هل تنجو الولايات المتحدة الأمريكية المنقسمة؟
كان الخبراء السياسيون طيلة دورة الانتخابات الحالية يقولون لأنفسهم إن أمريكا لم تكن قط منقسمة إلى هذا الحد. وتوالت الأحداث الدرامية على نحو محموم: ثلاث محاولات اغتيال وانسحاب رئيس حالي من السباق الرئاسي ودعم أحد أفراد عائلة كينيدي لمرشح جمهوري.
إذاً، هل الفوضى مقبلة؟ لا تراهنوا على ذلك، كتب الناقد الثقافي أدريان نوين.
لفت نوين في مجلة “ذا كريتيك” البريطانية إلى أنه كان مؤخراً في جولة انتخابية أسترالية ضمن مجموعة من المهووسين بالسياسية زارت المؤسسات التي تشكل السياسة والثقافة الأمريكيتين في العاصمة واشنطن ونيويورك. وأغلب زملاء الكاتب في المجموعة يخدمون أو خدموا بصفة موظفين لدى سياسيين في مرحلة ما من حياتهم المهنية، وهم أصدقاء مع بعضهم البعض. وبما أن نوين لم يشغل قط وظيفة في السياسة، منحتنه هذه الزيارة بعض الرؤى المفيدة في حياة هؤلاء المطلعين، من معلقين ومستشارين حزبيين إلى مديري مراكز الأبحاث.
الاقتتال مبالغ به
من المفهوم أن الانتخابات - بخطابها المحموم والمتفجر، وكشفها عن التصدعات في المجتمع الأمريكي- جعلت الناس من كل الأطراف يشعرون بالقلق. ويبدو أن المجتمع المدني يترنح ــ وكأن الجميع يحاولون الانقضاض على بعضهم بعضاً. لكن هل هذا واقعي؟
لقد اقترح مرشد سياحي تحدث إليه الكاتب في مقبرة أرلينغتون الوطنية أن معظم الأمريكيين بعيدون من السياسة، إما لأنهم غير مسيسين أو لأنهم يعتقدون أن السياسيين لا يعالجون القضايا التي يهتمون بها، مثل الرعاية الصحية أو إيجاد توازن في الموازنات. وذكر شخص آخر يعيش في فيرجينيا أن الحروب الثقافية الدائرة في أمريكا جعلته مستقلاً سياسياً ومتحرراً من القبلية سواء من جانب الديمقراطيين أو الجمهوريين.
لعبت هذه الدينامية دوماً لمصلحة أمريكا، حتى لو ظلت محيرة للغرباء. عند زيارة الولايات المتحدة، انزعج الرئيس الأسبق لسنغافورة لي كوان يو من “الفقر بين الثروات العظيمة” و “الحقوق المفرطة للفرد على حساب المجتمع”. لكن كوان يو اندهش من أن البلاد مرت بأوقات مضطربة كثيرة – الحرب الأهلية والكساد الكبير والحرب العالمية الثانية – وتمكنت من التعافي سريعاً.
يمكن رؤية هذا الأمر اليوم. بعد الوباء، انتعش الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، والآن تنخفض معدلات الجريمة العنيفة والفقر. وبالرغم من تضخم سياسات الهوية، إن القيم الليبرالية في أمريكا بعيدة كل البعد عن التقويض في نهاية المطاف. وبالنسبة إلى جميع المتطرفين الذين يمكن رؤيتهم يصرخون على الإنترنت، فالأمريكي العادي ليس منخرطاً في السياسة بشكل محموم.
ثمة تنبؤ لم يصمد أمام التدقيق هذه السنة وهو أن 2024 ستكون تكراراً لسنة 1968. من السهل مقارنة الأوقات الحالية بالعام الذي شهد اغتيال روبرت ف. كينيدي ومارتن لوثر كينغ، وعدم خوض ليندون جونسون الانتخابات والاحتجاجات ضد حرب فيتنام في الجامعات. كانت أمريكا آنذاك مستقطبة بشدة كما هي اليوم. لكن أوجه التشابه تتوقف عند هذا الحد، لأن 2024 لم تكن عنيفة أو مؤثرة كما كانت سنة 1968 التي أدت إلى السبعينات المضطربة، مع ارتفاع معدلات الجريمة والفساد الحكومي والتضخم.
في الآونة الأخيرة، لم تستمر دراما انتصار ترامب سنة 2016. بالفعل، مع وضع الخطاب الصاخب في تلك الفترة جانباً، ستبدو السنوات التي تلتها غير مشوقة. باءت تهديدات الثورة بالفشل، ولم يتمكن ترامب قط من تنفيذ أفكاره السياسية الأكثر دراماتيكية، مثل بناء الجدار على الحدود مع المكسيك. ومن المتوقع أن يحدث الشيء نفسه هذه المرة.
إن التنبؤ بأن أمريكا ستكون بخير بعد انتخابات مضطربة لا يعني التفاؤل الأعمى. قد تبدو أمريكا محطمة، ولا شك في أن أحداثاً مروعة ستحدث في ولاية ترامب الثانية. لكن البلاد ستكون بخير. ستتخطى ذلك، كما فعلت دائماً. وكما قال ألكسيس دو توكفيل ذات يوم في كتابه “الديمقراطية في أمريكا”: “لا يوجد شيء أروع من فن الحرية، لكن لا شيء أصعب لتعلم كيفية استخدامه من الحرية».