هل تكون قمة جنيف مختلفة عن هلسينكي؟

هل تكون قمة جنيف مختلفة عن هلسينكي؟


قدّم الأكاديمي البارز في “المجلس الروسي للشؤون الخارجية” الدكتور أندريه كورتونوف رؤيته للنتائج المرتقبة من قمة جنيف التي ستجمع الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.
يرى كورتونوف أن أي لقاء بين رئيسي البلدين يشكل حدثاً دولياً بارزاً. في بعض المراحل التاريخية، قررت هكذا قمم مصير العالم بأسره وقد تنفس الصعداء بعد محادثات الكرملين والبيت الأبيض عن الأسلحة الاستراتيجية أو بعد اتفاقهما على معالجة مشاكل إقليمية ملحة. انتهت حقبة الثنائية القطبية منذ فترة طويلة ولم تعد العلاقات الروسية-الأمريكية المحور الأساسي للسياسات الدولية، على الرغم من أن الإثارة حول القمم الثنائية لا تزال موجودة.

استياء عارم واعتذار محرج
في يوليو (تموز) 2018، فشلت قمة هلسينكي بين بوتين والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إطلاق مسار تحسين العلاقات الثنائية. على العكس من ذلك، أثارت تلك القمة استياء عارماً في المؤسسة المناهضة لروسيا داخل الولايات المتحدة. لهذا السبب، وبعد عودته إلى واشنطن، اضطر ترامب لتقديم اعتذار محرج إلى مؤيديه ومعارضيه معاً واستمرت العلاقات الثنائية بالتدهور بعد القمة. لا أحد يريد رؤية سيناريو هلسينكي آخر في جنيف. وللإجابة على سؤال ما إذا كان بالإمكان توقع نتيجة مختلفة من القمة هذه المرة، بدأ كورتونوف تحليله بالمقارنة بين نهجي ترامب وبايدن تجاه القمم الروسية والعلاقات الثنائية بشكل أعم.

ثلاثة اختلافات أساسية
في البداية، أراد ترامب بشدة أن ينال تقدير نظيره الروسي فتفادى انتقاده وكان كريماً في كيل المدائح له. بالمقابل، عرف بايدن بوتين طوال سنوات ولا يريد أن يحظى بتقديره، والعكس صحيح. ومن غير المرجح أن يتغير موقفاهما المتحفظان في جنيف.
كذلك، أراد ترامب تسجيل انتصار مهم في السياسة الخارجية إذ اعتقد أنه كان أقدر من أوباما على تحسين العلاقات الثنائية عبر جعل روسيا شريكاً استراتيجياً، إن لم يكن حليفاً لبلاده. بينما يضع بايدن العلاقات الأمريكية-الروسية في إطار التنافس على المدى المنظور وستتضمن مواجهة مباشرة في بعض الأحيان. للكرملين والبيت الأبيض أفكار متباعدة عن عالم اليوم: تجاه ما هو شرعي وغير شرعي أو ما هو عادل وغير عادل. لذلك، لا ينصب الحديث على الانتقال من مواجهة استراتيجية إلى شراكة استراتيجية بل على تقليص محتمل لمخاطر وأكلاف هذه المواجهة الطويلة.
أضاف كورتونوف أنه بالمقارنة مع بايدن، امتلك ترامب وقتاً أطول بكثير من أجل الاستعداد للقمة مع بوتين. سافر ترامب إلى فنلندا بعد 18 شهراً على وصوله إلى السلطة. غير أن بايدن سيعقد لقاءه مع بوتين قبل أقل من خمسة أشهر على تنصيبه رئيساً. لذلك، إن التوقعات بصدور نتائج بارزة عن القمة هي أقل اليوم. تقترح هذه الاختلافات بين بايدن وترامب عدم وجود سبب لتوقع قمة ناجحة. مع ذلك، يشير كورتونوف إلى وجود أسباب تسمح بتفاؤل حذر تجاه القمة.

الحد من التسلح
لم يضع ترامب ثقلاً كبيراً في مسألة حظر انتشار الأسلحة الاستراتيجية بما أنه اعتقد بإمكانية بلاده كسب أي سباق مع موسكو أو بيجينغ. لذلك، شهدت رئاسته تدميراً كاملاً تقريباً لهذا البعد الأساسي في العلاقات الأمريكية-الروسية. على الضفة الأخرى، يبقى بايدن داعماً قوياً للحد من التسلح، وهذا ما أكده في قراره تمديد معاهدة “نيو ستارت”. إنها أرضية للتأمل بإطلاق الرئيسين مناقشة أجندة جديدة في هذا المجال، تتضمن عسكرة الفضاء الخارجي والفضاء السيبيراني والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت وغيرها. إن الحوار حول الحد من التسلح خارج إطار نيو ستارت لا يعد بحلول سريعة. لكن كلما أبكر الطرفان في مناقشته كان ذلك أفضل لهما وللمجتمع الدولي ككل.

مدعاة ترحيب
بحسب كورتونوف، لم يحب ترامب صيغ المفاوضات المتعددة الأطراف لاعتقاده بأنها غير منتجة. كذلك، حمل اعتقاداً صادقاً بأنه قادر على التعامل مع أي مشاكل دولية حارقة بطريقة منفردة، بدءاً بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وصولاً إلى البرنامج النووي لكوريا الشمالية. لا يبدو أن بايدن يحمل أوهاما كهذه. لقد شدد تكراراً على أهمية التعددية وهو يفهم بوضوح أن التعاون مع روسيا مهم في العديد من النزاعات والأزمات الإقليمية. بناء على ذلك، قد يتحدث الرئيسان في جنيف عن أفغانستان، والاتفاق النووي الإيراني، وكوريا الشمالية، أو حتى سوريا. ليس مؤكداً نجاح بايدن في التوصل إلى اتفاقات مع بوتين حول أي من هذه الملفات، لكن مجرد احتمال مناقشتهما لها يجب أن يكون مدعاة ترحيب.