا التطور الاقتصادي الكبير يمثل مجرد بداية لمواجهة عالمية وإعادة ترتيب إستراتيجي أكبر بكثير.
أوروبا والمستقبل
لا يتعين على أوروبا فقط بذل جهد كبير للحفاظ على نموذجها الاقتصادي خلال إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي. يجب عليها أيضاً إدارة تكاليف الطاقة المرتفعة والفجوة المتزايدة في التكنولوجيا الرقمية مقابل القوتين العظميين والحاجة الملحة لزيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة التهديد الجديد من روسيا. ستصبح كل هذه الأولويات أكثر إلحاحاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بالنظر إلى الاحتمال الواضح لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وهكذا تجد أوروبا نفسها بشكل خاص في وضع غير موات. إنها تقع في منطقة تزداد خطورة، ومع ذلك، هي تظل اتحاداً كونفدرالياً من الدول القومية ذات السيادة التي لم تحشد أبداً الإرادة لتحقيق التكامل الحقيقي، حتى بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة. في عالم تهيمن عليه الدول الكبيرة ذات الموازنات العسكرية المتزايدة، لا تزال أوروبا غير مجسدة لقوة حقيقية.
وختم فيشر بقوله: “ما إذا كان هذا الحال سيبقى على ما هو عليه أمر متروك للأوروبيين. لن ينتظر العالم حتى تكبر أوروبا. إذا كانت أوروبا ستواجه إعادة ترتيب عالمي اليوم، فمن الأفضل أن تبدأ قريباً».