هل يتعاون ترامب وبوتين وشي في تشكيل نظام عالمي جديد؟

هل يتعاون ترامب وبوتين وشي في تشكيل نظام عالمي جديد؟

قارن الكاتب والمراسل الصحفي الياباني يان كريك بين انهيار الاتحاد السوفيتي والتراجع الحالي للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن كلا القوتين العظميين واجهتا إخفاقات اقتصادية وسياسية منهجية، وإن اختلفت الأسباب، إذ انهار الاتحاد السوفيتي نتيجة تهميشه لطبقة رواد الأعمال، بينما تعاني الولايات المتحدة من أزمة ناجمة عن تهميش النخبة الحاكمة للطبقة العاملة، ما أدى إلى تعميق التفاوت الاقتصادي والاستقطاب السياسي.
وفي مقاله المنشور بموقع «آسيا تايمز»، شبّه الكاتب رئاسة دونالد ترامب الأولى بقيادة بوريس يلتسين الفوضوية لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لكنه طرح تساؤلاً: هل يمكن أن تتبع ولاية ترامب الثانية نموذج فلاديمير بوتين القائم على تعزيز السلطة الوطنية والنمو الصناعي المحلي؟ وإذا حدث ذلك، فهل يمكن أن يصبح ترامب وبوتين وشي جين بينغ شركاء في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب؟ 

السمات المشتركة بين أمريكا وروسيا
يشير الكاتب إلى أوجه تشابه تاريخية وسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، فكلاهما نشأ نتيجة ثورات ضد قوى إمبريالية، روسيا ضد الحكم القيصري، والولايات المتحدة ضد الاستعمار البريطاني. كما أن لكل منهما هيكلاً سياسياً فيدرالياً، وثقافة متعددة الأعراق، لكنها خاضعة لهيمنة مجموعة رئيسة: البروتستانت البيض في الولايات المتحدة، والروس الإثنيون في روسيا.  كما تتشابه الدولتان في النزعة التوسعية، حيث سيطرتا على أراضٍ شاسعة وأزاحتا السكان الأصليين. إضافةً إلى ذلك، تتمتع كل منهما بعقلية «القوة العظمى»، التي تستند إلى مساحتهما الجغرافية الهائلة، وقدراتهما العسكرية، وبرامجهما الفضائية المتقدمة.

فشل غورباتشوف مقابل نجاح دنغ
تناول الكاتب الإصلاحات التي قادها كل من ميخائيل غورباتشوف ودنغ شياو بينغ في الثمانينيات.
ففي حين نجح دنغ في دمج الرأسمالية داخل النظام الاشتراكي الصيني، مما أدى إلى نمو اقتصادي هائل مع الحفاظ على السيطرة السياسية، أخفق غورباتشوف في تأمين الدعم المؤسسي لإصلاحاته، ما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي بدلاً من إنقاذه.
وأدى هذا الفشل إلى صعود بوريس يلتسين، الذي لم يسعَ إلى تحسين الاشتراكية، بل فككها بالكامل، ما تسبب في فوضى اقتصادية سمحت للأوليغارشية بالاستيلاء على الثروات، بينما غرق ملايين الروس في الفقر.
وفي النهاية، مهدت سياساته الطريق لصعود بوتين، الذي أعاد بسط سلطة الدولة واستعادة قوة روسيا الجيوسياسية.
بوتين: تعزيز الاستقرار
 عبر القومية والسيادة
على عكس يلتسين، قيد بوتين نفوذ الأوليغارشية، وعزز القومية والسيادة الاقتصادية والقوة العسكرية، مما أعاد لروسيا مكانتها كقوة عالمية. ويرى الكاتب أن نهج بوتين ساعد على استعادة النفوذ الروسي مقارنةً بالإصلاحات الفوضوية في التسعينيات.
في المقابل، لعب ترامب خلال ولايته الأولى دور المتمرد على المؤسسة السياسية، كما فعل يلتسين. لكن في حال فوزه بولاية ثانية، قد يعتمد نهجاً شبيهاً ببوتين، من خلال تعزيز السيادة الوطنية، وفرض الحمائية الاقتصادية، وإحياء التصنيع الأمريكي.
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى فارق جوهري بين الرجلين؛ فبينما حدّ بوتين من نفوذ الأوليغارشية، تحالف ترامب مع الأثرياء الأمريكيين، الذين استفادوا من سياساته الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية. وهذا قد يحدّ من قدرته على تركيز السلطة كما فعل بوتين.

نحو نظام عالمي  متعدد الأقطاب
يرى الكاتب أن التحول من نظام عالمي أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب أصبح حتمياً، مدفوعاً بعدة عوامل، منها:
استمرار الحرب في أوكرانيا، التي أعادت تشكيل التحالفات العالمية واستنزفت الموارد الأمريكية.
تنامي نفوذ مجموعة «بريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) كبديل للمؤسسات الغربية.
تصاعد الدين القومي الأمريكي، مما يثير تساؤلات حول استدامة قوتها الاقتصادية.
التقدم السريع للصين في الصناعة والتكنولوجيا والتجارة، ما يعزز دورها في تشكيل النظام العالمي المقبل.
وفي حال نجح ترامب وبوتين في التوصل إلى تسوية للأزمة الأوكرانية، فقد يتعاونان مع شي جين بينغ لإعادة رسم خارطة النفوذ العالمي، بما يمهد الطريق لنظام جديد قائم على توازن القوى بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

الصين: الجسر بين الأيديولوجيات
تتمتع الصين بموقع فريد في هذا التحول العالمي، إذ نجحت في دمج الرأسمالية بالاشتراكية من خلال تخطيط اقتصادي طويل الأجل، مما مكّنها من انتشال مليار شخص من الفقر، والتفوق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
واختتم الكاتب مقاله مستشهداً بالفيلسوف الصيني تشوانغ تسي، الذي حذر من التمسك الجامد بالهويات والمعتقدات. وأكد أن على القادة تبني المرونة لمواكبة عالم متعدد الأقطاب.