ثمة تاريخ طويل للنزاع حول مياه هلمند

هل تُصعّد طالبان وإيران المناوشات الحدودية؟

هل تُصعّد طالبان وإيران المناوشات الحدودية؟

تناولت الأكاديمية في معهد الشرق الأوسط شانثي مارييت دسوزا في مقالها بمجلة “ذا ديبلومات” الأمريكية المناوشات الأخيرة بين إيران وأفغانستان بقيادة حركة طالبان.
فقد فتح حرس الحدود الإيراني ومقاتلو الحركة النار على بعضهم البعض مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، بالقرب من نقطة حدودية بين إيران وأفغانستان في جنوب غرب محافظة نمروز يوم 27 مايو (أيار). بالرغم من عدم وضوح سبب الحادث، كانت العلاقات بين البلدين قد توترت في الأشهر الأخيرة بسبب مطالب متضاربة بشأن مياه نهر هلمند، وترى دسوزا في مقالها في “دبلومات” أن طهران وكابول تحتاجان إلى بعضهما البعض، وستجدان في النهاية طريقة لإدارة مطالبهما المتضاربة. 
 
سبب الخلاف
يتدفق النهر موضوع الخلاف، نهر هلمند، من سلسلة جبال هندوكوش عبر أفغانستان قبل أن يتفرع بالقرب من الحدود الأفغانية-الإيرانية. هناك ينقسم إلى نهر شيله شاراك الذي يشكل الحدود بين البلدين، ونهر سيستان الذي يتدفق غرباً نحو إيران.
وتتهم طهران قادة طالبان بانتهاك معاهدة سنة 1973 عبر تقييد تدفق مياه النهر إلى المناطق الشرقية في إيران. تنفي طالبان هذا الاتهام وتزعم أن نهر هلمند لا يحمل الكثير من المياه. رداً على ذلك، اقترح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الداخلية أحمد وحيدي زيارة ميدانية لمسؤولين فنيين للتأكد من الوضع على الأرض. قال وحيدي: “إذا لم يكن هناك مياه، فسيتم حل المشكلة”. في مايو (أيار)، حذر رئيسي حركة طالبان من تجاهل حقوق إيران المائية. سخر مسؤول سابق في طالبان من رئيسي في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع.
 
ما فحوى المعاهدة؟
ثمة تاريخ طويل للنزاع حول مياه هلمند، ولم تقم معاهدة 1973 بالكثير لحلها. بينما تضمن المعاهدة وصول إيران إلى النهر، هي تمنح أفغانستان ملكية كاملة لبقية إمدادات المياه. تميز المعاهدة بين “سنة مائية” و”سنة مائية عادية” وتنص على أنه خلال السنة المائية العادية، يجب على أفغانستان إيصال المياه إلى إيران بوتيرة 22 متراً مكعباً في الثانية سنوياً مع أربعة أمتار مكعبة إضافية في الثانية، وبذلك يتم إيصال معدل سنوي مقداره 820 مليون متر مكعب في ظل ظروف عادية.
وبينما تضمن المعاهدة وصول إيران إلى المياه، هي تمنح أفغانستان حقوقاً أحادية مطلقة في إمداداتها. بالتالي، يمكن لكل دولة الاستشهاد بالمعاهدة بالشكل الذي يناسبها. والأهم من ذلك، بما أن أفغانستان لم تصادق على المعاهدة، ليست كابول ملزمة بها. على مدى عقود، استخدم حكام أفغانستان ميزة كونهم دولة مشاطئة عليا للنهر من أجل انتزاع (أو على الأقل محاولة انتزاع) منافع من طهران مقابل المياه. ومع ذلك، تنبع أيضاً قضية المطالبات المتضاربة بشأن المياه من اعتماد إيران المفرط على مياه هلمند، وسوء إدارتها المطلق للموارد المائية في البلاد، حسب الكاتبة.
 
محطات
في أغسطس (آب) 2002، فشل الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في احترام اتفاق تم التوصل إليه مع الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي خلال زيارة الأخير لكابول، من أجل تزويد إيران بألف ساعة من إمدادات المياه. بعد 240 ساعة، تم إغلاق الصنابير، حسب وسائل الإعلام الإيرانية. في مارس (آذار) 2021، افتتح الرئيس الأفغاني آنذاك أشرف غني سد كمال خان في ولاية نمروز وطلب من إيران توفير الوقود للأفغان مقابل المياه.
بعد توليها السلطة، غيرت طالبان سياسة غني. في يناير (كانون الثاني) 2022، أطلق نظام طالبان المياه من سد كمال خان إلى بحيرة هامون في جنوب شرق إيران وهي منطقة فقيرة وجافة. وشكرتها إيران على خطوتها. ومع ذلك، انتقد بعض الأفغان القرار فطالبوا بضرورة توفير المياه للمزارعين المحليين. بعد ذلك، نفت وزارة المياه والطاقة التابعة لحركة طالبان تحويل المياه إلى إيران.
 
التوازن الصعب
يبدو أن طالبان أدركت أن التودد لطهران، وهي شريك تجاري رئيسي، لا يمكن أن يأتي على حساب مضايقة الأفغان الذين يسعى النظام إلى زيادة شعبيته بينهم. يجب الحفاظ على التوازن حيث لا يتم تهميش أي من المجموعتين. مع ذلك، يبقى هذا توازناً دقيقاً يجب تحقيقه بالنظر إلى واقع أن النظام الإيراني نفسه قد استخدم قضية المياه لإثارة المشاعر القومية في الداخل وإخفاء حقيقة اعتماده المفرط على نهر هلمند وسوء إدارة المياه المنزلية المزمن.
لقد سبق أن سُمعت كلمات مصالحة من جانب طالبان. اجتمعت اللجنة السياسية لرئيس حكومة طالبان في 28 مايو (أيار)، وصادقت على معاهدة المياه لسنة 1973 واصفة إياها بـ”الحل الأفضل”. وطالب أعضاء الهيئة بعلاقات طيبة مع دول الجوار وخصوصاً إيران.
 
لن تزعزع استقراره
حسب دسوزا، إن قادة طالبان بحاجة إلى إيران. هي دولة يمكنهم التجارة معها والحصول على مزايا، وهي مهمة خصوصاً عندما يكون هدف طالبان المتمثل في اكتساب الاعتراف والشرعية من المجتمع الدولي قد وصل إلى طريق مسدود. في حين أن قضية المياه هي واحدة من مجالات خلاف قليلة بين البلدين، تقدمت العلاقات الثنائية بينهما بشكل جيد السنة الماضية. من ناحية أخرى، قد تحاول إيران الضغط على طالبان لتقاسم المزيد من المياه، لكنها لن تتجاوز الحد وتحاول زعزعة استقرار النظام. بالتالي، ستستمر مجموعة من المصالح المشتركة في ربط هذين البلدين ببعضهما ويمكن أن تدفعهما لإيجاد طريقة متخصصة على الأقل لإدارة تقاسم المياه.