رئيس الدولة ورئيس تشاد يؤكدان العمل على تعزيز السلام والاستقرار والتنمية لدول المنطقة
هل يمتلك الرئيس الصيني «كروت» أقوى من ترامب؟
وسط اشتداد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، تتكشف ملامح مواجهة تتجاوز منطق الرسوم الجمركية لتلامس عمق التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين أكبر قوتين في العالم. تتعامل بكين مع التصعيد الأميركي بحذر محسوب، مدركة أن الرد لا يكون بالضرورة صاخباً، بل قد يأتي عبر أدوات هادئة ولكن فعّالة، تمتد من التحكم في سلاسل الإمداد الحيوية، إلى إدارة ذكية لاحتياطياتها المالية، مروراً باستراتيجيات طويلة النفس ترسخ حضورها العالمي. في هذا السياق، نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مقالا، يعتبر فيه أن «موقف ترامب أضعف بكثير مما كان يظن في لعبة الرسوم الجمركية التي يلعبها مع الصين»، مشدداً على أنه «كلما طال انتظار ترامب لقبول هذا الأمر بشكل قاطع، زادت خسارته هو والولايات المتحدة».
ويفترض ترامب ومحاربوه التجاريون في البداية أن الصين في وضع غير مواتٍ في نزاع الرسوم الجمركية.
جادل وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت بأن الصين «تلعب بثنائية.. فنحن نصدر إليهم خُمس ما يصدرونه إلينا، لذا فهذه ورقة خاسرة بالنسبة لهم». لا تشتري الولايات المتحدة المنتجات الصينية بدافع الإحسان، بل يريد الأميركيون ما تصنعه الصين. لذا، إذا ارتفعت أسعار هذه المنتجات بشكل كبير، أو اختفت من الأسواق تماماً، فسيعاني الأميركيون. ويتحدث عن قضية إعفاءات ترامب الأخيرة التي أثارت لغطاً، موضحاً أن أهمية القلق بشأن الهواتف الذكية تكمن في أن ترامب اضطر في النهاية إلى الاعتراف ضمناً بشيء كان ينكره دائماً، ذلك أن الرسوم الجمركية يدفعها المستوردون وليس المصدرون. أكثر من نصف الهواتف الذكية المباعة في أميركا هي هواتف آيفون، وأكثر نم 80 بالمئة منها مصنوعة في الصين. سيشتكي الأميركيون بشدة إذا تضاعف سعرها.. إذ لم يكن «يوم التحرير» يعني بالضرورة التحرر من هواتفهم الذكية. وعن موقف بكين، يقول: في ظل هذه الظروف، تستطيع الصين الانتظار.. ولكن إذا قررت بكين اتخاذ موقف عدائي، فإنها تمتلك أدوات فعّالة للغاية يمكنها استخدامها. تُصنّع الصين ما يقرب من 50 بالمئة من مكونات المضادات الحيوية التي يعتمد عليها الأميركيون. تتطلب طائرة F-35، العمود الفقري للقوات الجوية الأميركية، مكونات أرضية نادرة من الصين.
كما أن الصينيين هم ثاني أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية، وهو أمر قد يكون له تأثير كبير في ظل ضغوط السوق.
حتى لو تمكنت إدارة ترامب من العثور على فئة من الواردات التي لن يفتقدها أحد في أميركا، فمن غير المرجح أن تتمكن من إلحاق أضرار جسيمة بالصين.
لا تمثل السوق الأميركية سوى حوالي 14 بالمئة من الصادرات الصينية.
ثوابت صينية
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية» إن:
من الثوابت الراسخة في سياسة الحكومة الصينية منذ عهد الزعيم ماو تسي تونغ، هي سياسة «النأي بالنفس» عن الأحداث المثيرة والاكتفاء بالمراقبة الحذرة لما يدور حولها، مع استثمار نتائج تلك الأحداث بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
إلا أن الصين تبقى على أتم الاستعداد للتحرك عندما تفرض عليها التطورات الإقليمية والدولية ذلك، وهي تتعامل بوعي كامل مع محيطها.
وفي ظل الاضطرابات المتسارعة التي تعصف بالاقتصاد الدولي، يوضح الحسيناوي أن بكين تعتمد مجموعة من السيناريوهات لمواجهة تلك التحديات، أبرزها:
استغلال الأوضاع المرتبكة لتعزيز الانتماء الوطني لدى الفرد الصيني، وشحذ العزيمة لمواجهة ما وصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ»التنمر الأحادي» من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
الصين لا تكتفي بتفادي الأضرار الناجمة عن السياسات الأميركية، بل تسعى إلى استغلال هذه الفرص لتعزيز مكانتها التجارية عالمياً، من خلال فتح قنوات تعاون مع دول متضررة بدورها من الإجراءات الأمريكية مثل رفع التعرفة الجمركية.
قد تلجأ بكين إلى تبني استراتيجية «حرب الاستنزاف طويلة الأمد» لإلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأميركي، مستفيدة من غياب الضغط الشعبي الداخلي الذي يواجه واشنطن، حيث تُعرف الصين بقدرتها العالية على الصمود في مثل هذه الحروب.
كما يؤكد الدكتور الحسيناوي أن بكين تتعامل بوعي كامل مع الاحتمالات كافة، حيث عملت على تنويع مصادر وارداتها، وعدم الاعتماد على مصدر واحد، إلى جانب تأمين مواقع بديلة لصناعاتها في دول تقل فيها نسبة فرض الرسوم الجمركية، مشدداً في الوقت نفسه على أن بكين تنتهج سياسة واقعية ومرنة تمكّنها من التكيّف مع أي تغيرات اقتصادية عالمية، مما يعزز من مكانتها كقوة اقتصادية كبرى في النظام الدولي المتعدد الأقطاب.