في سلسة أدباء الإمارات للأديب الناقد الأستاذ بلال البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي صدر في الأونة الأخيرة كتابه الثاني “ أحمد بن علي العويس الأديب المنسي “ بعد كتابه الموسوعي الأول “ الهزار الشادي “ الذي يؤرخ ويوثق من خلاله سيرة المرحوم الشاعر الكبير حمد بن خليفة بوشهاب

صاحب البصمات الراسخة في ميسرة أدب الإمارات الحديث والمعاصر. 
 

هذا الكتاب 

  ومما جاء في مقدمة المؤلف :  “ برزت على ساحة الإمارات بعض المحاولات الكتابية في الشعر والنثر , لكن لم يقدر لهذه المحاولات أن تأخذ طريقها إلى النشر . وما نشر منها كان محصورا تناوله لدي  البعض من المثقفين الذين كانوا يتابعون تلك الجهود. لذا فأن ما كتب لم يجمع كله , ولم يأخذ حقه من الدراسة والنقد , والمبدع إذا لم يتم تناول إنتاجه بالقراءة الفاحصة , والنقد والتحليل  لا يمكن أن ينتشر ذلك الإنتاج , ويتعرف عليه الجمهور . ولولا ما تتناقله الألسن , عن جهود أولائك السابقين من الرعيل الأول لأندثر الكثير من الإنتاج «. 

  ويتابع المؤلف الأديب الأستاذ بلال البدور يقول في المقدمة : “ أحاول هنا أن أسجل شيئا مما تمكنت من الحصول عليه , وتقديمه للمتلقي الكريم بهدف التعريف بالمبدع , وإستثارة همم وجهود من لديهم المزيد لإبرازاه , لأن مجموع ما يكتب في هذا الإطار يسجل ذاكرة الإمارات الثقافية عبر العصور . 

  وأحمد بن علي العويس أحد الذين برزوا من خلال روايات المقربين منه , من أسرته ومعارفه . فقد كانت له محاولات في الكتابة والنقد والإبداع , أتشرف بعرض شيئ من إبداعه وسيرته الثقافية . 
 

الأديب أحمد بن علي العويس 

  وفي الصفحة التاسعة من هذا الكتاب ( الوثيقة ) يتوقف المؤلف الأستاذ بلال البدور عند سيرة المرحوم الأديب أحمد بن علي العويس يقول : “الأديب أحمد بن علي العويس من مواليد الشارقة في 5-6-1932م , كما يظهر من جواز سفره الصادر من حكومة الشارقة , وهو أخ غير شقيق للشاعر سلطان بن علي العويس . بدأ دراسته فيما كانت تتيحه إمارة الشارقة من مدارس تقدم تعليما تقيلديا, بدائيا لكن نشأ في أسرة العويس المحبة للثقافة والفكر والأدب , وكانت لجده عبد الله بن سلطان  العويس مكتبة قيمة , ولوالده المرحوم علي عبد الله العويس مكتبة كذلك , كانت كما قال عنها أخوه المرحوم سلطان بن علي العويس الرافد الفكري الذي من خلاله أستقوا معارفهم هو وأخوته أحمد ومحمد وأبن خالته المرحوم الشاعر الشيخ  صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة الأسبق ورفاقهم أمثال المرحوم مبارك بن سيف الناخي , وخلفان بن مصبح وغيرهم من أدباء وشعراء الحيرة في الشارقة . 

 غادر الشاعر أحمد بن علي العويس الشارقة متجها إلى الهند في العام 1363 هجرية – الموافق العام 1948 ميلادية , فإلتحق بمدرسة “بروبرتي هاي سكول “ هو وأبن عمه المرحوم عمران بن  سالم العويس “أبو راشد “ وآخرون . كما درس في مدرسة بمنطقة بوري بندر بوري , وأقام في بومباي , التي كانت يومذاك ملتقي المفكرين والمثقين العرب وغيرهم . كما كانت بمثابة النافذة التى من خلالها يطلون على الثقافة العربية , حيث أن كانت تصلها الصحف والمجلات الصادرة في البلدان العربية , مثل القافلة والرسالة والهلال والعربي وغيرها , ناهيك عن مجلة العرب الصادرة في الهند . 
 

رسالة إلى صديقه  المرحوم الأديب الموسوعي محمد القرق 

  يقول المرحوم الشاعر أحمد بن علي العويس في أول خطاب بعث به من الهند بعد وصوله إلى بومباي بيومين إلى صديقه الأديب الموسوعي المرحوم محمد صالح القرق حسب التاريخ المدون في (1) صفر 1363 هجرية , 1948 ميلادية , يقول : “ وصل صديقك منذ يومين بومباي , وهو يحمد الله على وصوله بالسلامة . أرجو أنك بحال يسر أيها الصديق . هذه أول مرة أرى فيها المدن العامرة الحافلة بمختلف الأجناس والقبائل , من بني البشر . ولا أجدني مستغربا من نفسي إن ساورتها الدهشة , أو تملكها العجب , فأنني كنت أعرف بلدانا هادئة , ليس فيها ما يثير الدهشة , أما بومباي فليس إلا نمط مصغر ليوم الحشر «. 
 

بيئة خصبة للثقافة والإبداع 

 ويتابع المؤلف الأستاذ بلال البدور : كانت إقامة الشاعر المرحوم أحمد بن علي العويس بالهند ودراسته هناك , كفيلة بأن تصقل موهبته , وحبه للاطلاع والمعرفة وإكسابه فرصة التعرف على الآداب العربية والعالمية من خلال الترجمات التى كانت تصل إلى بومباي , وتباع في مكتباتها , كما يقول هو عن ذلك في خطاب بعث به إلى صديقة الأديب المرحوم  محمد صالح القرق في مارس العام 1948م , حيث يقول : “أخي توجد هنا كتب عربية عصرية كثيرة ,  سوف أرسل لك الفهرس في فرصة أخرى , وإذا أردت شيئا من الكتب بعد أن يصلك الفهرس اكتب لي « 

وفي هذه الرسالة يطلب منه أن يرسل له بشيء من أعداد مجلة المستمع العربي الصادرة من هيئة الإذاعة البريطانية . 
 

قراءات متنوعة 

لقد قرأ الأديب المرحوم أحمد بن علي العويس في النقد الأدبي والإبداع الفكري , وقرأ  في التاريخ والفلسفة , فتوسعت مداركه , وأثرت في محاولاته الكتابية . ويتضح ذلك من حسن تعبيره في رسائله التى بعث بها تباعا إلى صديقة المرحوم محمد صالح القرق العام 1948 م , حيث بعث له بأعداد من مجلة “ القافلة “ التي كانت تصدر في البحرين , إذا يقول : “وفي هذا اليوم إستلمت أربعة أعداد من مجلة القافلة وشكرت لك صنعيك , وكم كان سروري بهديتك تلك عظيما , وقد أنثينت إلى ربي أشكر أن وهبنى أصدقاء أبرارا لم ينسوني , وإن بعدت بيني وبينهم الشقة , يذكرونني وإن نزحت  الأقدار بي عنهم إلي أرض نائية .  ويختم شاعرنا رسالته بالقول : “ لا تتعجل فلست أتكلف إمتداحك أو الثناء عليك , فأن تلك الرابطة الأخوية هي أعز على وأعلى من أن أحوك المعاني , وأوشيها بالألفاظ , و إنها ليست مفتقرة إلى أن أخلع عليها أثوابا مزركشة زاهية , فهي غنية عن كل هذا بقوة معنوياتها وإستقامة سيرها , إذ لم أكد أقراها حتي سبحت في عالم نوارني مرفوف بأجنحته السندسية والمودة تضفي علينا من نعيمها الفياض ..».  
 

حوارات أدبية ثرية 

ويتطرق المؤلف الأديب الأستاذ بلال البدور إلى السجالات الشعرية والنقدية التى شارك فيها المرحوم الشاعر أحمد بن علي العويس حول شعر أحمد شوقي وإمارة الشعر ومفاهيم الشعر العربي و العالمي , وجدلية الواقعية والرومنتيكية في الشعر العالمي . وأراء النقاد حول المصطحات والمفاهيم والمقاصد والغايات بإيقاعات مشوقة تثري الفكر , وترقي بالإبداع الوضعي , ولا تتجاهل النقد الموضوعي و الصريح , وجدلياته العميقة و الهادفة , في إطار خلاق يكرس الأدب ليكون دائما مرآة عصره , يسمو بالصدق , ويؤثر بالعمق , ويهدف برسالة الأديب السامية والخلاقة المتأثر والمؤثرة , بلا إفراط وتفريط . وإنما الأشياء بإسمائها ومضامينها , في رسالة الحق والخير والجمال التي لا يشح زيتها , ولا يخبو نورها جيلا بعد جيل .  

ومن ذلك سجالاته مع الأديب الأستاذ علي الحلي , والأديب الدكتور محمد غلاب والأديب الأستاذ إبراهيم العليان والأديب الأستاذ علي سيار , وتواصله كذلك مع الأديب الأستاذ أنور المعدواي المشرف على باب الأدب في مجلة” الرسالة” القاهرية بعنوان “ تعقيبات “ حيث يحاور القراء ويعقب على رسائلهم ويبدي رأيه فيها .  وتتوالى فصول الكتاب إلى الآثار الأدبية للأستاذ أحمد العويس ثم أحمد الناقد الأدبي , ثم أحمد الكاتب , ثم أحمد الشاعر , ثم العويس في الحياة العملية , ثم سلسلة من الوثائق التاريخية والصورة الهامة في حياة الشاعر ومحطاتها وكتاباته .  
 

عائلات أدبية في العالم العربي . 

وأذا كان الأدب أبن بيئته كما يقول ستاندال , فإن للعائلات أثرها كما يقول الدكتور محمد مندور . وهنا لا بد من الإشارة ختاما إلى ظاهرة العائلات الأدبية بتاريخه المتوالي في مسيرة الأدب العربي , ولا سيما الحديث منه والمعاصر وأثر هذه الظاهرة سواء في النشوء أو التطور أو الارتقاء للأدباء .  

ومن ذلك عائلة العويس في دولة الإمارت العربية المتحدة  والتى برز فيها الشاعر على بن سالم العويس , وأبناه ناصر بن سالم , ومحمد بن سالم وكذلك الشاعر الكبير سلطان بن علي العويس ,  والشاعر والكاتب أحمد بن علي العويس الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا الكتاب , والمؤرخ الباحث المرحوم عمران بن سالم العويس , والأديب الشاعر معالي الأستاذ حميد بن ناصر العويس والشاعر معالي الأستاذ عبد الرحمن بن محمد العويس , ومن شعراء النبط المعروفين المرحوم حمد بن عبد الله العويس , وغيرهم من أبناء هذه العائلة الكريمة .  

وكذلك آل القاسمي في الشارقة ورأس الخيمة , ويبرز منهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة , وهو الباحث الموسوعي, والمؤرخ العتيد , والكاتب المبدع , والذي بلغت مؤلفاته حتى الآن أكثر من مائة كتاب في شتى المعارف , وألوان الثقافة .  

 وكذلك المرحوم الشاعر سمو  الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة الأسبق , وأبنه سمو الشيخ فيصل بن سلطان القاسمي الشاعر المبدع , وأبنه سعادة الشيخ الشاعر حميد بن سلطان القاسمي وغيرهم . وكذلك المرحوم سمو الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة الأسبق وأبنته الأديبة المبدعة الشاعرة ميسون صقر القاسمي . وفي سياق هذا الإبداع العائلي كذلك يأتي آل القرق وبرز منهم الأديب الموسوعى محمد صالح القرق , والأديب الدبلوماسي عيسى صالح القرق , والأديب المبدع الدكتور فريد عبد الله القرق .  

 وكذلك آل الصايغ وبرز منهم المرحوم الأديب حبيب الصايغ , والدكتورة فاطمة الصايغ وغيرها . 
 

عائلات الأدب العربية 

 ويقودنا الكلام عن العائلات الأدبية في دولة الإمارات العربية المتحدة , إلى العائلات الأدبية العربية في فلسطين مثل آل الكرمي , وآل طوقان , وفي لبنان مثل آل البستاني وآل اليازجي , وآل زيادة وآل المعلوف . وفي سوريا آل القباني وآل الجابري , وفي العراق آل الباجه جي , وآل عمارة , وآل الألوسي . وفي السودان آل المحجوب, وآل المهدي . وفي الأردن آل التل , وآل الناعوري , وفي مصر آل تيمور , وآل هيكل, وفي المغرب آل الفاسي , وغير ذلك من العائلات العربية التي لعبت دورا أدبيا بارزا في الأدب العربي الحديث والمعاصر شعرا أو نثرا أو قصة أو رواية أو مقالة .

خلاصة القول : “ إن هذا الكتاب أحمد بن علي العويس الأديب المنسي “ للأديب الكبير الأستاذ بلال البدور , يعتبر إضاءة ساطعة على حياة الشاعر , وآفاق عصره , وفعله وتفاعله في محيطه , في حله وترحاله , وفي تطلعاته التى تتناقلها الأجيال المتوالية تترى في إيقاع الإبداع المتواصل , الجامع بين التراث  والحداثة والأصالة والمعاصرة بتوزان متناغم لا تغيب شمسه , ولا  تنطفىء جذوته من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر , ولكل مجتهد نصيب ...