واشنطن بوست: القرم تقوّض الآمال باتفاق سلام في أوكرانيا

واشنطن بوست: القرم تقوّض الآمال باتفاق سلام في أوكرانيا


بعد تسعة أشهر من الموت والدمار، لا يزال جوهر الحرب الروسية ضد أوكرانيا يكمن في شبه جزيرة القرم الصخرية التي تقتحم البحر بهضابها من الحجر الجيري وأشجار الحور والتي ضمتها روسيا عام 2014.
وفي فبراير (شباط) 2014، وليس في فبراير 2022، بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا. ويصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أنه من طريق استعادة القرم، يمكن إنهاء الحرب، وإلحاق الهزيمة بالغزاة الروس.
لكن فرانسيسكا إيبل كتبت في مقال بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إنه بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن ضم القرم بات ركيزة لإرثه، الذي سيتداعى في حال خسر شبه الجزيرة. وهو كان لمح إلى أن أي جهد أوكراني لاستعادة القرم، سيكون تجاوزاً للخط الأحمر، ومن غير الممكن التسامح حياله.

وكانت الآمال الأوكرانية باستعادة شبه الجزيرة تبدو هدفاً بعيد المنال، لكن الانتصارات الميدانية الأخيرة التي حققتها كييف والخطوات الروسية الخاطئة، جعلت الأمر يبدو معقولاً- على رغم خطورته.
والغرب، الذي يدعم أوكرانيا، يخشى أن يحمل أي توغل أوكراني إلى داخل القرم، بوتين على اتخاذ عمل جذري، قد يشمل استخدام قنبلة نووية. ويأمل بعض المسؤولين الغربيين في أن صفقة تتخلى بموجبها أوكرانيا عن القرم لروسيا، يمكن أن تشكل أساساً لتسوية ديبلوماسية تضع حداً للحرب. ويرفض الأوكرانيون الفكرة، على أنها سطحية على نحوٍ خطير، بينما يقول الروس إنهم لن يساوموا على أمر كان في الأصل ملكهم.
وتلفت الكاتبة إلى أن المطالب الحازمة بالقرم توضح صعوبة حل النزاع، ومن الصعوبة بمكان تخيل أن النزاع على شبه الجزيرة سينتهي من دون إراقة المزيد من الدماء.
وأحدث الهجوم الذي وقع في أوائل أكتوبر -تشرين الأول على جسر القرم، رمز الطموحات التوسعية لبوتين في أوكرانيا الذي كلف 4 مليارات دولار، صدمة دفعت موسكو إلى شن حملة من الهجمات الصاروخية العنيفة على البنى التحتية الأوكرانية تهدد البلاد بأزمات إنسانية.

«يوم القيامة»
وعقب تحرير كييف لخيرسون-التي تعهدت موسكو أن تبقى “روسية إلى الأبد”- صعد المسؤولون الروس من تهديداتهم. وهدد الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف بـ”يوم القيامة” في حال حصول أي هجوم على القرم، بينما حذر عضو في البرلمان الروسي من “ضربة ساحقة أخيرة».
وفي الوقت نفسه تعد أوكرانيا خططاً مفصلة من أجل استعادة القرم وطرد آلاف الروس الذين انتقلوا إلى المنطقة بعد عام 2014. وقالت تاميلا تاشيفا الممثلة الدائمة لزيلينسكي إلى القرم: “بالطبع أن كل الروس الذين جاؤوا إلى القرم، مع بعض الإستثناءات، إنما دخلوا إلى المنطقة بطريقة غير شرعية...لذلك، هناك حل واحد، ألا وهو أن كل هؤلاء الروس يجب أن يغادروا».
أما روسيا، فلديها وجهة نظر قصوى، إذ تطالب بأربعة مناطق أوكرانية أخرى-لوغانساك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون-التي أعلن بوتين ضمها، بطريقة غير شرعية.

 من هذا المنطلق، ترى الكاتبة أن رفض الجانبين التراجع يهدد بإطالة أمد النزاع لعقود، على غرار نزاعات على الأراضي في الضفة الغربية وغزة وناغونو –قره باغ أو كردستان.

نزاع منذ قرون
وكانت شبه جزيرة القرم محل نزاع لقرون. وأعلن اليونانيون والمغول والعثمانيون، مزاعم بملكية هذه الجوهرة في البحر الأسود. ودخلت روسيا والإمبراطورية العثمانية في حروب حول القرم قبل أن تضمها كاترين الكبيرة عام 1783، إلى الإمبراطورية الروسية.
وإبان الحقبة السوفياتية، كما في عهد القياصرة، باتت المنطقة منتجعاً للنخبة الروسية. وقمع ستالين بعنف تتار القرم المنتمين إلى الإسلام، ورحّل 200 ألف منهم إلى آسيا الوسطى وسيبيريا بعدما اتهمهم بالتعاون مع ألمانيا النازية. وشكل هذا الاضطهاد سياسات شبه الجزيرة لعقود.
وعام 1954، وفي مناسبة الذكرى الـ300 لمعاهدة ضم أوكرانيا إلى روسيا، ولكن لأسباب اقتصادية أيضاً- نقل الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف القرم إلى أوكرانيا. وعقب تفكك الإتحاد السوفياتي، باتت القرم منطقة حكم ذاتي تابعة لأوكرانيا، مع دستورها الخاص وصارت الأوكرانية والروسية والتتارية، لغات رسمية.

وفي التسعينات سادت توترات بين كييف وموسكو، بعضها نشأ على خلفية مطالبة الكرملين بالحفاظ على أسطول البحر الأسود في ميناء سيفاستوبول، والذي تم تأجيره لاحقاً لمدة طويلة. لكن شعوراً بالإستياء نحو كييف كان يسود في أوساط سكان القرم. وكانت المنطقة تعاني اقتصادياً. والكثير من سكانها الذين هم من العرقية الروسية، شعروا بانهم مهمشون وتملكهم الحنين إلى عهد الإتحاد السوفياتي.
وعام 2014، وبعد أيام من فرار الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش عقب ثورة الميدان، غزت روسيا القرم. وسرعان ما نظمت السلطات المدعومة من موسكو في شبه الجزيرة استفتاء غير شرعي حول الإنضمام إلى روسيا، في عملية سريعة، كان يأمل بوتين في تكرارها هذه السنة من خلال غزو كييف.