هل يريد ترامب اقتسام العالم مع بوتين وشي؟

هل يريد ترامب اقتسام العالم مع بوتين وشي؟


من المعروف عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميله الدائم إلى إبرام الصفقات، لكنّ الوقت الحالي يبدو أنسب من أي وقت مضى لعقد اتفاق مع الصين وروسيا. وكتب إدوارد وونغ في صحيفة نيويورك تايمز، أن ترامب عبّر الأسبوع الماضي عن رغبته في تطبيع العلاقات التجارية مع روسيا، في محاولة لتخفيف الضغوط على موسكو بشأن الحرب في أوكرانيا، كما يسعى للحدّ من تداعيات حربه التجارية العالمية، من خلال حضّ الرئيس الصيني شي جين بينغ على التواصل معه. وقال ترامب في مقابلة مع مجلة تايم: «جميعنا نرغب في إبرام الصفقات، لكنني أنا المتجر الكبير، متجر ضخم وجميل، والجميع يريد التسوّق فيه».

صفقة كبرى
ويبدو أن لدى ترامب تصوّراً أكبر يتعلق بالصين وروسيا، ما قد يمثّل «الصفقة النهائية». إذ يرى بعض المحللين في السياسة الخارجية أن مواقف ترامب وتصريحاته تشير إلى تصوّره عالماً تهيمن فيه القوى الثلاث الكبرى – الولايات المتحدة، الصين، وروسيا – على مناطق نفوذ خاصة بها. إنه تصور يعيد إلى الأذهان أسلوب الحكم الإمبريالي في القرن التاسع عشر.

غرينلاند وقناة بنما
وكان ترامب قد عبّر في وقت سابق عن رغبته في شراء غرينلاند من الدنمارك، وضم كندا، واستعادة السيطرة الأمريكية على قناة بنما. وتُعدّ هذه الطموحات مؤشرات واضحة على مساعيه لتوسيع الهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي، أي «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة.
كذلك وجّه ترامب انتقادات حادة لحلفاء بلاده، ولوّح بسحب القوات الأمريكية من مناطق متعددة حول العالم، وهو أمر يصبّ في مصلحة روسيا والصين، الساعيتين إلى تقليص النفوذ الأمني الأمريكي في أوروبا وآسيا. 
ولا يتوانى ترامب عن مدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي، واصفاً إياهما بأنهما ذكيان، قويّان، وصديقان مقربان.

تقسيم أوكرانيا
في هذا الإطار، يسعى ترامب إلى إضفاء طابع رسمي على هيمنة روسيا على أجزاء من الأراضي الأوكرانية، مع منح واشنطن حق الوصول إلى معادن أوكرانيا، ضمن اتفاق سلام محتمل، يرى منتقدوه أنه سيؤدي فعلياً إلى تقسيم أوكرانيا..
 كما فعلت الإمبراطوريات الكبرى في الماضي. وكان ترامب قد ناقش وبوتين الوضع في أوكرانيا خلال مكالمة هاتفية استمرّت ساعتين، وصفها ترامب لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي بأنها كانت «إيجابية جداً».
حنين إلى الماضي
ترى مونيكا دافي توف، أستاذة السياسة الدولية في كلية فليتشر بجامعة تافتس، أن زعماء الولايات المتحدة وروسيا والصين يبدون وكأنهم يسعون لاستعادة «ماضٍ خيالي، أكثر حرية وعظمة».
وكتبت في مجلة فورين أفيرز «يبدو أن توسيع مناطق النفوذ والسيطرة يبعث شعوراً بالعظمة كان قد تلاشى».
يذكر أن مصطلح «مناطق النفوذ» ظهر لأول مرة في مؤتمر برلين عامي 1884 و1885، الذي مهّد لتقسيم أفريقيا بين القوى الأوروبية.

هل لدى ترامب رؤية؟
لكنّ بعض المسؤولين السابقين في إدارة ترامب يحذرون من اعتبار تصريحاته وأفعاله سياسة استراتيجية ممنهجة. فعلى الرغم من مواقفه الثابتة إزاء بعض القضايا، كالهجرة والتجارة، إلا أن كثيرين يرون أنه يفتقر إلى رؤية متماسكة لنظام عالمي.
غير أن مؤشرات عدة تدل على أن ترامب وبعض مساعديه يفكرون بعقلية مشابهة لتلك التي سادت عصر الأباطرة، حين قُسم العالم إلى مناطق نفوذ.
ويقول ستيفن ويرثيم، مؤرخ السياسة الخارجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي:
 «الدليل الأبرز على ذلك، هو رغبة ترامب في توسيع نطاق النفوذ الأمريكي علناً في نصف الكرة الغربي».
 عقبات في طريق الإمبراطورية
لكن، حتى بالنسبة لقوة عظمى، فإن إنشاء مناطق نفوذ في عالم ما بعد الاستعمار ليس بالأمر الهيّن.
ففي كندا، أدت تصريحات ترامب المسيئة إلى دفع الناخبين لدعم مارك كارني، الذي أصبح رئيس الوزراء، في وقت كان حزبه الليبرالي مهدداً بالخسارة.
أما في غرينلاند، فقد رفض قادتها – وهي إقليم دنماركي يتمتع بالحكم الذاتي – مقترح السيطرة الأمريكية رفضاً قاطعاً. وفي قناة بنما، هدّد مسؤولون صينيون بمنع شركة من هونغ كونغ من بيع تشغيل ميناءين هناك إلى مستثمرين أمريكيين. وتعليقاً على ذلك، قال يون صن، الخبير في الشؤون الصينية بمركز ستيمسون في واشنطن: «الصين لن تتخلى عن حصتها في نصف الكرة الغربي بسهولة ومن دون مقاومة». ويؤكد محللون أن مقاربة ترامب للحرب في أوكرانيا تنسجم مع مفهوم «مناطق النفوذ»، إذ إن واشنطن تتفاوض مع قوة عظمى – روسيا – حول رسم حدود دولة أصغر، وتسعى في الوقت ذاته إلى السيطرة على مواردها. وينسحب هذا التوجّه على الملف الآسيوي أيضاً، خصوصاً قضية تايوان. فترامب وجّه انتقادات متكررة للجزيرة، وفي المقابل مدح الرئيس الصيني مراراً، ما أثار تساؤلات في واشنطن وتايبيه حول مدى التزامه بتزويد تايوان بالسلاح، وهو التزام ينصّ عليه قانون صادر عن الكونغرس الأمريكي.